مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
علوم القرآن
التجويد والقراءات
التفاسير
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
19
صفحه :
662
سورة الأحزاب
5
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين، إن الله كان عليما حكيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي اتق الله بطاعته وأداء فرائضه، وواجب حقوقه عليك والانتهاء عن محارمه وانتهاك حدوده ولا
5
القول في تأويل قوله تعالى: وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا يقول تعالى ذكره: وفوض إلى الله أمرك يا محمد وثق به وكفى بالله وكيلا يقول: وحسبك بالله فيما يأمرك وكيلا، وحفيظا بك
6
القول في تأويل قوله تعالى: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه اختلف أهل التأويل في المراد من قول الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فقال بعضهم: عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق وصفوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو قلبين، فنفى الله ذلك عن نبيه
6
وقوله: وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم يقول تعالى ذكره: ولم يجعل الله أيها الرجال نساءكم اللائي تقولون لهن: أنتن علينا كظهور أمهاتنا أمهاتكم، بل جعل ذلك من قبلكم كذبا وألزمكم عقوبة لكم، كفارة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
9
وقوله: وما جعل أدعياءكم أبناءكم يقول: ولم يجعل الله من ادعيت أنه ابنك وهو ابن غيرك ابنك بدعواك. وذكر أن ذلك نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل تبنيه زيد بن حارثة.
10
وقوله ذلكم قولكم بأفواهكم يقول تعالى ذكره: هذا القول وهو قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ودعاؤه من ليس بابنه أنه ابنه إنما هو قولكم بأفواهكم لا حقيقة له. لا يثبت بهذه الدعوى نسب الذي ادعيت بنوته، ولا تصير الزوجة أما بقول الرجل لها: أنت علي
11
القول في تأويل قوله تعالى ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم يقول الله تعالى ذكره: انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم. يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه
11
وقوله هو أقسط عند الله يقول: دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبتكموهم إلى من تبناهم وادعاهم وليسوا له بنين كما:
12
وقوله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم يقول تعالى ذكره: فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم ولم تعرفوهم، فتلحقوهم بهم فإخوانكم في الدين يقول: فهم إخوانكم في الدين، إن كانوا من أهل ملتكم، ومواليكم إن كانوا
12
وقوله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به يقول: ولا حرج عليكم ولا وزر في خطأ يكون منكم في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه وأنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه، وهو ابن لغيره ولكن ما تعمدت قلوبكم يقول: ولكن الإثم والحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه وأنتم
13
وقوله: وكان الله غفورا رحيما يقول الله تعالى ذكره: وكان الله ذا ستر على ذنب من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول، وذنب من ادعى ولد غيره ابنا له إذا تابا وراجعا أمر الله وانتهيا عن قول الباطل بعد أن نهاهما ربهما عنه ذا رحمة بهما أن يعاقبهما على
14
القول في تأويل قوله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم يقول تعالى ذكره: النبي محمد أولى بالمؤمنين، يقول: أحق بالمؤمنين به من أنفسهم أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم فيجوز ذلك عليهم. كما:
14
وقوله وأزواجه أمهاتهم يقول: وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم، في أنهن يحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته، كما يحرم عليهم نكاح أمهاتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
16
وقوله وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين يقول تعالى ذكره: وأولو الأرحام الذين ورثت بعضهم من بعض هم أولى بميراث بعض من المؤمنين والمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا بالهجرة والإيمان دون الرحم. بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
17
وقوله: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: إلا أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة.
18
وقوله كان ذلك في الكتاب مسطورا يقول: كان أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله: أي في اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا، كما قال الراجز: في الصحف الأولى التي كان سطر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
21
القول في تأويل قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا يقول تعالى ذكره: كان ذلك في الكتاب مسطورا إذ كتبنا كل ما هو كائن في الكتاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم كان ذلك أيضا في الكتاب
22
القول في تأويل قوله تعالى ليسأل الصادقين عن صدقهم يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الأنبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة. وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل.
24
وقوله: وأعد للكافرين عذابا أليما يقول: وأعد للكافرين بالله من الأمم عذابا موجعا.
24
القول في تأويل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم التي أنعمها على جماعتكم وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق إذ جاءتكم جنود جنود الأحزاب:
25
وقوله: وكان الله بما تعملون بصيرا يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم يومئذ وذلك صبرهم على ما كانوا فيه من الجهد والشدة، وثباتهم لعدوهم وغير ذلك من أعمالهم بصيرا لا يخفى عليه من ذلك شيء، يحصيه عليهم ليجزيهم عليه.
29
القول في تأويل قوله تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم يقول تعالى ذكره: وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاءتكم جنود الأحزاب من فوقكم ومن أسفل منكم. وقيل: إن الذين أتوهم من أسفل منهم أبو سفيان في قريش ومن معه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
29
وقوله: وإذ زاغت الأبصار يقول: وحين عدلت الأبصار عن مقرها، وشخصت طامحة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
34
وقوله: وبلغت القلوب الحناجر يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب والخوف فبلغت إلى الحناجر. كما:
35
وقوله: وتظنون بالله الظنونا يقول: وتظنون بالله الظنون الكاذبة، وذلك كظن من ظن منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغلب وأن ما وعده الله من النصر أن لا يكون ونحو ذلك من ظنونهم الكاذبة التي ظنها من ظن ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكره.
35
وقوله هنالك ابتلي المؤمنون يقول: عند ذلك اختبر إيمان المؤمنين، ومحص القوم، وعرف المؤمن من المنافق. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
37
وقوله: وزلزلوا زلزالا شديدا يقول: وحركوا بالفتنة تحريكا شديدا، وابتلوا وفتنوا
38
وقوله: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض شك في الإيمان، وضعف في إعتقادهم إياه ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وذلك فيما ذكر قول معتب بن قشير. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
38
القول في تأويل قوله تعالى وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا يعني تعالى ذكره بقوله وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم وإذ قال بعضهم: يا أهل يثرب ويثرب: اسم أرض، فيقال: إن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية من يثرب.
42
وقوله: ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة يقول تعالى ذكره: ويستأذن بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإذن بالانصراف عنه إلى منزله، ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
43
وقوله ولو دخلت عليهم من أقطارها يقول: ولو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين إن بيوتنا عورة من أقطارها، يعني: من جوانبها ونواحيها، وأحدها: قطر، وفيها لغة أخرى: قتر، وأقتار؛ ومنه قول الراجز: إن شئت أن تدهن أو تمرا فولهن قترك الأشرا وقوله ثم سئلوا
45
القول في تأويل قوله تعالى ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار، وكان عهد الله مسئولا يقول تعالى ذكره: ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانصراف عنه، ويقولون إن بيوتنا عورة عاهدوا الله من قبل ذلك أن لا يولوا عدوهم
46
القول في تأويل قوله تعالى قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمتعون إلا قليلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين يستأذنوك في الانصراف عنك ويقولون إن بيوتنا عورة، لن ينفعكم الفرار إن فررتم من
47
قوله قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون إن بيوتنا عورة هربا من القتل: من ذا الذي يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءا في أنفسكم من قتل أو بلاء أو غير ذلك، أو عافية
49
وقوله ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا يقول تعالى ذكره: ولا يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءا في أنفسهم وأموالهم من دون الله وليا يليهم بالكفاية ولا نصيرا ينصرهم من الله فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك.
49
القول في تأويل قوله تعالى قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلا. أشحة عليكم، فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد، أشحة على الخير،
50
وقوله: ولا يأتون البأس إلا قليلا أي لا يشهدون القتال، يغيبون عنه.
50
وقوله أشحة عليكم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به هؤلاء المنافقين في هذا الموضع من الشح، فقال بعضهم: وصفهم بالشح عليهم في الغنيمة.
51
وقوله: فإذا جاء الخوف. إلى قوله من الموت يقول تعالى ذكره: فإذا حضر البأس، وجاء القتال، خافوا الهلاك والقتل، رأيتهم يا محمد ينظرون إليك لواذا بك، تدور أعينهم، خوفا من القتل، وفرارا منه. كالذي يغشى عليه من الموت يقول: كدوران عين الذي يغشى عليه
53
وقوله: أشحة على الخير يقول: أشحة على الغنيمة، إذا ظفر المؤمنون
55
وقوله: أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم في هذه الآيات لم يصدقوا الله ورسوله، ولكنهم أهل كفر ونفاق. فأحبط الله أعمالهم يقول: فأذهب الله أجور أعمالهم وأبطلها. وذكر أن الذي وصف بهذه الصفة كان بدريا، فأحبط
55
وقوله: وكان ذلك على الله يسيرا يقول تعالى ذكره: وكان إحباط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفاقهم على الله يسيرا.
56
القول في تأويل قوله تعالى: يحسبون الأحزاب لم يذهبوا، وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا يقول تعالى ذكره: يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب، وهم قريش وغطفان. كما:
56
وقوله: لم يذهبوا يقول: لم ينصرفوا، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهلعا منهم، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
56
وقوله: وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يقول تعالى ذكره: وإن يأت المؤمنين الأحزاب وهم الجماعة: واحدهم حزب يودوا يقول: يتمنوا من الخوف والجبن أنهم غيب عنكم في البادية مع الأعراب خوفا من القتل. وذلك أن قوله: لو أنهم بادون في الأعراب
57
وقوله: يسألون عن أنبائكم يقول: يستخبر هؤلاء المنافقون أيها المؤمنون الناس عن أنبائكم، يعني عن أخباركم بالبادية، هل هلك محمد وأصحابه؟ نقول: يتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم، أن لا يشهدوا معكم مشاهدكم. ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا يقول تعالى
57
القول في تأويل قوله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما اختلفت القراء في قراءة قوله: أسوة فقرأ
58
وقوله: ولما رأى المؤمنون الأحزاب يقول: ولما عاين المؤمنون بالله ورسوله جماعات الكفار قالوا تسليما منهم لأمر الله، وإيقانا منهم بأن ذلك إنجاز وعده لهم الذي وعدهم بقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم إلى قوله قريب هذا ما
59
القول في تأويل قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا. ليجزي الله الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم، إن الله كان غفورا رحيما يقول تعالى ذكره من المؤمنين بالله
61
وقوله: وما بدلوا تبديلا وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييرا، كما غيره المعوقون القائلون لإخوانهم: هلم إلينا، والقائلون: إن بيوتنا عورة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
67
وقوله: ليجزي الله الصادقين بصدقهم يقول تعالى ذكره من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه , ليجزي الله الصادقين بصدقهم يقول: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به ويعذب المنافقين إن شاء بكفرهم بالله ونفاقهم أو يتوب عليهم
68
وقوله: إن الله كان غفورا رحيما يقول: إن الله كان ذا ستر على ذنوب التائبين، رحيما بالتائبين أن يعاقبهم بعد التوبة.
69
القول في تأويل قوله تعالى: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا يقول تعالى ذكره: ورد الله الذين كفروا به وبرسوله من قريش وغطفان بغيظهم يقول: بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أملوا من الظفر، وخيبتهم مما
69
وقوله: وكان الله قويا عزيزا يقول: وكان الله قويا على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب؛ عزيزا يقول: هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه. كما:
70
القول في تأويل قوله تعالى: وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا يقول تعالى ذكره: وأنزل الله الذين أعانوا الأحزاب من قريش
71
وقوله: وقذف في قلوبهم الرعب يقول: وألقى في قلوبهم الخوف منكم فريقا تقتلون يقول: تقتلون منهم جماعة، وهم الذين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حين ظهر عليهم وتأسرون فريقا يقول: وتأسرون منهم جماعة، وهم نساؤهم وذراريهم الذين سبوا، كما:
81
وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم يقول: وملككم بعد مهلكهم أرضهم، يعني مزارعهم ومغارسهم وديارهم يقول: ومساكنهم وأموالهم يعني سائر الأموال غير الأرض والدور.
82
وقوله: وأرضا لم تطئوها اختلف أهل التأويل فيها، أي أرض هي؟ فقال بعضهم: هي الروم وفارس ونحوها من البلاد التي فتحها الله بعد ذلك على المسلمين.
82
وكان الله على كل شيء قديرا يقول تعالى ذكره: وكان الله على أن أورث المؤمنين ذلك، وعلى نصره إياهم، وغير ذلك من الأمور قدرة، لا يتعذر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء حاول فعله.
83
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل
84
القول في تأويل قوله تعالى: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، وكان ذلك على الله يسيرا يقول تعالى ذكره لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يقول: من يزن منكن الزنى المعروف الذي أوجب الله
90
وقوله: وكان ذلك على الله يسيرا يقول تعالى ذكره: وكانت مضاعفة العذاب على من فعل ذلك منهن على الله يسيرا، والله أعلم.
91
القول في تأويل قوله تعالى: ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يقول تعالى ذكره: ومن يطع الله ورسوله منكن، وتعمل بما أمر الله به نؤتها أجرها مرتين يقول: يعطها الله ثواب عملها، مثلي ثواب عمل غيرهن من سائر نساء
92
القول في تأويل قوله تعالى: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
94
وقوله: فلا تخضعن بالقول يقول: فلا تلن بالقول للرجال فيما يبتغيه أهل الفاحشة منكن وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
94
وقوله: فيطمع الذي في قلبه مرض يقول: فيطمع الذي في قلبه ضعف؛ فهو لضعف إيمانه في قلبه، إما شاك في الإسلام منافق، فهو لذلك من أمره يستخف بحدود الله، وإما متهاون بإتيان الفواحش وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: إنما وصفه بأن في قلبه
95
وقوله: وقلن قولا معروفا يقول: وقلن قولا قد أذن الله لكم به وأباحه
95
وقوله: ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى قيل: إن التبرج في هذا الموضع التبختر والتكسر
97
وقوله: وأقمن الصلاة وآتين الزكاة يقول: وأقمن الصلاة المفروضة، وآتين الزكاة الواجبة عليكن في أموالكن وأطعن الله ورسوله فيما أمركن ونهاكن إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت يقول: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد، ويطهركم
100
القول في تأويل قوله تعالى: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا يقول تعالى ذكره لأزواج نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكرن نعمة الله عليكن، بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك، واحمدنه
108
وقوله: إن الله كان لطيفا خبيرا يقول تعالى ذكره: إن الله كان ذا لطف بكن، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله أزواجا
108
القول في تأويل قوله تعالى: إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد
109
القول في تأويل قوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا يقول تعالى ذكره: لم يكن لمؤمن بالله ورسوله، ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء أن يتخيروا من أمرهم
112
القول في تأويل قوله تعالى: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا
114
وقوله: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها يقول تعالى ذكره: فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته، وهي الوطر؛ ومنه قول الشاعر ودعني قبل أن أودعه لما قضى من شبابنا وطرا زوجناكها يقول: زوجناك زينب بعدما طلقها زيد وبانت منه لكي لا يكون على المؤمنين حرج في
117
القول في تأويل قوله تعالى: ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا يقول تعالى ذكره: ما كان على النبي من حرج من إثم فيما أحل الله له من نكاح امرأة من تبناه بعد فراقه إياها
119
وقوله: سنة الله في الذين خلوا من قبل يقول: لم يكن الله تعالى ليؤثم نبيه فيما أحل له مثال فعله بمن قبله من الرسل الذين مضوا قبله في أنه لم يؤثمهم بما أحل لهم، لم يكن لنبيه أن يخشى الناس فيما أمره به أو أحله له. ونصب قوله: سنة الله على معنى: حقا من
119
وقوله: وكان أمر الله قدرا مقدورا يقول: وكان أمر الله قضاء مقضيا
119
القول في تأويل قوله تعالى: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا يقول تعالى ذكره: سنة الله في الذين خلوا من قبل محمد من الرسل، الذين يبلغون رسالات الله إلى من أرسلوا إليه، ويخافون الله في تركهم تبليغ ذلك إياهم،
120
القول في تأويل قوله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليما يقول تعالى ذكره: ما كان أيها الناس محمد أبا زيد بن حارثة، ولا أبا أحد من رجالكم، الذين لم يلده محمد، فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه
121
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله
123
وقوله: هو الذي يصلي عليكم وملائكته يقول تعالى ذكره: ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثير، وتسبحونه بكرة وأصيلا إذا أنتم فعلتم ذلك الذي يرحمكم، ويثني عليكم هو، ويدعو لكم وملائكته. وقيل: إن معنى قوله: يصلي عليكم وملائكته يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد
123
وقوله: ليخرجكم من الظلمات إلى النور يقول: تدعو ملائكة الله لكم، فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهدي، ومن الكفر إلى الإسلام وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل
123
وقوله: وكان بالمؤمنين رحيما يقول تعالى ذكره: وكان بالمؤمنين به ورسوله ذا رحمة أن يعذبهم وهم له مطيعون، ولأمره متبعون تحيتهم يوم يلقونه سلام يقول جل ثناؤه: تحية هؤلاء المؤمنين يوم القيامة في الجنة سلام، يقول بعضهم لبعض: أمنة لنا ولكم بدخولنا هذا
124
وقوله: وأعد لهم أجرا كريما يقول: وأعد لهؤلاء المؤمنين ثوابا لهم على طاعتهم إياه في الدنيا كريما، وذلك هو الجنة
125
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى
125
وقوله: وداعيا إلى الله يقول: وداعيا إلى توحيد الله، وإفراد الألوهة له، وإخلاص الطاعة لوجهه دون كل من سواه من الآلهة والأوثان
126
وقوله: بإذنه يقول: بأمره إياك بذلك وسراجا منيرا يقول: وضياء لخلقه يستضيء بالنور الذي أتيتهم به من عند الله عباده منيرا يقول: ضياء ينير لمن استضاء بضوئه، وعمل بما أمره. وإنما يعني بذلك، أنه يهدي به من اتبعه من أمته
126
وقوله: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا يقول تعالى ذكره: وبشر أهل الإيمان بالله يا محمد بأن لهم من الله فضلا كبيرا؛ يقول: بأن لهم من ثواب الله على طاعتهم إياه تضعيفا كثيرا، وذلك هو الفضل الكبير من الله لهم
126
وقوله: ولا تطع الكافرين والمنافقين يقول: ولا تطع لقول كافر ولا منافق، فتسمع منه دعاءه إياك إلى التقصير في تبليغ رسالات الله إلى من أرسلك بها إليه من خلقه ودع أذاهم يقول: وأعرض عن أذاهم لك، واصبر عليه، ولا يمنعك ذلك عن القيام بأمر الله في عباده،
126
وقوله: وتوكل على الله يقول: وفوض إلى الله أمورك، وثق به، فإنه كافيك جميع من دونه، حتى يأتيك بأمره وقضائه وكفى بالله وكيلا يقول: وحسبك بالله قيما بأمورك، وحافظا لك وكالئا
127
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
127
وقوله: وسرحوهن سراحا جميلا يقول: وأخلوا سبيلهن تخلية بالمعروف، وهو التسريح الجميل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
128
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون
129
وقوله: وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك يقول: وأحللنا لك إماءك اللواتي سبيتهن، فملكتهن بالسباء، وصرن لك بفتح الله عليك من الفيء وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك فأحل الله له صلى الله عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله
130
وقوله: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي يقول: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي بغير صداق
132
وقوله إن أراد النبي أن يستنكحها يقول: إن أراد أن ينكحها، فحلال له أن ينكحها وإذا وهبت نفسها له بغير مهر خالصة لك يقول: لا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمتك
132
وقوله: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم إذا أرادوا نكاحهن مما لم نفرضه عليك، وما خصصناهم به من الحكم في ذلك دونك، وهو أنا فرضنا عليهم أنه لا يحل لهم عقد نكاح على حرة مسلمة إلا بولي عصبة
136
وقوله: وما ملكت أيمانهم يقول تعالى ذكره: قد علمنا ما فرضنا على المؤمنين في أزواجهم، لأنه لا يحل لهم منهن أكثر من أربع، وما ملكت أيمانهم، فإن جميعهن إذا كن مؤمنات أو كتابيات، لهم حلال بالسباء والتسري وغير ذلك من أسباب الملك
137
وقوله: لكي لا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما " يقول تعالى ذكره: إنا أحللنا لك يا محمد أزواجك اللواتي ذكرنا في هذه الآية، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، إن أراد النبي أن يستنكحها، لكي لا يكون عليك إثم وضيق في نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف
138
القول في تأويل قوله تعالى: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ترجي من تشاء منهن
138
وقوله: ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن نكحت من نسائك فجامعت ممن لم تنكح، فعزلته عن الجماع، فلا جناح عليك
143
وقوله: ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن يقول: هذا الذي جعلت لك يا محمد من إذني لك أن ترجي من تشاء من النساء اللواتي جعلت لك إرجاءهن، وتؤوي من تشاء منهن، ووضعي عنك الحرج في ابتغائك إصابة من ابتغيت إصابته من نسائك، وعزلك عن ذلك من عزلت منهن، أقرب
145
وقوله: والله يعلم ما في قلوبكم يقول: والله يعلم ما في قلوب الرجال من ميلها إلى بعض من عنده من النساء دون بعض بالهوى والمحبة؛ يقول: فلذلك وضع عنك الحرج يا محمد فيما وضع عنك من ابتغاء من ابتغيت منهن، ممن عزلت تفضلا منه عليك بذلك وتكرمة وكان الله عليما
146
القول في تأويل قوله تعالى: لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: لا يحل لك النساء من بعد فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد
146
وقوله: ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحل لك النساء من بعد المسلمات، لا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة، ولا أن تبدل بالمسلمات غيرهن من الكوافر
151
وقوله: وكان الله على كل شيء رقيبا يقول: وكان الله على كل شيء ما أحل لك، وحرم عليك، وغير ذلك من الأشياء كلها، حفيظا لا يعزب عنه علم شيء من ذلك، ولا يؤوده حفظ ذلك كله
157
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا
157
وقوله: ولكن إذا دعيتم فادخلوا يقول: ولكن إذا دعاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله فإذا طعمتم فانتشروا يقول: فإذا أكلتم الطعام الذي دعيتم لأكله فانتشروا، يعني فتفرقوا واخرجوا من منزله ولا مستأنسين لحديث فقوله: ولا
160
وقوله: إن ذلكم كان يؤذي النبي يقول: إن دخولكم بيوت النبي من غير أن يؤذن لكم، وجلوسكم فيها مستأنسين للحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتم له، كان يؤذي النبي، فيستحيي منكم أن يخرجكم منها إذا قعدتم فيها للحديث بعد الفراغ من الطعام، أو يمنعكم من
166
وقوله: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله، وما يصلح ذلك لكم ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا يقول: وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا لأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه وذكر أن ذلك نزل
169
وقوله: إن ذلكم كان عند الله عظيما يقول: إن أذاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيم من الإثم
170
القول في تأويل قوله تعالى: إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما يقول تعالى ذكره: إن تظهروا بألسنتكم شيئا أيها الناس من مراقبة النساء، أو غير ذلك مما نهاكم عنه أو أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: لأتزوجن زوجته بعد وفاته، أو تخفوه
171
القول في تأويل قوله تعالى: لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا يقول تعالى ذكره: لا حرج على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في
171
وقوله: ولا نسائهن يقول: ولا جناح عليهن أيضا في أن لا يحتجبن من نساء المؤمنين
173
وقوله: ولا ما ملكت أيمانهن من الرجال والنساء وقال آخرون: من النساء
174
وقوله: واتقين الله يقول: وخفن الله أيها النساء أن تتعدين ما حد الله لكن، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن أن تبدينه، أو تتركن الحجاب الذي أمركن الله بلزومه، إلا فيما أباح لكن تركه، والزمن طاعته إن الله كان على كل شيء شهيدا يقول تعالى ذكره: إن الله شاهد
174
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما يقول تعالى ذكره: إن الله وملائكته يبركون على النبي محمد صلى الله عليه وسلم
174
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا يعني بقوله تعالى ذكره: إن الذين يؤذون الله إن الذين يؤذون ربهم
178
وقوله: لعنهم الله في الدنيا والآخرة يقول تعالى ذكره: أبعدهم الله من رحمته في الدنيا والآخرة وأعد لهم في الآخرة عذابا يهينهم فيه بالخلود فيه
179
وقوله: والذين يؤذون المؤمنين كان مجاهد يوجه معنى قوله يؤذون إلى يقفون
179
وقوله: فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا يقول: فقد احتملوا زورا وكذبا وفرية شنيعة؛ وبهتانا: أفحش الكذب وإثما مبينا يقول: وإثما يبين لسامعه أنه إثم وزور
180
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، لا
180
وقوله: ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين يقول تعالى ذكره: إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به، ويعلموا أنهن لسن بإماء، فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه، أو تعرض بريبة وكان الله غفورا لما سلف منهن من تركهن إدناءهن الجلابيب عليهن
183
القول في تأويل قوله تعالى: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا يقول تعالى ذكره: لئن لم ينته أهل النفاق، الذين يستسرون الكفر، ويظهرون الإيمان
183
وقوله: والمرجفون في المدينة يقول: وأهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل
185
وقوله: لنغرينك بهم يقول: لنسلطنك عليهم ولنحرشنك بهم " وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
185
قوله: ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا يقول: ثم لننفينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فيها إلا قليلا من المدة والأجل، حتى تنفيهم عنها، فنخرجهم منها
186
وقوله: ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا يقول تعالى ذكره: مطرودين منفيين أينما ثقفوا يقول: حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بالله تقتيلا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
186
القول في تأويل قوله تعالى: سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا يقول تعالى ذكره: سنة الله في الذين خلوا من قبل هؤلاء المنافقين الذين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من ضرباء هؤلاء المنافقين، إذا هم أظهروا نفاقهم أن يقتلهم
187
وقوله: ولن تجد لسنة الله تبديلا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا، فأيقن أنه غير مغير في هؤلاء المنافقين سنته
187
القول في تأويل قوله تعالى: يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا يقول تعالى ذكره: يسألك الناس يا محمد عن الساعة متى هي قائمة؟ قل لهم: إنما علم الساعة عند الله لا يعلم وقت قيامها غيره وما يدريك لعل الساعة تكون
187
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يقول تعالى ذكره: إن الله أبعد الكافرين به من كل خير، وأقصاهم عنه وأعد لهم سعيرا يقول: وأعد لهم في الآخرة نارا تتقد وتتسعر ليصليهموها خالدين فيها
188
القول في تأويل قوله تعالى: يوم تقلب وجوههم في النار يقولون: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا يقول تعالى ذكره: لا يجد هؤلاء الكافرون وليا ولا نصيرا في يوم تقلب وجوههم في النار حالا بعد حال يقولون وتلك حالهم في النار: يا ليتنا أطعنا الله في الدنيا
188
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا يقول تعالى ذكره: وقال الكافرون يوم القيامة في جهنم: ربنا إنا أطعنا أئمتنا في الضلالة وكبراءنا في الشرك فأضلونا السبيلا يقول:
188
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يقول تعالى ذكره لأصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تؤذوا رسول الله بقول يكرهه منكم، ولا بفعل لا
190
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، اتقوا الله أن تعصوه، فتستحقوا بذلك عقوبته
195
وقوله: وقولوا قولا سديدا يقول: قولوا في رسول الله والمؤمنين قولا قاصدا غير جائز، حقا غير باطل
195
وقوله: يصلح لكم أعمالكم يقول تعالى ذكره للمؤمنين: اتقوا الله وقولوا السداد من القول يوفقكم لصالح الأعمال، فيصلح أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم يقول: ويعف لكم عن ذنوبكم، فلا يعاقبكم عليها ومن يطع الله ورسوله فيعمل بما أمره به، وينتهي عما نهاه، ويقل
196
القول في تأويل قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن
196
القول في تأويل قوله تعالى: ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما يقول تعالى ذكره: وحمل الإنسان الأمانة كيما يعذب الله المنافقين فيها الذين يظهرون أنهم يؤدون فرائض الله، مؤمنين بها،
205
سورة سبأ
207
القول في تأويل قوله تعالى: الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يقول تعالى ذكره: الشكر الكامل، والحمد التام كله للمعبود الذي هو مالك جميع ما في السموات السبع، وما في الأرضين السبع دون كل ما يعبدونه، ودون
207
القول في تأويل قوله تعالى: يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور يقول تعالى ذكره: يعلم ما يدخل الأرض وما يغيب فيها من شيء؛ من قولهم: ولجت في كذا: إذا دخلت فيه، كما قال الشاعر: رأيت القوافي يتلجن
208
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين يقول تعالى ذكره: ويستعجلك يا محمد الذين جحدوا قدرة الله على إعادة خلقه
209
وقوله: مثقال ذرة يعني: زنة ذرة في السموات ولا في الأرض؛ يقول تعالى ذكره: لا يغيب عنه شيء من زنة ذرة فما فوقها فما دونها، أين كان في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك يقول: ولا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرة ولا أكبر منه إلا في كتاب مبين يقول: هو
211
القول في تأويل قوله تعالى: ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في الكتاب المبين، كي يثيب الذين آمنوا بالله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله ورسوله به، وانتهوا عما نهاهم عنه على طاعتهم ربهم أولئك لهم
211
القول في تأويل قوله تعالى: والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في الكتاب، ليجزي المؤمنين ما وصف، وليجزي الذين سعوا في آياتنا معاجزين؛ يقول: وكي يثيب الذين عملوا في إبطال أدلتنا وحججنا معاونين، يحسبون
212
القول في تأويل قوله تعالى: ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد يقول تعالى ذكره: أثبت ذلك في كتاب مبين؛ ليجزي الذين آمنوا، والذين سعوا في آياتنا ما قد بين لهم، وليرى الذين أوتوا العلم؛ فيرى في موضع نصب
213
وقوله: ويهدي إلى صراط العزيز الحميد يقول: ويرشد من اتبعه، وعمل بما فيه إلى سبيل الله العزيز في انتقامه من أعدائه، الحميد عند خلقه، فأياديه عندهم، ونعمه لديهم. وإنما يعني أن الكتاب الذي أنزل على محمد يهدي إلى الإسلام
214
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد يقول تعالى ذكره: وقال الذين كفروا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، متعجبين من وعده إياهم البعث بعد الممات بعضهم لبعض: هل ندلكم أيها الناس
214
القول في تأويل قوله تعالى: أفترى على الله كذبا أم به جنة، بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء الذين كفروا به، وأنكروا البعث بعد الممات بعضهم لبعض، معجبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وعده إياهم
215
وقوله: بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما قال هؤلاء المشركون في محمد صلى الله عليه وسلم، وظنوا به من أنه أفترى على الله كذبا، أو أن به جنة، لكن الذين لا يؤمنون بالآخرة من هؤلاء المشركين في عذاب الله في
216
القول في تأويل قوله تعالى: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالمعاد، الجاحدون البعث بعد الممات، القائلون
218
وقوله: إن في ذلك لآية لكل عبد منيب يقول تعالى ذكره: إن في إحاطة السماء والأرض بعباد الله لآية يقول: لدلالة لكل عبد منيب يقول: لكل عبد أناب إلى ربه بالتوبة، ورجع إلى معرفة توحيده، والإقرار بربوبيته، والاعتراف بوحدانيته، والإذعان لطاعته، على أن
218
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منا فضلا، وقلنا للجبال: أوبي معه سبحي معه إذا سبح والتأويب
219
وقوله: والطير وفي نصب الطير وجهان: أحدهما على ما قاله ابن زيد من أن الطير نوديت كما نوديت الجبال، فتكون منصوبة من أجل أنها معطوفة على مرفوع، بما لا يحسن إعادة رافعه عليه، فيكون كالمصدر عن جهته، والآخر: فعل ضمير متروك استغني بدلالة الكلام عليه،
221
وقوله: وألنا له الحديد ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار، ولا ضرب بحديد
222
وقوله: أن اعمل سابغات يقول: وعهدنا إليه أن اعمل سابغات، وهي التوام الكوامل من الدروع وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل
222
وقوله: وقدر في السرد اختلف أهل التأويل في السرد، فقال بعضهم: السرد: هو مسمار حلق الدرع
223
وقوله: واعملوا صالحا يقول تعالى ذكره: واعمل يا داود أنت وآلك بطاعة الله إني بما تعملون بصير يقول جل ثناؤه: إني بما تعمل أنت وأتباعك ذو بصر لا يخفى علي منه شيء، وأنا مجازيك وإياهم على جميع ذلك
226
القول في تأويل قوله تعالى: ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير اختلفت القراء في قراءة قوله: ولسليمان الريح فقرأته عامة قراء الأمصار ولسليمان الريح بنصب
226
وقوله: غدوها شهر يقول تعالى ذكره: وسخرنا لسليمان الريح، غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
227
وقوله: وأسلنا له عين القطر يقول: وأذبنا له عين النحاس، وأجريناها له وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
228
وقوله: ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه يقول تعالى ذكره: ومن الجن من يطيعه، ويأتمر بأمره، وينتهي لنهيه، فيعمل بين يديه ما يأمره طاعة له بإذن ربه يقول: بأمر الله بذلك، وتسخيره إياه له ومن يزغ منهم عن أمرنا يقول: ومن يزل ويعدل من الجن عن أمرنا
229
القول في تأويل قوله تعالى: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور يعني تعالى ذكره: يعمل الجن لسليمان ما يشاء من محاريب، وهي جمع محراب، والمحراب: مقدم كل مسجد وبيت ومصلى، ومنه قول عدي
230
وقوله: وتماثيل يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج
231
وقوله: وجفان كالجواب يقول: وينحتون له ما يشاء من جفان كالجواب؛ وهي جمع جابية، والجابية: الحوض الذي يجبى فيه الماء، كما قال الأعشى ميمون بن قيس: تروح على نادي المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق وكما قال الآخر: فصبحت جابية صهارجا كأنها جلد
232
وقوله: وقدور راسيات يقول: وقدور ثابتات لا يحركن عن أماكنهن، ولا تحول لعظمهن وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
234
وقوله: اعملوا آل داود شكرا يقول تعالى ذكره: وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا له على ما أنعم عليكم من النعم التي خصكم بها عن سائر خلقه مع الشكر له على سائر نعمه التي عمكم بها مع سائر خلقه؛ وترك ذكر وقلنا لهم اكتفاء بدلالة الكلام على ما ترك
235
وقوله: وقليل من عبادي الشكور يقول تعالى ذكره: وقليل من عبادي المخلصو توحيدي، والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
236
القول في تأويل قوله تعالى: فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين يقول تعالى ذكره: فلما أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات ما دلهم على موته يقول: لم يدل
237
وقوله: فلما خر تبينت الجن يقول عز وجل: فلما خر سليمان ساقطا بانكسار منسأته تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب الذي يدعون علمه ما لبثوا في العذاب المهين المذل حولا كاملا بعد موت سليمان، وهم يحسبون أن سليمان حي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
239
القول في تأويل قوله تعالى: لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور يقول تعالى ذكره: لقد كان لولد سبإ في مسكنهم علامة بينة، وحجة واضحة، على أنه لا رب لهم إلا الذي أنعم عليهم النعم التي كانوا فيها
244
وقوله: آية قد بينا معناها قبل وأما قوله: جنتان عن يمين وشمال فإنه يعني: بستانان كانا بين جبلين، عن يمين من أتاهما وشماله
246
وقوله: كلوا من رزق ربكم الذي يرزقكم من هاتين الجنتين من زروعهما وأثمارهما، واشكروا له على ما أنعم به عليكم من رزقه ذلك؛ والى هذا منتهى الخبر، ثم ابتدأ الخبر عن البلدة، فقيل: هذه بلدة طيبة: أي ليست بسبخة، ولكنها كما ذكرنا من صفتها عن عبد الرحمن بن
248
القول في تأويل قوله تعالى: فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور يقول تعالى ذكره: فأعرضت سبأ عن طاعة ربها وصدت عن اتباع ما دعتها إليه رسلها من أنه خالقها
248
وقوله: وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط يقول تعالى ذكره: وجعلنا لهم مكان بساتينهم من الفواكه والثمار، بساتين من جنى ثمر الأراك، والأراك: هو الخمط وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
255
وقوله: وشيء من سدر قليل يقول: ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل
257
وقوله: ذلك جزيناهم بما كفروا يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعلنا بهؤلاء القوم من سبأ من إرسالنا عليهم سيل العرم، حتى هلكت أموالهم، وخربت جناتهم، جزاء منا على كفرهم بنا، وتكذيبهم رسلنا وذلك من قوله: ذلك جزيناهم في موضع نصب بوقوع جزيناهم عليه؛ ومعنى
258
وقوله: وهل نجازي إلا الكفور اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وهل يجازى) بالياء وبفتح الزاي على وجه ما لم يسم فاعله إلا الكفور، رفعا، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: وهل نجازي بالنون وبكسر الزاي إلا الكفور
258
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة، وقدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما آمنين يقول تعالى ذكره مخبرا عن نعمته التي كان أنعمها على هؤلاء القوم الذين ظلموا أنفسهم وجعلنا بين بلدهم وبين القرى التي باركنا
260
وقوله: قرى ظاهرة يعني: قرى متصلة، وهي قرى عربية وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
261
وقوله: وقدرنا فيها السير يقول تعالى ذكره: وجعلنا بين قراهم والقرى التي باركنا فيها سيرا مقدرا من منزل إلى منزل، وقرية إلى قرية، لا ينزلون إلا في قرية، ولا يغدون إلا من قرية
263
وقوله: سيروا فيها ليالي وأياما آمنين يقول: وقلنا لهم سيروا في هذه القرى ما بين قراكم والقرى التي باركنا فيها ليالي وأياما، آمنين لا تخافون جوعا ولا عطشا، ولا من أحد ظلما وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
263
القول في تأويل قوله تعالى: فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور اختلف القراء في قراءة قوله: ربنا باعد بين أسفارنا فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة: ربنا باعد بين أسفارنا على وجه
264
وقوله وظلموا أنفسهم وكان ظلمهم إياها عملهم بما يسخط الله عليهم من معاصيه، مما يوجب لهم عقاب الله فجعلناهم أحاديث يقول: صيرناهم أحاديث للناس يضربون بهم المثل في السب، فيقال: تفرق القوم أيادي سبا، وأيدي سبا، إذا تفرقوا وتقطعوا
266
وقوله ومزقناهم كل ممزق يقول: وقطعناهم في البلاد كل مقطع
266
وقوله: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور يقول تعالى ذكره: إن في تمزيقناهم كل ممزق لآيات يقول: لعظة وعبرة ودلالة على واجب حق الله على عبده من الشكر على نعمه إذا أنعم عليه، وحقه من الصبر على محنته إذا امتحنه ببلاء لكل صبار شكور على نعمه وبنحو الذي قلنا في
268
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين اختلفت القراء في قراءة قوله: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: ولقد صدق بتشديد الدال من صدق، بمعنى أنه قال ظنا منه: ولا تجد أكثرهم شاكرين، وقال:
268
القول في تأويل قوله تعالى: وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ يقول تعالى ذكره: وما كان لإبليس على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم من حجة يضلهم بها، إلا بتسليطناه عليهم، ليعلم حزبنا وأولياؤنا من يؤمن
270
وقوله: وربك على كل شيء حفيظ يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة به، وغير ذلك من الأشياء كلها حفيظ لا يعزب عنه علم شيء منه، وهو مجاز جميعهم يوم القيامة، بما كسبوا في الدنيا من خير وشر
272
القول في تأويل قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير يقول تعالى ذكره: فهذا فعلنا بولينا ومن أطاعنا، داود وسليمان الذي فعلنا بهما من إنعامنا عليهما النعم التي
272
وقوله: وما لهم فيهما من شرك يقول تعالى ذكره: ولا هم إذ لم يكونوا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، منفردين بملكه من دون الله، يملكونه على وجه الشركة، لأن الأملاك في المملوكات، لا تكون لمالكها إلا على أحد وجهين: إما مقسوما، وإما مشاعا؛
272
وقوله: وما له منهم من ظهير يقول: وما لله من الآلهة التي يدعون من دونه معين على خلق شيء من ذلك، ولا على حفظه، إذ لم يكن لها ملك شيء منه مشاعا ولا مقسوما، فيقال: هو لك شريك من أجل أنه أعان وإن لم يكن له ملك شيء منه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
273
القول في تأويل قوله تعالى: ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير يقول تعالى ذكره: ولا تنفع شفاعة شافع كائنا من كان الشافع لمن شفع له، إلا أن يشفع لمن أذن الله في الشفاعة يقول تعالى:
273
وقوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم يقول: حتى إذا جلي عن قلوبهم، وكشف عنها الفزع وذهب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
274
القول في تأويل قوله تعالى: قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم الأوثان والأصنام: من يرزقكم من السموات والأرض بإنزاله الغيث عليكم
283
القول في تأويل قوله تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين: أحد فريقينا على هدى والآخر على ضلال، لا تسألون أنتم عما
286
القول في تأويل قوله تعالى: قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الآلهة والأصنام: أروني أيها القوم الذين ألحقتموهم بالله فصيرتموهم له شركاء في
287
القول في تأويل قوله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وما أرسلناك يا محمد إلى هؤلاء المشركين بالله من قومك خاصة، ولكنا أرسلناك كافة للناس أجمعين، العرب منهم والعجم، والأحمر والأسود، بشيرا من
288
القول في تأويل قوله تعالى: ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون بالله إذا سمعوا وعيد الله الكفار وما هو فاعل بهم في معادهم مما أنزل الله في كتابه: متى هذا الوعد
289
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين يقول تعالى ذكره: وقال الذين كفروا من مشركي العرب:
289
وقوله: ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يتلاومون، يحاور بعضهم بعضا، يقول المستضعفون كانوا في الدنيا للذين كانوا عليهم فيها يستكبرون: لولا أنتم أيها الرؤساء والكبراء في الدنيا لكنا مؤمنين بالله وآياته
290
القول في تأويل قوله تعالى: قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين يقول تعالى ذكره: قال الذين استكبروا في الدنيا، فرأسوا في الضلالة والكفر بالله للذين استضعفوا فيها فكانوا أتباعا لأهل الضلالة منهم إذ قالوا
290
القول في تأويل قوله تعالى: وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: وقال الذين
290
وقوله: إذ تأمروننا أن نكفر بالله يقول: حين تأمروننا أن نكفر بالله
292
وقوله: ونجعل له أندادا يقول: شركاء
292
قوله: وأسروا الندامة لما رأوا العذاب يقول: وندموا على ما فرطوا من طاعة الله في الدنيا حين عاينوا عذاب الله الذي أعده لهم
292
قوله: وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا وغلت أيدي الكافرين بالله في جهنم إلى أعناقهم في جوامع من نار جهنم، جزاء بما كانوا بالله في الدنيا يكفرون، يقول جل ثناؤه: ما يفعل الله ذلك بهم إلا ثوابا لأعمالهم الخبيثة التي كانوا في الدنيا يعملونها، ومكافأة
293
القول في تأويل قوله تعالى: وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون يقول تعالى ذكره: وما بعثنا إلى أهل قرية نذيرا ينذرهم بأسنا أن ينزل بهم على معصيتهم إيانا، إلا قال كبراؤها ورؤساؤها في الضلالة كما قال قوم فرعون من المشركين
293
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول تعالى ذكره: وقال أهل الاستكبار على الله من كل قرية أرسلنا فيها نذيرا لأنبيائنا ورسلنا: نحن أكثر أموالا وأولادا
294
القول في تأويل قوله تعالى: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون يقول جل ثناؤه: وما أموالكم التي تفتخرون بها أيها القوم على الناس، ولا أولادكم الذين تتكبرون بهم بالتي
295
وقوله: إلا من آمن وعمل صالحا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك؛ فقال بعضهم: معنى ذلك: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى، إلا من آمن وعمل صالحا، فإنه تقربهم أموالهم وأولادهم بطاعتهم الله في ذلك وأدائهم فيه حقه إلى الله زلفى دون أهل الكفر
296
وقوله: فأولئك لهم جزاء الضعف يقول: فهؤلاء لهم من الله على أعمالهم الصالحة الضعف من الثواب، بالواحدة عشر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
297
وقوله: في الغرفات آمنون يقول: وهم في غرفات الجنات آمنون من عذاب الله
298
القول في تأويل قوله تعالى: والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين يقول تعالى ذكره: والذين يعملون في آياتنا، يعني: في حججنا وآي كتابنا، يبتغون
298
قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده يقول تعالى ذكره: قل يا محمد إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من خلقه، فيوسعه عليه تكرمة له وغير تكرمة، ويقدر على من يشاء منهم فيضيقه ويقتره إهانة له وغير إهانة، بل محنة واختبارا وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه يقول: وما
298
وقوله: وهو خير الرازقين يقول: وهو خير من قيل إنه يرزق ووصف به، وذلك أنه قد يوصف بذلك من دونه، فيقال: فلان يرزق أهله وعياله
299
القول في تأويل قوله تعالى: ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون يقول تعالى ذكره: ويوم نحشر هؤلاء الكفار بالله جميعا، ثم نقول للملائكة: أهؤلاء كانوا
299
وقوله: أكثرهم بهم مؤمنون يقول: أكثرهم بالجن مصدقون، يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
300
القول في تأويل قوله تعالى: فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون يقول تعالى ذكره: فاليوم لا يملك بعضكم أيها الملائكة للذين كانوا في الدنيا يعبدونكم نفعا ينفعونكم به ولا ضرا ينالونكم به، أو
300
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين آيات كتابنا
300
القول في تأويل قوله تعالى: وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير يقول تعالى ذكره: وما أنزلنا على المشركين القائلين لمحمد صلى الله عليه وسلم لما جاءهم بآياتنا:
301
وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير يقول: وما أرسلنا إلى هؤلاء المشركين من قومك يا محمد فيما يقولون ويعملون قبلك من نبي ينذرهم بأسنا عليه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
301
وقوله: وكذب الذين من قبلهم يقول: وكذب الذين من قبلهم من الأمم رسلنا وتنزيلنا وما بلغوا معشار ما آتيناهم يقول: ولم يبلغ قومك يا محمد عشر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمم من القوة والأيدي والبطش، وغير ذلك من النعم، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
302
فكذبوا رسلي فكيف كان نكير يقول: فكذبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي، فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم، فانظر يا محمد كيف كان نكير. يقول: كيف كان تغييري بهم وعقوبتي
303
القول في تأويل قوله تعالى: قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك: إنما أعظكم أيها القوم بواحدة، وهي طاعة الله
303
وقوله: أن تقوموا لله مثنى وفرادى يقول: وتلك الواحدة التي أعظكم بها هي أن تقوموا لله اثنين اثنين، وفرادى فرادى، فأن في موضع خفض ترجمة عن الواحدة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
304
وقوله: ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة يقول: لأنه ليس بمجنون
305
وقوله إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد يقول: ما محمد إلا نذير لكم ينذركم على كفركم بالله عقابه أمام عذاب جهنم قبل أن تصلوها وقوله: " هو " كناية اسم محمد صلى الله عليه وسلم
305
القول في تأويل قوله تعالى: قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لقومك المكذبيك، الرادين عليك ما أتيتهم به من عند ربك: ما أسألكم من جعل على إنذاريكم عذاب الله، وتخويفكم به بأسه، ونصيحتي لكم
305
وقوله: إن أجري إلا على الله يقول: ما ثوابي على دعائكم إلى الإيمان بالله، والعمل بطاعته، وتبليغكم رسالته، إلا على الله وهو على كل شيء شهيد يقول: والله على حقيقة ما أقول لكم شهيد يشهد لي به، وعلى غير ذلك من الأشياء كلها
306
القول في تأويل قوله تعالى: قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك إن ربي يقذف بالحق وهو الوحي، يقول: ينزله من السماء، فيقذفه إلى نبيه محمد صلى الله
306
القول في تأويل قوله تعالى: قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لقومك: إن ضللت عن الهدى، فسلكت غير طريق الحق، فإنما ضلالي عن الصواب على نفسي، يقول: فإن ضلالي عن الهدى على نفسي ضره وإن
308
وقوله: إنه سميع قريب يقول: إن ربي سميع لما أقول لكم، حافظ له، وهو المجازي لي على صدقي في ذلك، وذلك مني غير بعيد، فيتعذر عليه سماع ما أقول لكم، وما تقولون، وما يقوله غيرنا، ولكنه قريب من كل متكلم يسمع كل ما ينطق به، أقرب إليه من حبل الوريد
308
القول في تأويل قوله تعالى: ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو ترى يا محمد إذ فزعوا واختلف أهل التأويل في المعنيين بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها هؤلاء المشركون الذين وصفهم تعالى ذكره بقوله
308
وقوله: وأخذوا من مكان قريب يقول: وأخذهم الله بعذابه من موضع قريب، لأنهم حيث كانوا من الله قريب لا يبعدون عنه
314
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون حين عاينوا عذاب الله آمنا به، يعني: آمنا بالله وبكتابه ورسوله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
314
وقوله: من مكان بعيد يقول: من آخرتهم إلى الدنيا
319
القول في تأويل قوله تعالى: وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد يقول تعالى ذكره: وقد كفروا به يقول: وقد كفروا بما يسألونه ربهم عند نزول العذاب بهم، ومعاينتهم إياه من الإقالة له، وذلك الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاءهم به
319
وقوله: ويقذفون بالغيب من مكان بعيد يقول: وهم اليوم يقذفون بالغيب محمدا من مكان بعيد، يعني أنهم يرجمونه، وما أتاهم من كتاب الله بالظنون والأوهام، فيقول بعضهم: هو ساحر، وبعضهم شاعر، وغير ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
320
القول في تأويل قوله تعالى: وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب يقول تعالى ذكره: وحيل بين هؤلاء المشركين حين فزعوا، فلا فوت، وأخذوا من مكان قريب، فقالوا آمنا به وبين ما يشتهون حينئذ من الإيمان بما كانوا به في
321
وقوله: كما فعل بأشياعهم من قبل يقول فعلنا بهؤلاء المشركين، فحلنا بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان بالله عند نزول سخط الله بهم، ومعاينتهم بأسه كما فعلنا بأشياعهم على كفرهم بالله من قبلهم من كفار الأمم، فلم نقبل منهم إيمانهم في ذلك الوقت، كما لم نقبل
323
وقوله: إنهم كانوا في شك مريب يقول تعالى ذكره: وحيل بين هؤلاء المشركين حين عاينوا بأس الله، وبين الإيمان: إنهم كانوا قبل في الدنيا في شك من نزول العذاب الذي نزل بهم وعاينوه، وقد أخبرهم نبيهم أنهم إن لم ينيبوا مما هم عليه مقيمون من الكفر بالله،
324
سورة فاطر
326
القول في تأويل قوله تعالى: الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير يقول تعالى ذكره: الشكر الكامل للمعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق
326
وقوله: يزيد في الخلق ما يشاء وذلك زيادته تبارك وتعالى في خلق هذا الملك من الأجنحة على الآخر ما يشاء، ونقصانه عن الآخر ما أحب، وكذلك ذلك في جميع خلقه يزيد ما يشاء في خلق ما شاء منه، وينقص ما شاء من خلق ما شاء، له الخلق والأمر، وله القدرة والسلطان إن
327
القول في تأويل قوله تعالى: ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: مفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده؛ فما يفتح الله للناس من خير فلا مغلق له، ولا ممسك عنهم، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد
327
وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول: وهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته، الحكيم في تدبير خلقه، وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة
328
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون يقول تعالى ذكره للمشركين به من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش: يا أيها الناس اذكروا نعمة الله التي أنعمها
329
القول في تأويل قوله تعالى: وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله من قومك
329
وقوله: يا أيها الناس إن وعد الله حق يقول تعالى ذكره لمشركي قريش، المكذبي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن وعد الله إياكم بأسه على إصراركم على الكفر به، وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتحذيركم نزول سطوته بكم على ذلك حق، فأيقنوا
330
القول في تأويل قوله تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير يقول تعالى ذكره: إن الشيطان الذي نهيتكم أيها الناس أن تغتروا بغروره إياكم بالله لكم عدو فاتخذوه عدوا يقول: فأنزلوه من أنفسكم منزل العدو منكم، واحذروه
331
القول في تأويل قوله تعالى: الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير يقول تعالى ذكره: الذين كفروا بالله ورسوله لهم عذاب من الله شديد، وذلك عذاب النار وقوله: والذين آمنوا يقول: والذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما
332
القول في تأويل قوله تعالى: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون يقول تعالى ذكره: أفمن حسن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به، وعبادة ما دونه من الآلهة
333
وقوله: فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء يقول: فإن الله يخذل من يشاء عن الإيمان به واتباعك وتصديقك، فيضله عن الرشاد إلى الحق في ذلك، ويهدي من يشاء يقول: ويوفق من يشاء للإيمان به واتباعك، والقبول منك، فتهديه إلى سبيل الرشاد فلا تذهب نفسك عليهم
333
وقوله: إن الله عليم بما يصنعون يقول تعالى ذكره: إن الله يا محمد ذو علم بما يصنع هؤلاء الذين زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، وهو محصيه عليهم، ومجازيهم به جزاءهم
335
القول في تأويل قوله تعالى: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح فتثير السحاب للحيا والغيث فسقناه إلى بلد ميت يقول: فسقناه إلى بلد مجدب الأهل، محل الأرض،
335
القول في تأويل قوله تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور اختلف أهل التأويل في معنى قوله: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا فقال بعضهم: معنى ذلك: من
336
وقوله: إليه يصعد الكلم الطيب يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه والعمل الصالح يرفعه يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلى ما أمر به وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
338
وقوله: والذين يمكرون السيئات يقول تعالى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
340
وقوله: ومكر أولئك هو يبور يقول: وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب، لأنه لم يكن لله، فلم ينفع عامله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
341
القول في تأويل قوله تعالى: والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير يقول تعالى ذكره: والله خلقكم أيها الناس من تراب يعني بذلك أنه خلق أباهم آدم
341
وقوله: وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه يقول تعالى ذكره: وما تحمل من أنثى منكم أيها الناس من حمل ولا نطفة إلا وهو عالم بحملها إياه ووضعها، وما هو؟ ذكر أو أنثى؟ لا يخفى عليه شيء من ذلك
342
وقوله: وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وما يعمر من معمر فيطول عمره، ولا ينقص من عمر آخر غيره عن عمر هذا الذي عمر عمرا طويلا إلا في كتاب عنده، مكتوب قبل أن تحمل به أمه، وقبل أن تضعه،
342
وقوله: إن ذلك على الله يسير يقول تعالى ذكره: إن إحصاء أعمار خلقه عليه يسير سهل، طويل ذلك وقصيره، لا يتعذر عليه شيء منه
345
القول في تأويل قوله تعالى: وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يقول تعالى ذكره: وما يعتدل البحران فيستويان، أحدهما عذب فرات؛
345
وقوله: ومن كل تأكلون لحما طريا يقول: ومن كل البحار تأكلون لحما طريا، وذلك السمك من عذبهما الفرات، وملحهما الأجاج وتستخرجون حلية تلبسونها يعني: الدر والمرجان تستخرجونها من الملح الأجاج. وقد بينا قبل وجه تستخرجون حلية، وإنما يستخرج من الملح فيما مضى
346
وقوله: لتبتغوا من فضله يقول: لتطلبوا بركوبكم في هذه البحار في الفلك من معايشكم، ولتتصرفوا فيها في تجاراتكم، وتشكروا الله على تسخيره ذلك لكم، وما رزقكم منه من طيبات الرزق، وفاخر الحلي
347
القول في تأويل قوله تعالى: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير يقول تعالى ذكره: يدخل الليل في النهار، وذلك ما نقص من الليل أدخله في النهار فزاده
347
وقوله: وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يقول: وأجرى لكم الشمس والقمر نعمة منه عليكم، ورحمة منه بكم، لتعلموا عدد السنين والحساب، وتعرفوا الليل من النهار
348
وقوله: كل يجري لأجل مسمى يقول: كل ذلك يجري لوقت معلوم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
348
وقوله: ذلكم الله ربكم
348
يقول: الذي يفعل هذه الأفعال معبودكم أيها الناس الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله ربكم
348
وقوله: له الملك يقول تعالى ذكره: له الملك التام الذي لا شيء إلا وهو في ملكه وسلطانه
348
وقوله والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير يقول تعالى ذكره: والذين تعبدون أيها الناس من دون ربكم الذي هذه الصفة التي ذكرها في هذه الآيات الذي له الملك الكامل، الذي لا يشبهه ملك، صفته ما يملكون من قطمير يقول: ما يملكون قشر نواة فما فوقها وبنحو الذي
349
القول في تأويل قوله تعالى: إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير
350
قوله: إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم يقول تعالى ذكره: إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الآلهة التي تعبدونها من دون الله لا يسمعوا دعاءكم، لأنها جماد لا تفهم عنكم ما تقولون ولو سمعوا ما استجابوا لكم يقول: ولو سمعوا دعاءكم إياهم، وفهموا
350
وقوله: ويوم القيامة يكفرون بشرككم يقول تعالى ذكره للمشركين من عبدة الأوثان: ويوم القيامة تتبرأ آلهتكم التي تعبدونها من دون الله من أن تكون كانت لله شريكا في الدنيا
351
وقوله: ولا ينبئك مثل خبير يقول تعالى ذكره: ولا يخبرك يا محمد عن آلهة هؤلاء المشركين وما يكون من أمرها وأمر عبدتها يوم القيامة، من تبرئها منهم، وكفرها بهم، مثل ذي خبرة بأمرها وأمرهم؛ وذلك الخبير هو الله الذي لا يخفى عليه شيء كان أو يكون سبحانه وبنحو
351
القول في تأويل قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس أنتم أولو الحاجة والفقر إلى ربكم، فإياه فاعبدوا، وفي رضاه فسارعوا، يغنكم من فقركم، وتنجح لديه حوائجكم والله هو الغني عن عبادتكم إياه
352
القول في تأويل قوله تعالى: إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير
352
وقوله: وما ذلك على الله بعزيز يقول: وما إذهابكم والإتيان بخلق سواكم على الله بشديد، بل ذلك عليه يسير سهل، يقول: فاتقوا الله أيها الناس، وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك
353
وقوله: ولا تزر وازرة وزر أخرى يقول تعالى ذكره: ولا تحمل آثمة إثم أخرى غيرها وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى يقول تعالى: وإن تسأل ذات ثقل من الذنوب من يحمل عنها ذنوبها، وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئا منها، ولو كان الذي
353
وقوله: إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنما تنذر يا محمد الذين يخافون عقاب الله يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك، ولكن لإيمانهم بما أتيتهم به، وتصديقهم لك فيما أنبأتهم عن الله؛ فهؤلاء الذين ينفعهم
355
وقوله: وأقاموا الصلاة يقول: وأدوا الصلاة المفروضة بحدودها على ما فرضها الله عليهم
355
وقوله: ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه يقول تعالى ذكره: ومن يتطهر من دنس الكفر والذنوب بالتوبة إلى الله، والإيمان به، والعمل بطاعته، فإنما يتطهر لنفسه، وذلك أنه يثيبها به رضا الله، والفوز بجنانه، والنجاة من عقابه، الذي أعده لأهل الكفر به
355
وقوله: وإلى الله المصير يقول: وإلى الله مصير كل عامل منكم أيها الناس، مؤمنكم وكافركم، وبركم وفاجركم، وهو مجاز جميعكم بما قدم من خير أو شر على ما أهل منه
356
القول في تأويل قوله تعالى: وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير يقول تعالى ذكره: وما يستوي الأعمى عن دين الله الذي ابتعث به نبيه
356
وقوله: وما يستوي الأحياء ولا الأموات يقول: وما يستوي الأحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله، ومعرفة تنزيل الله، والأموات القلوب لغلبة الكفر عليها، حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال؛ وكل هذه أمثال ضربها الله للمؤمن
357
وقوله: إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور يقول تعالى ذكره: كما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله، فيهديهم به إلى سبيل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بمواعظ الله، وبيان حججه، من كان ميت القلب من أحياء عباده، عن معرفة الله، وفهم
359
وقوله: إن أنت إلا نذير يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنت إلا نذير تنذر هؤلاء المشركين بالله، الذين طبع الله على قلوبهم، ولم يرسلك ربك إليهم إلا لتبلغهم رسالته، ولم يكلفك من الأمر ما لا سبيل لك إليه؛ فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما
360
القول في تأويل قوله تعالى: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا
360
وقوله: وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير يقول تعالى ذكره مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يلقى من مشركي قومه من التكذيب: وإن يكذبك يا محمد مشركو قومك، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم الذين جاءتهم رسلهم
361
وقوله: وبالكتاب المنير يقول: وجاءهم من الله الكتاب المنير لمن تأمله وتدبره أنه الحق
361
وقوله: ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير يقول تعالى ذكره: ثم أهلكنا الذين جحدوا رسالة رسلنا، وحقيقة ما دعوهم إليه من آياتنا، وأصروا على جحودهم فكيف كان نكير يقول: فانظر يا محمد كيف كان تغييري بهم، وحلول عقوبتي بهم
362
القول في تأويل قوله تعالى: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور يقول تعالى ذكره
362
وقوله: مختلف ألوانها يعني: مختلف ألوان الجدد وغرابيب سود، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب
363
وقوله: ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كما من الثمرات والجبال مختلف ألوانه بالحمرة والبياض والسواد والصفرة، وغير ذلك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
363
وقوله: إنما يخشى الله من عباده العلماء يقول تعالى ذكره: إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء، بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته، فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
364
وقوله: إن الله عزيز غفور يقول تعالى ذكره: إن الله عزيز في انتقامه ممن كفر به، غفور لذنوب من آمن به وأطاعه
365
القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور يقول تعالى ذكره: إن الذين يقرؤون كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم
365
وقوله: وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يقول: وتصدقوا بما أعطيناهم من الأموال سرا في خفاء وعلانية: جهارا وإنما معنى ذلك أنهم يؤدون الزكاة المفروضة، ويتطوعون أيضا بالصدقة منه بعد أداء الفرض الواجب عليهم فيه
365
وقوله: يرجون تجارة لن تبور يقول تعالى ذكره: يرجون بفعلهم ذلك تجارة لن تبور: لن تكسد ولن تهلك؛ من قولهم: بارت السوق: إذا كسدت وبار الطعام وقوله: تجارة جواب لأول الكلام
365
وقوله: ليوفيهم أجورهم يقول: ويوفيهم الله على فعلهم ذلك ثواب أعمالهم التي عملوها في الدنيا ويزيدهم من فضله يقول: وكي يزيدهم على الوفاء من فضله ما هو له أهل وكان مطرف بن عبد الله يقول: هذه آية القراء
365
وقوله: إنه غفور شكور يقول: إن الله غفور لذنوب هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم، شكور لحسناتهم
366
القول في تأويل قوله تعالى: والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير يقول تعالى ذكره: والذي أوحينا إليك من الكتاب يا محمد، وهو هذا القرآن الذي أنزله الله عليه هو الحق يقول: هو الحق عليك وعلى أمتك أن تعمل به،
366
وقوله: إن الله بعباده لخبير بصير يقول تعالى ذكره: إن الله بعباده لذو علم وخبرة بما يعملون بصير بما يصلحهم من التدبير
367
القول في تأويل قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير اختلف أهل التأويل في معنى الكتاب الذي ذكر الله في هذه الآية أنه أورثه الذين اصطفاهم من عباده، ومن
367
وقوله: فمنهم ظالم لنفسه يقول: فمن هؤلاء الذين اصطفينا من عبادنا، من يظلم نفسه بركوبه المآثم، واجترامه المعاصي، واقترافه الفواحش ومنهم مقتصد وهو غير المبالغ في طاعة ربه، وغير المجتهد فيما ألزمه من خدمة ربه، حتى يكون عمله في ذلك قصدا ومنهم سابق
376
وقوله: ذلك هو الفضل الكبير يقول تعالى ذكره: سبوق هذا السابق من سبقه بالخيرات بإذن الله، هو الفضل الكبير الذي فضل به من كان مقصرا عن منزلته في طاعة الله من المقتصد والظالم لنفسه
377
القول في تأويل قوله تعالى: جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور يقول تعالى ذكره: بساتين إقامة يدخلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب، الذين اصطفينا من عبادنا يوم
377
وقوله: وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن اختلف أهل التأويل في الحزن الذي حمد الله على إذهابه عنهم هؤلاء القوم، فقال بعضهم: ذلك الحزن الذي كانوا فيه قبل دخولهم الجنة من خوف النار، إذ كانوا خائفين أن يدخلوها
377
وقوله: إن ربنا لغفور شكور يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنة: إن ربنا لغفور لذنوب عباده الذين تابوا من ذنوبهم، فساترها عليهم بعفوه لهم عنها، شكور لهم على طاعتهم إياه وصالح ما قدموا في الدنيا من
380
القول في تأويل قوله تعالى: الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذين أدخلوا الجنة إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة أي ربنا الذي أنزلنا هذه الدار، يعنون الجنة؛ فدار المقامة: دار
380
وقوله: لا يمسنا فيها نصب يقول: لا يصيبنا فيها تعب ولا وجع ولا يمسنا فيها لغوب يعني باللغوب: العناء والإعياء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
381
القول في تأويل قوله تعالى: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير يقول تعالى ذكره: والذين كفروا
381
وقوله: كذلك نجزي كل كفور يقول تعالى ذكره: هكذا يكافئ كل جحود لنعم ربه يوم القيامة، بأن يدخلهم نار جهنم بسيئاتهم التي قدموها في الدنيا
383
وقوله: وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل يقول تعالى ذكره: هؤلاء الكفار يستغيثون، ويضجون في النار، يقولون: يا ربنا أخرجنا نعمل صالحا: أي نعمل بطاعتك غير الذي كنا نعمل قبل من معاصيك وقوله: يصطرخون يفتعلون من الصراخ، حولت
383
وقوله: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر اختلف أهل التأويل في مبلغ ذلك، فقال بعضهم: ذلك أربعون سنة
384
وقوله: وجاءكم النذير اختلف أهل التأويل في معنى النذير، فقال بعضهم: عنى به محمدا صلى الله عليه وسلم
387
القول في تأويل قوله تعالى: فذوقوا فما للظالمين من نصير إن الله عالم غيب السموات والأرض إنه عليم بذات الصدور يقول تعالى ذكره: فذوقوا نار عذاب جهنم الذي قد صليتموه أيها الكافرون بالله فما للظالمين من نصير يقول: فما للكافرين الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها
388
وقوله: إن الله عالم غيب السموات والأرض يقول تعالى ذكره: إن الله عالم ما تخفون أيها الناس في أنفسكم وتضمرونه، وما لم تضمروه ولم تنووه مما ستنوونه، وما هو غائب عن أبصاركم في السماوات والأرض، فاتقوه أن يطلع عليكم وأنتم تضمرون في أنفسكم من الشك في
388
القول في تأويل قوله تعالى: هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا يقول تعالى ذكره: الله الذي جعلكم أيها الناس خلائف في الأرض من بعد عاد وثمود، ومن مضى من قبلكم من
388
وقوله: فمن كفر فعليه كفره يقول تعالى ذكره: فمن كفر بالله منكم أيها الناس، فعلى نفسه ضر كفره، لا يضر بذلك غير نفسه، لأنه المعاقب عليه دون غيره
389
وقوله: ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا يقول تعالى: ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا بعدا من رحمة الله ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا يقول: ولا يزيد الكافرين كفرهم بالله إلا هلاكا
389
القول في تأويل قوله تعالى: قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد
389
وقوله: بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا وذلك قول بعضهم لبعض: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى خداعا من بعضهم لبعض وغرورا، وإنما تزلفهم آلهتهم إلى النار، وتقصيهم من الله ورحمته
390
القول في تأويل قوله تعالى: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا يقول تعالى ذكره: إن الله يمسك السموات والأرض لئلا تزولا من أماكنهما ولئن زالتا يقول: ولو زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده يقول: ما
390
وقوله: إنه كان حليما غفورا يقول تعالى ذكره: إن الله كان حليما عمن أشرك وكفر به من خلقه في تركه تعجيل عذابه له، غفورا لذنوب من تاب منهم، وأناب إلى الإيمان به، والعمل بما يرضيه
392
القول في تأويل قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة
392
وقوله: ما زادهم إلا نفورا يقول: ما زادهم مجيء النذير من الإيمان بالله واتباع الحق، وسلوك هدى الطريق، إلا نفورا وهربا
393
وقوله: استكبارا في الأرض يقول: نفروا استكبارا في الأرض، وخدعة سيئة، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به، والمكر هاهنا: هو الشرك
393
وقوله: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله يقول: ولا ينزل المكر السيئ إلا بأهله، يعني بالذين يمكرونه؛ وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم
394
وقوله: فهل ينظرون إلا سنة الأولين يقول تعالى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من
394
وقوله: ولن تجد لسنة الله تحويلا يقول: ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا؛ يقول: لن يغير ذلك، ولا يبدله، لأنه لا مرد لقضائه
395
القول في تأويل قوله تعالى: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا يقول تعالى ذكره: أولم يسر يا محمد هؤلاء المشركون بالله في الأرض التي أهلكنا
395
وقوله: وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض يقول تعالى ذكره: ولن يعجزنا هؤلاء المشركون بالله من عبدة الآلهة، المكذبون محمدا فيسبقونا هربا في الأرض، إذا نحن أردنا هلاكهم، لأن الله لم يكن ليعجزه شيء يريده في السموات ولا في الأرض، ولن
396
وقوله: إنه كان عليما قديرا يقول تعالى ذكره: إن الله كان عليما بخلقه، وما هو كائن، ومن هو المستحق منهم تعجيل العقوبة، ومن هوعن ضلالته منهم راجع إلى الهدى آيب، قديرا على الانتقام ممن شاء منهم، وتوفيق من أراد منهم للإيمان
396
القول في تأويل قوله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا يقول تعالى ذكره: ولو يؤاخذ الله الناس يقول ولو يعاقب الله الناس، ويكافئهم بما عملوا من الذنوب والمعاصي
396
وقوله: فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا يقول تعالى ذكره: فإذا جاء أجل عقابهم، فإن الله كان بعباده بصيرا من الذي يستحق أن يعاقب منهم، ومن الذي يستوجب الكرامة، ومن الذي كان منهم في الدنيا له مطيعا، ومن كان فيها به مشركا، لا يخفى عليه أحد
397
سورة يس
398
القول في تأويل قوله تعالى: يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: يس فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله
398
وقوله: والقرآن الحكيم يقول: والقرآن المحكم بما فيه من أحكامه، وبينات حججه إنك لمن المرسلين يقول تعالى ذكره مقسما بوحيه وتنزيله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنك يا محمد لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده
399
وقوله: على صراط مستقيم يقول: على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى، وهو الإسلام
400
القول في تأويل قوله تعالى: تنزيل العزيز الرحيم اختلف القراء في قراءة قوله: تنزيل العزيز الرحيم فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: (تنزيل العزيز) برفع تنزيل، والرفع في ذلك يتجه من وجهين؛ أحدهما: بأن يجعل خبرا، فيكون معنى الكلام: إنه تنزيل العزيز
400
القول في تأويل قوله تعالى: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فقال بعضهم: معناه: لتنذر قوما ما أنذر الله من قبلهم من آبائهم
401
وقوله: لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: لقد وجب العقاب على أكثرهم، لأن الله قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون رسوله
402
القول في تأويل قوله تعالى: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقهم بالأغلال، فلا تبسط بشيء من الخيرات؛ وهي
403
وقوله: فهم مقمحون والمقمح: هو المقنع، وهو أن يحدر الذقن حتى يصير في الصدر، ثم يرفع رأسه في قول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة وفي قول بعض الكوفيين: هو الغاض بصره، بعد رفع رأسه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
403
وقوله: وجعلنا من بين أيديهم سدا يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بين أيدي هؤلاء المشركين سدا، وهو الحاجز بين الشيئين؛ إذا فتح كان من فعل بني آدم، وإذا كان من فعل الله كان بالضم وبالضم قرأ ذلك قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين وقرأه بعض المكيين وعامة قراء
405
وقوله: فأغشيناهم فهم لا يبصرون يقول: فأغشينا أبصار هؤلاء: أي جعلنا عليها غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به
406
القول في تأويل قوله تعالى: وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم يقول تعالى ذكره: وسواء يا محمد على هؤلاء الذين حق عليهم القول، أي الأمرين كان منك إليهم الإنذار، أو ترك الإنذار،
407
وقوله: إنما تنذر من اتبع الذكر يقول تعالى ذكره: إنما ينفع إنذارك يا محمد من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله وخشي الرحمن يقول: وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين، لا المنافق الذي يستخف بدين الله إذا خلا، ويظهر الإيمان في الملأ، ولا المشرك
407
القول في تأويل قوله تعالى: إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين يقول تعالى ذكره: إنا نحن نحيي الموتى من خلقنا ونكتب ما قدموا في الدنيا من خير وشر، وصالح الأعمال وسيئها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
408
وقوله: وآثارهم يعني: وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليقرب عليهم
409
وقوله: وكل شيء أحصيناه في إمام مبين يقول تعالى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين وقيل: مبين لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
412
القول في تأويل قوله تعالى: واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا: إنا إليكم مرسلون يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلا أصحاب القرية ذكر أنها أنطاكية إذ جاءها المرسلون اختلف أهل
412
وقوله: إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث يقول تعالى ذكره: حين أرسلنا إليهم اثنين يدعونهم إلى الله فكذبوهما فشددناهما بثالث، وقويناهما به وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
414
وقوله: فقالوا إنا إليكم مرسلون يقول: فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنا إليكم أيها القوم مرسلون، بأن تخلصوا العبادة لله وحده، لا شريك له، وتتبرءوا مما تعبدون من الآلهة والأصنام وبالتشديد في قوله: فعززنا قرأت القراء سوى عاصم، فإنه قرأه
415
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للثلاثة الذين أرسلوا إليهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إليهم
415
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للرسل: إنا تطيرنا بكم يعنون: إنا تشاءمنا بكم، فإن أصابنا بلاء من أجلكم
416
وقوله: لئن لم تنتهوا لنرجمنكم يقول: لئن لم تنتهوا عما ذكرتم من أنكم أرسلتم إلينا بالبراءة من آلهتنا، والنهي عن عبادتنا لنرجمنكم، قيل: عني بذلك لنرجمنكم بالحجارة
416
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون يقول تعالى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية: طائركم معكم أئن ذكرتم يقولون: أعمالكم
417
وقوله: أئن ذكرتم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار أئن ذكرتم بكسر الألف من إن وفتح ألف الاستفهام: بمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم، ثم أدخل على إن التي هي حرف جزاء ألف استفهام في قول بعض نحويي البصرة، وفي قول بعض الكوفيين منوي به
417
وقوله: بل أنتم قوم مسرفون يقول: قالوا لهم: ما بكم التطير بنا، ولكنكم قوم أهل معاص لله وآثام، قد غلبت عليكم الذنوب والآثام
419
وقوله: وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى يقول: وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل يسعى إليهم؛ وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا، واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرجل، وكان منزله أقصى المدينة،
419
وقوله: قال يا قوم اتبعوا المرسلين يقول تعالى ذكره: قال الرجل الذي جاء من أقصى المدينة لقومه: يا قوم اتبعوا المرسلين الذين أرسلهم الله إليكم، واقبلوا منهم ما أتوكم به وذكر أنه لما أتى الرسل سألهم: هل تطلبون على ما جئتم به أجرا؟ فقالت الرسل: لا،
421
وقوله: وهم مهتدون يقول: وهم على استقامة من طريق الحق، فاهتدوا أيها القوم بهداهم
422
القول في تأويل قوله تعالى: ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا الرجل المؤمن ومالي لا أعبد الذي فطرني
422
وقوله: أأتخذ من دونه آلهة يقول: أأعبد من دون الله آلهة، يعني معبودا سواه إن يردن الرحمن بضر يقول: إذا مسني الرحمن بضر وشدة لا تغن عني شفاعتهم شيئا يقول: لا تغني عني شيئا بكونها إلي شفعاء، ولا تقدر على دفع ذلك الضر عني ولا ينقذون يقول: ولا يخلصوني
422
وقوله: إني إذا لفي ضلال مبين يقول: إني إن اتخذت من دون الله آلهة هذه صفتها إذا لفي ضلال مبين لمن تأمله، جوره عن سبيل الحق
423
وقوله: إني آمنت بربكم فاسمعون فاختلف في معنى ذلك، فقال بعضهم: قال هذا القول هذا المؤمن لقومه يعلمهم إيمانه بالله
423
القول في تأويل قوله تعالى: قيل: ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين يقول تعالى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه: ادخل الجنة فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي
424
القول في تأويل قوله تعالى: وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون يقول تعالى ذكره: وما أنزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم من بعده يعني: من بعد مهلكه من
426
وقوله: إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون يقول: ما كانت هلكتهم إلا صيحة واحدة أنزلها الله من السماء عليهم واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار إن كانت إلا صيحة واحدة نصبا على التأويل الذي ذكرت، وأن في كانت مضمرا وذكر عن أبي جعفر
428
وقوله: فإذا هم خامدون يقول: فإذا هم هالكون
428
القول في تأويل قوله تعالى: يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون يقول تعالى ذكره: يا حسرة من العباد على أنفسها وتندما وتلهفا في استهزائهم برسل الله ما يأتيهم من رسول من الله إلا كانوا به يستهزئون وذكر أن ذلك في بعض القراءات: " يا
428
القول في تأويل قوله تعالى: ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وإن كل لما جميع لدينا محضرون يقول تعالى ذكره: ألم ير هؤلاء المشركون بالله من قومك يا محمد كم أهلكنا قبلهم بتكذيبهم رسلنا وكفرهم بآياتنا من القرون الخالية أنهم إليهم لا
430
وقوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون يقول تعالى ذكره: وإن كل هذه القرون التي أهلكناها والذين لم نهلكهم وغيرهم عندنا يوم القيامة جميعهم محضرون
431
القول في تأويل قوله تعالى: وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون يقول تعالى ذكره: ودلالة لهؤلاء المشركين على قدرة الله على ما يشاء، وعلى إحيائه من مات من خلقه وإعادته بعد
432
وقوله: وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب يقول تعالى ذكره: وجعلنا في هذه الأرض التي أحييناها بعد موتها بساتين من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون يقول: وأنبعنا فيها من عيون الماء
432
القول في تأويل قوله تعالى: ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون يقول تعالى ذكره: أنشأنا هذه الجنات في هذه الأرض ليأكل عبادي من ثمره، وما عملت أيديهم يقول: ليأكلوا من ثمر الجنات التي أنشأنا لهم، وما عملت أيديهم مما غرسوا هم وزرعوا وما التي
432
وقوله: أفلا يشكرون يقول: أفلا يشكر هؤلاء القوم الذين رزقناهم هذا الرزق من هذه الأرض الميتة التي أحييناها لهم من رزقهم ذلك وأنعم عليهم به؟
433
القول في تأويل قوله تعالى: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون يقول تعالى ذكره تنزيها وتبرئة للذي خلق الألوان المختلفة كلها من نبات الأرض، ومن أنفسهم، يقول: وخلق من أولادهم ذكورا وإناثا، ومما لا يعلمون أيضا من
433
القول في تأويل قوله تعالى: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضا على قدرة الله على فعل كل ما شاء الليل نسلخ منه النهار يقول: ننزع عنه النهار ومعنى منه في هذا الموضع
434
وقوله: والشمس تجري لمستقر لها يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها، بمعنى: إلى موضع قرارها؛ وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
434
وقوله: ذلك تقدير العزيز العليم يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يخفى عليه خافية
435
القول في تأويل قوله تعالى: والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون اختلفت القراء في قراءة قوله: والقمر قدرناه منازل فقرأه بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين: (والقمر)
435
وقوله: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر يقول تعالى ذكره: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوءها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارا لا ليل فيها ولا الليل سابق النهار يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها
438
وقوله: وكل في فلك يسبحون يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
440
القول في تأويل قوله تعالى: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضا، وعلامة على قدرتنا على كل ما نشاء، حملنا ذريتهم؛
442
وقوله: وخلقنا لهم من مثله ما يركبون يقول تعالى ذكره: وخلقنا لهؤلاء المشركين المكذبيك يا محمد تفضلا منا عليهم من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرية آدم من حملنا فيه الذي يركبونه من المراكب ثم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: ما يركبون فقال بعضهم
443
وقوله: وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم يقول تعالى ذكره: وإن نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفلك في البحر فلا صريخ لهم يقول: فلا مغيث لهم إذا نحن غرقناهم يغيثهم، فينجيهم من الغرق
447
وقوله: ولا هم ينقذون يقول: ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نحن أغرقناهم في البحر، إلا أن ننقذهم نحن رحمة منا لهم، فننجيهم منه
447
وقوله: ومتاعا إلى حين يقول: ولنمتعهم إلى أجل هم بالغوه، فكأنه قال: ولا هم ينقذون، إلا أن نرحمهم فنمتعهم إلى أجل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
447
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله، المكذبين رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم: احذروا ما مضى بين أيديكم
447
وقوله: وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين يقول تعالى ذكره: وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية، يعني حجة من حجج الله، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده، وتصديق رسوله، إلا كانوا عنها معرضين، لا يتفكرون فيها، ولا يتدبرونها،
449
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله: أنفقوا من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم
449
القول في تأويل قوله تعالى: ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون المكذبون وعيد الله والبعث بعد الممات يستعجلون ربهم بالعذاب: متى هذا الوعد أي الوعد بقيام الساعة إن كنتم صادقين أيها القوم، وهذا قولهم لأهل الإيمان
450
القول في تأويل قوله تعالى: ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون يقول تعالى ذكره: ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم، إلا صيحة واحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفزع عند قيام الساعة وبنحو الذي
450
وقوله: فلا يستطيعون توصية يقول تعالى ذكره: فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في الصور أن يوصوا في أموالهم أحدا ولا إلى أهلهم يرجعون يقول: ولا يستطيع من كان منهم خارجا عن أهله أن يرجع إليهم، لأنهم لا يمهلون بذلك ولكن يعجلون بالهلاك، وبنحو الذي قلنا
453
القول في تأويل قوله تعالى: ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون يقول تعالى ذكره: ونفخ في الصور وقد ذكرنا اختلاف المختلفين
454
وقوله: فإذا هم من الأجداث يعني من أجداثهم، وهي قبورهم، واحدها جدث، وفيها لغتان، فأما أهل العالية، فتقوله بالثاء: جدث، وأما أهل السافلة فتقوله بالفاء جدف وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
454
وقوله: إلى ربهم ينسلون يقول: إلى ربهم يخرجون سراعا، والنسلان: الإسراع في المشي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
455
وقوله: قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا وقد قيل: إن ذلك نومة
456
وقوله: إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون يقول تعالى ذكره: إن كانت إعادتهم أحياء بعد مماتهم إلا صيحة واحدة، وهي النفخة الثالثة في الصور فإذا هم جميع لدينا محضرون يقول: فإذا هم مجتمعون لدينا قد أحضروا، فأشهدوا موقف العرض والحساب، لم
459
القول في تأويل قوله تعالى: فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون يقول تعالى ذكره: فاليوم يعني يوم القيامة لا تظلم نفس شيئا كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح، ولا يحمل عليها وزر
459
وقوله: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون اختلف أهل التأويل في معنى الشغل الذي وصف الله جل ثناؤه أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة، فقال بعضهم: ذلك افتضاض العذارى
459
القول في تأويل قوله تعالى: هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم يعني تعالى بقوله: هم أصحاب الجنة وأزواجهم من أهل الجنة في الجنة
464
وقوله: على الأرائك متكئون والأرائك: هي الحجال فيها السرر والفرش: واحدتها أريكة، وكان بعضهم يزعم أن كل فراش أريكة، ويستشهد لقوله ذلك بقول ذي الرمة: كأنما يباشرن بالمعزاء مس الأرائك وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
465
وقوله: لهم فيها فاكهة يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة ولهم ما يدعون يقول: ولهم فيها ما يتمنون وذكر عن العرب أنها تقول: دع علي ما شئت: أي تمن علي ما شئت
466
وقوله: سلام قولا من رب رحيم في رفع سلام وجهان في قول بعض نحويي الكوفة: أحدهما: أن يكون خبرا لما يدعون، فيكون معنى الكلام: ولهم ما يدعون مسلم لهم خالص وإذا وجه معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذ منصوبا توكيدا خارجا من السلام، كأنه قيل: ولهم فيها
466
القول في تأويل قوله تعالى: وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم يعني بقوله: وامتازوا تميزوا؛ وهي افتعلوا، من ماز يميز، فعل يفعل منه: امتاز يمتاز امتيازا وبنحو الذي
469
وقوله: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وفي الكلام متروك استغنى بدلالة الكلام عليه منه، وهو: ثم يقال: ألم أعهد إليكم يا بني آدم، يقول: ألم أوصكم وآمركم في الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله إنه لكم عدو
470
وقوله: وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم يقول: وألم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كل ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق المستقيم
470
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون يعني تعالى ذكره بقوله: ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ولقد صد الشيطان منكم خلقا كثيرا عن طاعتي، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه،
471
وقوله: أفلم تكونوا تعقلون يقول: أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون، إذا أطعتم الشيطان في عبادة غير الله، أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوكم وعدو الله، وتعبدوا غير الله
472
وقوله: هذه جهنم التي كنتم توعدون يقول: هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله، وتكذيبكم رسله، فكنتم بها تكذبون وقيل: إن جهنم أول باب من أبواب النار
472
وقوله: اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون يقول: احترقوا بها اليوم وردوها؛ يعني باليوم: يوم القيامة بما كنتم تكفرون يقول: بما كنتم تجحدونها في الدنيا، وتكذبون بها
472
القول في تأويل قوله تعالى: اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون يعني تعالى ذكره بقوله: اليوم نختم على أفواههم اليوم نطبع على أفواه المشركين، وذلك يوم القيامة وتكلمنا أيديهم بما عملوا في الدنيا من معاصي الله وتشهد أرجلهم
472
القول في تأويل قوله تعالى: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فقال بعضهم: معنى ذلك: ولو نشاء
474
وقوله: فاستبقوا الصراط يقول: فابتدروا الطريق
475
وقوله: فأنى يبصرون يقول: فأي وجه يبصرون أن يسلكوه من الطرق، وقد طمسنا على أعينهم
476
وقوله: ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم يقول تعالى ذكره: ولو نشاء لأقعدنا هؤلاء المشركين من أرجلهم في منازلهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون يقول: فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم، ولا أن يرجعوا وراءهم وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي
477
القول في تأويل قوله تعالى: ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين يقول تعالى ذكره: ومن نعمره فنمد له في العمر ننكسه في الخلق نرده إلى مثل حاله في الصبا من
478
وقوله: وما علمناه الشعر وما ينبغي له يقول تعالى ذكره: وما علمنا محمدا الشعر، وما ينبغي له أن يكون شاعرا
480
وقوله: إن هو إلا ذكر يقول تعالى ذكره: ما هو إلا ذكر يعني بقوله: إن هو أي محمد إلا ذكر لكم أيها الناس، ذكركم الله بإرساله إياه إليكم، ونبهكم به على حظكم وقرآن مبين يقول: وهذا الذي جاءكم به محمد قرآن مبين، يقول: يبين لمن تدبره بعقل ولب، أنه تنزيل
480
وقوله: لينذر من كان حيا يقول: إن محمد إلا ذكر لكم لينذر منكم أيها الناس من كان حي القلب، يعقل ما يقال له، ويفهم ما يبين له، غير ميت الفؤاد بليد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
481
قوله: ويحق القول على الكافرين يقول: ويحق العذاب على أهل الكفر بالله، المولين عن اتباعه، المعرضين عما أتاهم به من عند الله وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
481
القول في تأويل قوله تعالى: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون يقول تعالى ذكره: أولم يروا هؤلاء المشركون بالله الآلهة والأوثان أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا يقول: مما خلقنا من الخلق
482
وقوله: وذللناها لهم يقول: وذللنا لهم هذه الأنعام فمنها ركوبهم يقول: فمنها ما يركبون كالإبل يسافرون عليها؛ يقال: هذه دابة ركوب، والركوب بالضم: هو الفعل ومنها يأكلون لحومها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
483
القول في تأويل قوله تعالى: ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون يقول تعالى ذكره: ولهم في هذه الأنعام منافع، وذلك منافع في أصوافها وأوبارها وأشعارها باتخاذهم من ذلك أثاثا ومتاعا، ومن جلودها أكنانا، ومشارب يشربون
483
وقوله: أفلا يشكرون يقول: أفلا يشكرون نعمتي هذه، وإحساني إليهم بطاعتي، وإفراد الألوهية والعبادة، وترك طاعة الشيطان وعبادة الأصنام
483
قوله: واتخذوا من دون الله آلهة يقول: واتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة يعبدونها لعلهم ينصرون يقول: طمعا أن تنصرهم تلك الآلهة من عقاب الله وعذابه
484
القول في تأويل قوله تعالى: لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون يقول تعالى ذكره: لا تستطيع هذه الآلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا، ولا تدفع عنهم ضرا
484
وقوله: وهم لهم جند محضرون يقول: وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضرون واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: محضرون وأين حضورهم إياهم، فقال بعضهم: عني بذلك: وهم لهم جند محضرون عند الحساب
484
وقوله تعالى: فلا يحزنك قولهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك: إنك شاعر، وما جئتنا به شعر، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك
485
وقوله: إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون يقول تعالى ذكره: إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قيل ذلك الحسد، وهم يعلمون أن الذي جئتهم به ليس بشعر، ولا يشبه الشعر، وأنك لست بكذاب، فنعلم ما يسرون من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحودهم ذلك
485
القول في تأويل قوله تعالى: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم يقول تعالى ذكره: أولم ير الإنسان أنا خلقناه واختلف في الإنسان الذي عني
485
وقوله: مبين يقول: يبين لمن سمع خصومته وقيله ذلك أنه مخاصم ربه الذي خلقه
488
وقوله: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه يقول: ومثل لنا شبها بقوله: من يحيي العظام وهي رميم إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد، يقول: فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ونسي خلقه يقول: ونسي خلقنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة، فجعلناها خلقا
488
القول في تأويل قوله تعالى: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم يقول تعالى ذكره: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا يقول: الذي
489
قوله: فإذا أنتم منه توقدون يقول: فإذا أنتم من هذا الشجر توقدون النار؛ وقال: منه والهاء من ذكر الشجر، ولم يقل: منها، والشجر جمع شجرة، لأنه خرج مخرج الثمر والحصى، ولو قيل: منها كان صوابا أيضا، لأن العرب تذكر مثل هذا وتؤنثه
489
قوله أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم يقول تعالى ذكره منبها هذا الكافر الذي قال: من يحيي العظام وهي رميم على خطأ قوله، وعظيم جهله أوليس الذي خلق السموات السبع والأرض بقادر على أن يخلق مثلكم، فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس
490
وقوله: بلى وهو الخلاق العليم يقول: بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء، الفعال لما يريد، العليم بكل ما خلق ويخلق؛ لا يخفى عليه خافية
490
القول في تأويل قوله تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون يقول تعالى ذكره: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
490
وقوله: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء يقول تعالى ذكره: فتنزيه الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه
491
وقوله: وإليه ترجعون يقول: وإليه تردون وتصيرون بعد مماتكم
491
سورة الصافات
492
القول في تأويل قوله تعالى: والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا قال أبو جعفر: أقسم الله تعالى ذكره بالصافات، والزاجرات، والتاليات ذكرا؛ فأما الصافات: فإنها الملائكة الصافات لربها في السماء وهي جمع صافة، فالصافات: جمع جمع، وبذلك جاء تأويل
492
وقوله: فالتاليات ذكرا يقول: فالقارئات كتابا واختلف أهل التأويل في المعني بذلك، فقال بعضهم: هم الملائكة
494
القول في تأويل قوله تعالى: إن إلهكم لواحد رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب يعني
495
وقوله: رب السموات والأرض وما بينهما يقول: هو واحد خالق السموات السبع وما بينهما من الخلق، ومالك ذلك كله، والقيم على جميع ذلك، يقول: فالعبادة لا تصلح إلا لمن هذه صفته، فلا تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه في عبادتكم إياه من لا يضر ولا ينفع، ولا يخلق
495
وقوله: ورب المشارق يقول: ومدبر مشارق الشمس في الشتاء والصيف ومغاربها، والقيم على ذلك ومصلحه؛ وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه، واستغنى بذكر المشارق من ذكرها، إذ كان معلوما أن معها المغارب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
496
وقوله: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب اختلفت القراء في قراءة قوله: بزينة الكواكب فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة: (بزينة الكواكب) بإضافة الزينة إلى الكواكب، وخفض الكواكب إنا زينا السماء الدنيا التي تليكم أيها الناس وهي
497
وقوله: وحفظا يقول تعالى ذكره: وحفظا للسماء الدنيا زيناها بزينة الكواكب وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: وحفظا فقال بعض نحويي البصرة: قال: وحفظا، لأنه بدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال، وحفظناها حفظا وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو من صلة
498
وقوله: لا يسمعون إلى الملإ الأعلى اختلفت القراء في قراءة قوله: لا يسمعون فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (لا يسمعون) بتخفيف السين من يسمعون، بمعنى أنهم يتسمعون ولا يسمعون وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين بعد لا يسمعون بمعنى: لا
498
وقوله: ويقذفون من كل جانب دحورا ويرمون من كل جانب من جوانب السماء دحورا والدحور: مصدر من قولك: دحرته أدحره دحرا ودحورا، والدحر: الدفع والإبعاد، يقال منه: أدحر عنك الشيطان: أي ادفعه عنك وأبعده وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
505
وقوله: ولهم عذاب واصب يقول تعالى ذكره: ولهذه الشياطين المسترقة السمع عذاب من الله واصب واختلف أهل التأويل في معنى الواصب، فقال بعضهم: معناه: الموجع
506
وقوله: إلا من خطف الخطفة يقول: إلا من استرق السمع منهم فأتبعه شهاب ثاقب يعني: مضيء متوقد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
508
القول في تأويل قوله تعالى: فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب بل عجبت ويسخرون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي ينكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسلهم: أهم أشد
509
وقوله: إنا خلقناهم من طين لازب يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق وإنما وصفه جل ثناؤه باللزوب، لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء؛ والتراب إذا خلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تبدل أحيانا هذه الباء ميما، فتقول: طين لازم؛
510
قوله: بل عجبت ويسخرون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: (بل عجبت ويسخرون) بضم التاء من عجبت، بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا، وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة بل عجبت بفتح
513
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون يقول تعالى ذكره: وإذا ذكر هؤلاء المشركون حجج الله عليهم ليعتبروا ويتفكروا، فينيبوا إلى طاعة الله لا يذكرون: يقول: لا ينتفعون بالتذكير فيتذكروا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
514
وقوله: وإذا رأوا آية يستسخرون يقول: وإذا رأوا حجة من حجج الله عليهم، ودلالة على نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يستسخرون: يقول: يسخرون ويستهزئون وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
515
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون قل نعم وأنتم داخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قريش بالله ل محمد صلى الله عليه وسلم: ما
516
وقوله: وأنتم داخرون يقول تعالى ذكره: وأنتم صاغرون أشد الصغر؛ من قولهم: صاغر داخر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
517
وقوله: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور فإذا هم ينظرون يقول: فإذا هم شاخصة أبصارهم ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة ويعاينونه
517
القول في تأويل قوله تعالى: وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المكذبون إذا زجرت زجرة واحدة، ونفخ في الصور نفخة واحدة: يا ويلنا هذا يوم الدين يقولون: هذا يوم الجزاء والمحاسبة وبنحو
517
وقوله: هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون يقول تعالى ذكره: هذا يوم فصل الله بين خلقه بالعدل من قضائه الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فتنكرونه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
518
القول في تأويل قوله تعالى: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك، وهو: فيقال: احشروا الذين ظلموا، ومعنى ذلك: اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه
519
وقوله: وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم يقول تعالى ذكره: احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، فوجهوهم إلى طريق الجحيم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
521
القول في تأويل قوله تعالى: وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون يقول تعالى ذكره: وقفوهم احبسوهم: أي احبسوا أيها الملائكة هؤلاء المشركين الذين ظلموا أنفسهم وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون الله من
522
وقوله: ما لكم لا تناصرون يقول: ما لكم أيها المشركون بالله لا ينصر بعضكم بعضا بل هم اليوم مستسلمون يقول: بل هم اليوم مستسلمون لأمر الله فيهم وقضائه، موقنون بعذابه
523
وقوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قيل: معنى ذلك: وأقبل الإنس على الجن، يتساءلون
524
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين يقول تعالى ذكره: قالت الإنس للجن: إنكم أيها الجن كنتم تأتوننا من قبل الدين والحق فتخدعوننا بأقوى الوجوه؛ واليمين:
524
وقوله: قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان يقول تعالى ذكره: قالت الجن للإنس مجيبة لهم: بل لم تكونوا بتوحيد الله مقرين، وكنتم للأصنام عابدين وما كان لنا عليكم من سلطان يقول: قالوا: وما كان لنا عليكم من حجة، فنصدكم بها عن الإيمان،
526
القول في تأويل قوله تعالى: فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين يقول تعالى ذكره: فحق علينا قول ربنا، فوجب علينا عذاب ربنا، إنا لذائقون العذاب نحن وأنتم بما قدمنا من ذنوبنا
526
وقوله: فأغويناكم إنا كنا غاوين يقول: فأضللناكم عن سبيل الله والإيمان به إنا كنا ضالين؛ وهذا أيضا خبر من الله عن قيل الجن والإنس قال الله: فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون يقول: فإن الإنس الذين كفروا بالله وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون الله،
527
القول في تأويل قوله تعالى: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون، بل جاء بالحق وصدق المرسلين يقول تعالى ذكره: وإن هؤلاء المشركين بالله الذين وصف صفتهم في هذه الآيات كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: قولوا
528
وقوله: ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون من قريش: أنترك عبادة آلهتنا لشاعر مجنون؟ يقول: لاتباع شاعر مجنون يعنون بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، ونقول: لا إله إلا الله
528
وقوله: بل جاء بالحق وهذا خبر من الله مكذبا للمشركين الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: شاعر مجنون، كذبوا، ما محمد كما وصفوه به من أنه شاعر مجنون، بل هو لله نبي جاء بالحق من عنده، وهو القرآن الذي أنزله عليه، وصدق المرسلين الذين كانوا من قبله
529
القول في تأويل قوله تعالى: إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من أهل مكة، القائلين لمحمد: شاعر مجنون إنكم أيها المشركون لذائقو العذاب الأليم الموجع في
529
وقوله: إلا عباد الله المخلصين يقول: إلا عباد الله الذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته، وكتب لهم السعادة في أم الكتاب، فإنهم لا يذوقون العذاب، لأنهم أهل طاعة الله، وأهل الإيمان به
529
وقوله: أولئك لهم رزق معلوم يقول: هؤلاء هم عباد الله المخلصون لهم رزق معلوم؛ وذلك الرزق المعلوم: هو الفواكه التي خلقها الله لهم في الجنة
530
القول في تأويل قوله تعالى: فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون قوله فواكه ردا على الرزق المعلوم تفسيرا له، ولذلك رفعت وقوله: وهم مكرمون يقول: وهم مع الذي لهم من
530
وقوله: يطاف عليهم بكأس من معين يقول تعالى ذكره: يطوف الخدم عليهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة
530
وقوله: بيضاء لذة للشاربين يعني بالبيضاء: الكأس، ولتأنيث الكأس أنثت البيضاء، ولم يقل: أبيض، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: " صفراء "
531
وقوله: لذة للشاربين يقول: هذه الخمر لذة يلتذها شاربوها
532
وقوله: لا فيها غول يقول: لا في هذه الخمر غول، وهو أن تغتال عقولهم؛ يقول: لا تذهب هذه الخمر بعقول شاربيها، كما تذهب بها خمور أهل الدنيا إذا شربوها فأكثروا منها، كما قال الشاعر: وما زالت الكأس تغتالنا وتذهب بالأول الأول والعرب تقول: ليس فيها غيلة
532
القول في تأويل قوله تعالى: وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون يقول تعالى ذكره: وعند هؤلاء المخلصين من عباد الله في الجنة قاصرات الطرف، وهن النساء اللواتي قصرن أطرافهن على بعولتهن، لا يردن غيرهم، ولا يمددن أبصارهن
537
وقوله: عين يعني بالعين: النجل العيون عظامها، وهي جمع عيناء، والعيناء: المرأة الواسعة العين عظيمتها، وهي أحسن ما تكون من العيون، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
538
وقوله: كأنهن بيض مكنون اختلف أهل التأويل في الذي به شبهن من البيض بهذا القول، فقال بعضهم: شبهن ببطن البيض في البياض، وهو الذي داخل القشر، وذلك أن ذلك لم يمسه شيء
539
وقوله: فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون يقول تعالى ذكره: فأقبل بعض أهل الجنة على بعض يتساءلون، يقول: يسأل بعضهم بعضا
542
القول في تأويل قوله تعالى: قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون يقول تعالى ذكره: قال قائل من أهل الجنة إذا أقبل بعضهم على بعض يتساءلون: إني كان لي قرين فاختلف أهل التأويل في القرين الذي ذكر في
542
وقوله: أئنا لمدينون يقول: أئنا لمحاسبون ومجزيون بعد مصيرنا عظاما ولحومنا ترابا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
545
القول في تأويل قوله تعالى: قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين يقول تعالى ذكره: قال هذا المؤمن الذي أدخل الجنة لأصحابه: هل أنتم مطلعون في النار، لعلي أرى قريني الذي كان يقول لي: إنك
546
وقوله: فاطلع فرآه في سواء الجحيم يقول: فاطلع في النار فرآه في وسط الجحيم وفي الكلام متروك استغنى بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فقالوا: نعم وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال أهل التأويل
546
وقوله: تالله إن كدت لتردين يقول: فلما رأى قرينه في النار قال: تالله إن كدت في الدنيا لتهلكني بصدك إياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
549
وقوله: ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين يقول: ولولا أن الله أنعم علي بهدايته، والتوفيق للإيمان بالبعث بعد الموت، لكنت من المحضرين معك في عذاب الله
550
القول في تأويل قوله تعالى: أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن الذي أعطاه الله ما أعطاه من كرامته في جنته سرورا منه بما أعطاه فيها أفما نحن بميتين إلا
550
وقوله: لمثل هذا فليعمل العاملون يقول تعالى ذكره: لمثل هذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين من الكرامة في الآخرة، فليعمل في الدنيا لأنفسهم العاملون، ليدركوا ما أدرك هؤلاء بطاعة ربهم
551
القول في تأويل قوله تعالى: أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون يقول تعالى ذكره: أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين وصفت صفتهم من كرامتي في
551
وقوله: أم شجرة الزقوم ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الآية قال المشركون: كيف ينبت الشجر في النار، والنار تحرق الشجر؟ فقال الله: إنا جعلناها فتنة للظالمين يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فقال إنها شجرة
551
وقوله: طلعها كأنه رءوس الشياطين يقول تعالى ذكره: كأن طلع هذه الشجرة يعني شجرة الزقوم في قبحه وسماجته رءوس الشياطين في قبحها وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: " إنها شجرة نابتة في أصل الجحيم "
553
القول في تأويل قوله تعالى: ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون يقول تعالى ذكره: ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن لهؤلاء المشركين على ما يأكلون من هذه الشجرة شجرة الزقوم شوبا، وهو
554
وقوله: ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم يقول تعالى ذكره: ثم إن مآبهم ومصيرهم لإلى الجحيم
556
وقوله: إنهم ألفوا آباءهم ضالين يقول: إن هؤلاء المشركين الذين إذا قيل لهم: قولوا لا إله إلا الله يستكبرون، وجدوا آباءهم ضلالا عن قصد السبيل، غير سالكين محجة الحق فهم على آثارهم يهرعون يقول: فهؤلاء يسرع بهم في طريقهم، ليقتفوا آثارهم وسنتهم؛ يقال
556
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إلا عباد الله المخلصين يقول تعالى ذكره: ولقد ضل يا محمد عن قصد السبيل ومحجة الحق قبل مشركي قومك من قريش أكثر الأمم الخالية من قبلهم ولقد أرسلنا
558
وقوله: إلا عباد الله المخلصين يقول تعالى: فانظر كيف كان عاقبة المنذرين، إلا عباد الله الذين أخلصناهم للإيمان بالله وبرسله؛ واستثنى عباد الله من المنذرين، لأن معنى الكلام: فانظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله المؤمنين، فلذلك حسن استثناؤهم منهم
558
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين يقول تعالى ذكره: لقد نادانا نوح بمسألته إيانا هلاك قومه، فقال: رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا إلى قوله: رب لا تذر
559
وقوله: من الكرب العظيم يقول: من الأذى والمكروه الذي كان فيه من الكافرين، ومن كرب الطوفان والغرق الذي هلك به قوم نوح
559
وقوله: وجعلنا ذريته هم الباقين يقول: وجعلنا ذرية نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد مهلك قومه، وذلك أن الناس كلهم من بعد مهلك نوح إلى اليوم إنما هم ذرية نوح، فالعجم والعرب أولاد سام بن نوح، والترك والصقالبة والخزر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام
560
القول في تأويل قوله تعالى: وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين يعني تعالى ذكره بقوله: وتركنا عليه في الآخرين وأبقينا عليه، يعني على نوح ذكرا جميلا، وثناء حسنا في الآخرين،
561
وقوله: سلام على نوح في العالمين يقول: أمنة من الله لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء؛ وسلام مرفوع بعلى وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: معناه: وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح أي تركنا عليه هذه الكلمة، كما تقول: قرأت من القرآن الحمد
562
وقوله: إنا كذلك نجزي المحسنين يقول تعالى ذكره: إنا كما فعلنا بنوح مجازاة له على طاعتنا وصبره على أذى قومه في رضانا فأنجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وأبقينا عليه ثناء في الآخرين كذلك نجزي الذين يحسنون فيطيعوننا، وينتهون إلى أمرنا
562
وقوله: إنه من عبادنا المؤمنين يقول: إن نوحا من عبادنا الذين آمنوا بنا، فوحدونا، وأخلصوا لنا العبادة، وأفردونا بالألوهة
563
وقوله: ثم أغرقنا الآخرين يقول تعالى ذكره: ثم أغرقنا حين نجينا نوحا وأهله من الكرب العظيم من بقي من قومه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
563
القول في تأويل قوله تعالى: وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون يقول تعالى ذكره: وإن من أشياع نوح على منهاجه وملته والله لإبراهيم خليل الرحمن وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
563
وقوله: إذ جاء ربه بقلب سليم يقول تعالى ذكره: إذ جاء إبراهيم ربه بقلب سليم من الشرك، مخلص له التوحيد
565
وقوله: إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون يقول حين قال: يعني إبراهيم لأبيه وقومه: أي شيء تعبدون
565
وقوله: أئفكا آلهة دون الله تريدون يقول: أكذبا معبودا غير الله تريدون
565
القول في تأويل قوله تعالى: فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه: فما ظنكم برب العالمين؟ يقول: فأي شيء تظنون أيها
565
وقوله: فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ذكر أن قومه كانوا أهل تنجيم، فرأى نجما قد طلع، فعصب رأسه وقال: إني مطعون، وكان قومه يهربون من الطاعون، فأراد أن يتركوه في بيت آلهتهم، ويخرجوا عنه، ليخالفهم إليها فيكسرها وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل
566
وقوله: إني سقيم أي طعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه، ليبلغ من أصنامهم الذي يريد واختلف في وجه قيل إبراهيم لقومه: إني سقيم وهو صحيح، فروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لم يكذب إبراهيم إلا
567
قوله: فتولوا عنه مدبرين يقول: فتولوا عن إبراهيم مدبرين عنه، خوفا من أن يعديهم السقم الذي ذكر أنه به
569
وقوله: فراغ إلى آلهتهم يقول تعالى ذكره: فمال إلى آلهتهم بعدما خرجوا عنه وأدبروا؛ وأرى أن أصل ذلك من قولهم: راغ فلان عن فلان: إذا حاد عنه، فيكون معناه إذا كان كذلك: فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم؛ كما قال عدي بن زيد: حين لا ينفع الرواغ ولا
570
وقوله: فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون هذا خبر من الله عن قيل إبراهيم للآلهة؛ وفي الكلام محذوف استغنى بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو: فقرب إليها الطعام فلم يرها تأكل، فقال لها: ألا تأكلون فلما لم يرها تأكل قال لها: ما لكم لا تأكلون، فلم يرها
570
القول في تأويل قوله تعالى: فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون يقول تعالى ذكره: فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهن
571
وقوله: فأقبلوا إليه يزفون اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة: فأقبلوا إليه يزفون بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم: زفت النعامة، وذلك أول عدوها وآخر مشيها؛ ومنه قول الفرزدق: وجاء قريع الشول قبل إفالها يزف
572
وقوله: قال أتعبدون ما تنحتون يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أتعبدون أيها القوم ما تنحتون بأيديكم من الأصنام
575
وقوله: والله خلقكم وما تعملون يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه: والله خلقكم أيها القوم وما تعملون وفي قوله: وما تعملون وجهان: أحدهما: أن يكون قوله: ما بمعنى المصدر، فيكون معنى الكلام حينئذ: والله خلقكم وعملكم والآخر أن يكون بمعنى الذي،
575
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم لما قال لهم إبراهيم: أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون ابنوا
575
وقوله: فأرادوا به كيدا يقول تعالى ذكره: فأراد قوم إبراهيم بإبراهيم كيدا، وذلك ما كانوا أرادوا من إحراقه بالنار يقول الله: فجعلناهم أي فجعلنا قوم إبراهيم الأسفلين يعني الأذلين حجة، وغلبنا إبراهيم عليهم بالحجة، وأنقذناه مما أرادوا به من الكيد
576
وقوله: وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين يقول: وقال إبراهيم لما أفلجه الله على قومه ونجاه من كيدهم: إني ذاهب إلى ربي يقول: إني مهاجر من بلدة قومي إلى الله: أي إلى الأرض المقدسة، ومفارقهم، فمعتزلهم لعبادة الله
576
وقوله: رب هب لي من الصالحين وهذا مسألة إبراهيم ربه أن يرزقه ولدا صالحا؛ يقول: قال: يا رب هب لي منك ولدا يكون من الصالحين الذين يطيعونك، ولا يعصونك، ويصلحون في الأرض، ولا يفسدون
577
القول في تأويل قوله تعالى: فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين يقول تعالى ذكره: فبشرنا إبراهيم بغلام حليم، يعني بغلام ذي حلم إذا هو كبر،
578
وقوله: فلما بلغ معه السعي يقول: فلما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيم مع إبراهيم العمل، وهو السعي، وذلك حين أطاق معونته على عمله وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه
578
وقوله: قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم خليل الرحمن لابنه: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك وكان فيما ذكر أن إبراهيم نذر حين بشرته الملائكة بإسحاق ولدا أن يجعله إذا ولدته سارة لله ذبيحا؛ فلما بلغ إسحاق مع أبيه
580
قوله: فانظر ماذا ترى اختلفت القراء في قراءة قوله: ماذا ترى، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة، وبعض قراء أهل الكوفة: فانظر ماذا ترى بفتح التاء، بمعنى: أي شيء تأمر، أو فانظر ما الذي تأمر، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: (ماذا ترى) بضم التاء،
582
وقوله: قال يا أبت افعل ما تؤمر يقول تعالى ذكره: قال إسحاق لأبيه: يا أبت افعل ما يأمرك به ربك من ذبحي، ستجدني إن شاء الله من الصابرين يقول: ستجدني إن شاء الله صابرا من الصابرين لما يأمرنا به ربنا، وقال: افعل ما تؤمر، ولم يقل: ما تؤمر به، لأن
583
القول في تأويل قوله تعالى: فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين يقول تعالى ذكره: فلما أسلما أمرهما لله وفوضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
583
وقوله: وتله للجبين يقول: وصرعه للجبين، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
585
قوله: وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وهذا جواب قوله: فلما أسلما ومعنى الكلام: فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم؛ وأدخلت الواو في ذلك كما أدخلت في قوله: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقد تفعل العرب ذلك فتدخل الواو في جواب فلما،
586
وقوله: إنا كذلك نجزي المحسنين يقول: إنا كما جزيناك بطاعتنا يا إبراهيم، كذلك نجزي الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا في رضانا
587
وقوله: إن هذا لهو البلاء المبين يقول تعالى ذكره: إن أمرنا إياك يا إبراهيم بذبح ابنك إسحاق، لهو البلاء، يقول: لهو الاختبار الذي يبين لمن فكر فيه أنه بلاء شديد ومحنة عظيمة وكان ابن زيد يقول: البلاء في هذا الموضع الشر وليس باختبار
587
القول في تأويل قوله تعالى: وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين
587
وقوله: وفديناه بذبح عظيم يقول: وفدينا إسحاق بذبح عظيم، والفدية: الجزاء، يقول: جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيم، وأنقذناه من الذبح واختلف أهل التأويل، في المفدي من الذبح من ابني إبراهيم، فقال بعضهم: هو إسحاق
587
وقوله: وتركنا عليه في الآخرين يقول تعالى ذكره: وأبقينا عليه فيمن بعده إلى يوم القيامة ثناء حسنا
605
وقوله: سلام على إبراهيم يقول تعالى ذكره: أمنة من الله في الأرض لإبراهيم أن لا يذكر من بعده إلا بالجميل من الذكر
606
وقوله: كذلك نجزي المحسنين يقول: كما جزينا إبراهيم على طاعته إيانا وإحسانه في الانتهاء إلى أمرنا، كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين يقول: إن إبراهيم من عبادنا المخلصين لنا الإيمان
606
القول في تأويل قوله تعالى: وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين يقول تعالى ذكره: وبشرنا إبراهيم بإسحاق نبيا شكرا له على إحسانه وطاعته
607
وقوله: وباركنا عليه وعلى إسحاق يقول تعالى ذكره: وباركنا على إبراهيم وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن يعني بالمحسن: المؤمن المطيع لله المحسن في طاعته إياه وظالم لنفسه مبين ويعني بالظالم لنفسه: الكافر بالله، الجالب على نفسه بكفره عذاب الله وأليم عقابه مبين
608
القول في تأويل قوله تعالى: ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين يقول تعالى ذكره: ولقد تفضلنا على موسى وهارون ابني عمران، فجعلناهما نبيين، ونجيناهما وقومهما من الغم والمكروه العظيم الذي كانوا فيه من
609
وقوله: ونصرناهم يقول: ونصرنا موسى وهارون وقومهما على فرعون وآله بتغريقناهم، فكانوا هم الغالبين لهم وقال بعض أهل العربية: إنما أريد بالهاء والميم في قوله: ونصرناهم موسى وهارون، ولكنها أخرجت على مخرج مكني الجمع، لأن العرب تذهب بالرئيس كالنبي والأمير
609
القول في تأويل قوله تعالى: وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين يقول تعالى ذكره: وآتينا موسى وهارون الكتاب: يعني التوراة
610
وقوله: وهديناهما الصراط المستقيم يقول تعالى ذكره: وهدينا موسى وهارون الطريق المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه وهو الإسلام دين الله، الذي ابتعث به أنبياءه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
611
وقوله: وتركنا عليهما في الآخرين يقول: وتركنا عليهما في الآخرين بعدهم الثناء الحسن عليهما
611
وقوله: سلام على موسى وهارون يقول: وذلك أن يقال: سلام على موسى وهارون
611
وقوله: إنا كذلك نجزي المحسنين يقول: هكذا نجزي أهل طاعتنا، والعاملين بما يرضينا عنهم إنهما من عبادنا المؤمنين يقول: إن موسى وهارون من عبادنا المخلصين لنا الإيمان
611
القول في تأويل قوله تعالى: وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين يقول تعالى ذكره: وإن إلياس
611
وقوله: لمن المرسلين يقول جل ثناؤه: لمرسل من المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون؟ يقول حين قال لقومه في بني إسرائيل: ألا تتقون الله أيها القوم، فتخافونه، وتحذرون عقوبته على عبادتكم ربا غير الله وإلها سواه وتذرون أحسن الخالقين يقول: وتدعون عبادة أحسن من
612
وقوله: فكذبوه فإنهم لمحضرون يقول: فكذب إلياس قومه، فإنهم لمحضرون: يقول: فإنهم لمحضرون في عذاب الله فيشهدونه
618
القول في تأويل قوله تعالى: سلام على إلياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين يقول تعالى ذكره: أمنة من الله لآل ياسين. واختلفت القراء في قراءة قوله: سلام على إلياسين فقرأته عامة قراء مكة والبصرة والكوفة: سلام على إلياسين بكسر الألف من
619
وقوله: إنا كذلك نجزي المحسنين يقول تعالى ذكره: إنا هكذا نجزي أهل طاعتنا والمحسنين أعمالا
622
وقوله: إنه من عبادنا المؤمنين يقول: إن إلياس عبد من عبادنا الذين آمنوا، فوحدونا، وأطاعونا، ولم يشركوا بنا شيئا
622
القول في تأويل قوله تعالى: وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين يقول تعالى ذكره: وإن لوطا لمرسل من المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين يقول: إذ نجينا لوطا وأهله أجمعين من العذاب الذي أحللناه بقومه، فأهلكناهم
622
وقوله: ثم دمرنا الآخرين يقول: ثم قذفناهم بالحجارة من فوقهم، فأهلكناهم بذلك
623
القول في تأويل قوله تعالى: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: وإنكم لتمرون على قوم لوط الذين دمرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل
623
وقوله: أفلا تعقلون يقول: أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكرون، فتعلمون أن من سلك من عباد الله في الكفر به، وتكذيب رسله، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط، نازل بهم من عقوبة الله، مثل الذي نزل بهم على كفرهم بالله، وتكذيب رسوله، فيزجركم ذلك عما
623
القول في تأويل قوله تعالى: وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم يقول تعالى ذكره: وإن يونس لمرسل من المرسلين إلى أقوامهم إذ أبق إلى الفلك المشحون يقول: حين فر إلى الفلك وهو السفينة المشحون: وهو
624
وقوله: فساهم يقول: فقارع وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
624
وقوله: فكان من المدحضين يعني: فكان من المسهومين المغلوبين، يقال منه: أدحض الله حجة فلان فدحضت: أي أبطلها فبطلت، والدحض: أصله الزلق في الماء والطين، وقد ذكر عنهم: دحض الله حجته، وهي قليلة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
625
وقوله: فالتقمه الحوت يقول: فابتلعه الحوت؛ وهو افتعل من اللقم وقوله: وهو مليم يقول: وهو مكتسب اللوم، يقال: قد ألام الرجل، إذا أتى ما يلام عليه من الأمر وإن لم يلم، كما يقال: أصبح محمقا معطشا: أي عندك الحمق والعطش؛ ومنه قول لبيد: سفها عذلت
626
القول في تأويل قوله تعالى: فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين يقول تعالى ذكره: فلولا أنه يعني يونس كان من المصلين لله قبل البلاء الذي ابتلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت للبث في
627
وقوله: فنبذناه بالعراء يقول: فقذفناه بالفضاء من الأرض، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره؛ ومنه قول الشاعر: ورفعت رجلا لا أخاف عثارها ونبذت بالبلد العراء ثيابي يعني: بالبلد الفضاء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
631
وقوله: وهو سقيم يقول: وهو كالصبي المنفوس: لحم نيء
632
وقوله: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين يقول تعالى ذكره: وأنبتنا على يونس شجرة من الشجر التي لا تقوم على ساق، وكل شجرة لا تقوم على ساق كالدباء والبطيخ والحنظل ونحو ذلك، فهي عند العرب يقطين واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك
633
القول في تأويل قوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون يقول تعالى ذكره: فأرسلنا يونس إلى مائة ألف من الناس، أو يزيدون على مائة ألف وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول: معنى قوله أو: بل يزيدون
636
وقوله: فآمنوا يقول: فوحدوا الله الذي أرسل إليهم يونس، وصدقوا بحقيقة ما جاءهم به يونس من عند الله
639
وقوله: فمتعناهم إلى حين يقول: فأخرنا عنهم العذاب، ومتعناهم إلى حين بحياتهم إلى بلوغ آجالهم من الموت وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
639
وقوله: فاستفتهم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: سل يا محمد مشركي قومك من قريش
640
وقوله: ألربك البنات ولهم البنون ذكر أن مشركي قريش كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، وكانوا يعبدونها، فقال الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: سلهم، وقل لهم: ألربي البنات ولكم البنون؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
640
القول في تأويل قوله تعالى: أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون يعني تعالى ذكره: أم شهد هؤلاء القائلون من المشركين: الملائكة بنات الله خلقي الملائكة وأنا أخلقهم إناثا، فشهدوا هذه الشهادة، ووصفوا
641
وقوله: ألا إنهم من إفكهم يقول تعالى ذكره: ألا إن هؤلاء المشركين من كذبهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون في قيلهم ذلك
641
القول في تأويل قوله تعالى: أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين يقول تعالى ذكره موبخا هؤلاء القائلين لله البنات من مشركي قريش: أصطفى الله أيها القوم البنات على البنين؟ والعرب إذا وجهوا
642
وقوله: ما لكم كيف تحكمون يقول: بئس الحكم تحكمون أيها القوم أن يكون لله البنات ولكم البنون، وأنتم لا ترضون البنات لأنفسكم، فتجعلون له ما لا ترضونه لأنفسكم؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
642
وقوله: أفلا تذكرون يقول: أفلا تتدبرون ما تقولون؟ فتعرفوا خطأه فتنتهوا عن قيله
643
وقوله: أم لكم سلطان مبين يقول: ألكم حجة تبين صحتها لمن سمعها بحقيقة ما تقولون
643
وقوله: فأتوا بكتابكم يقول: فأتوا بحجتكم من كتاب جاءكم من عند الله بأن الذي تقولون من أن له البنات ولكم البنين كما تقولون وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
643
وقوله: إن كنتم صادقين يقول: إن كنتم صادقين أن لكم بذلك حجة
644
القول في تأويل قوله تعالى: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بين الله وبين الجنة نسبا واختلف أهل التأويل في معنى النسب الذي أخبر الله عنهم أنهم
644
وقوله: ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: ولقد علمت الجنة إنهم لمشهدون الحساب
646
وقوله: سبحان الله عما يصفون يقول تعالى ذكره تنزيها لله، وتبرئة له مما يضيف إليه هؤلاء المشركون به، ويفترون عليه، ويصفونه، من أن له بنات، وأن له صاحبة
646
وقوله: إلا عباد الله المخلصين يقول: ولقد علمت الجنة أن الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله لمحضرون العذاب، إلا عباد الله الذين أخلصهم لرحمته، وخلقهم لجنته
647
القول في تأويل قوله تعالى: فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم وما منا إلا له مقام معلوم يقول تعالى ذكره: فإنكم أيها المشركون بالله وما تعبدون من الآلهة والأوثان ما أنتم عليه بفاتنين يقول: ما أنتم على ما تعبدون من دون الله
647
وقوله: وما منا إلا له مقام معلوم وهذا خبر من الله عن قيل الملائكة أنهم قالوا: وما منا معشر الملائكة إلا من له مقام في السماء معلوم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
650
القول في تأويل قوله تعالى: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ملائكته: وإنا لنحن الصافون لله لعبادته وإنا لنحن المسبحون له، يعني بذلك المصلون له وبنحو
652
وقوله: وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء المشركون من قريش يقولون قبل أن يبعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، لو أن عندنا ذكرا من الأولين يعني كتابا أنزل من السماء كالتوراة والإنجيل، أو نبيا
655
القول في تأويل قوله تعالى: فكفروا به فسوف يعلمون ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم الذكر من عند الله كفروا به، وذلك كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءهم به من عند الله من
656
وقوله: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون يقول تعالى ذكره: ولقد سبق منا القول لرسلنا إنهم لهم المنصورون: أي مضى بهذا منا القضاء والحكم في أم الكتاب، وهو أنهم لهم النصرة والغلبة بالحجج
657
وقوله: وإن جندنا لهم الغالبون يقول: وإن حزبنا وأهل ولايتنا لهم الغالبون، يقول: لهم الظفر والفلاح على أهل الكفر بنا والخلاف علينا
658
القول في تأويل قوله تعالى: فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين يعني تعالى ذكره بقوله: فتول عنهم حتى حين: فأعرض عنهم إلى حين واختلف أهل التأويل في هذا الحين، فقال بعضهم: معناه إلى الموت
658
وقوله: وأبصرهم فسوف يبصرون وانظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من عقابنا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
659
وقوله: أفبعذابنا يستعجلون يقول: فبنزول عذابنا بهم يستعجلونك يا محمد، وذلك قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم متى هذا الوعد إن كنتم صادقين
660
وقوله: فإذا نزل بساحتهم يقول: فإذا نزل بهؤلاء المشركين المستعجلين بعذاب الله العذاب العرب تقول: نزل بساحة فلان العذاب والعقوبة، وذلك إذا نزل به؛ والساحة: هي فناء دار الرجل فساء صباح المنذرين يقول: فبئس صباح القوم الذين أنذرهم رسولنا نزول ذلك
660
القول في تأويل قوله تعالى: وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين، وخلهم وقريتهم على ربهم حتى حين يقول:
660
وقوله: سبحان ربك رب العزة عما يصفون يقول تعالى ذكره تنزيها لربك يا محمد وتبرئة له رب العزة يقول: رب القوة والبطش عما يصفون يقول: عما يصف هؤلاء المفترون عليه من مشركي قريش، من قولهم ولد الله، وقولهم: الملائكة بنات الله، وغير ذلك من شركهم وفريتهم
661
وقوله: وسلام على المرسلين يقول: وأمنة من الله للمرسلين الذين أرسلهم إلى أممهم الذين ذكرهم في هذه السورة وغيرهم من فزع يوم العذاب الأكبر، وغير ذلك من مكروه أن ينالهم من قبل الله تبارك وتعالى
661
نام کتاب :
تفسير الطبري = جامع البيان - ط هجر
نویسنده :
الطبري، أبو جعفر
جلد :
19
صفحه :
662
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir