فقلت يا حبشي ما هذه الأسماء، قال: دِمنٌ لنا بالحبشة كنا نعتادها لنزهتنا. قال: قلت أحسبك كَلِفاً، قال: نعم، قلت: بمن، قال: بمن إن وقفت رأيته، قال: فطلعتْ سوداء على عُنقها جرَّة، فمتح لها فيها، وقال: ها هي، قال: قلت: أراك عاقلاً فما تصنع ها هنا. قال: أنا وقفت على قبر فلان وقد سمّاه، وهو يعرف بعض الملوك، أرشُّ عليه الماء، فأنا أبرّدُ من فوق، وربُّك يسخن من أسفل، أرأيت أحمق من هؤلاء يغالبون ربهم.
وهذا شعر فيه بالفارسية:
وقائل قال لي فأفحمني ... يا هائم القلب ما ترى رشدك
قلبك هذا كم أنت تاركه ... عند الَّذي ليس قلبه عَتَدك
يا كور شنيئم وكور دل وشوح ... روي بُنا اندكا تدك
وهذا شعر فيه بالرومية وهو لأبي نواس:
حبَّذا قولها وقد لحظتني ... من وراء السرير بو سانيس
قلت ما قول أيِّ شيئ ... ين والأعز شك فإنَّني قاقوسي
فإذا ما فعلت ذاك فعندي ... لقطينا نعم ومليار يس الباب الثامن والثمانون
ذكر
ما جاء من الأشعار محتملاً للهجاء والافتخار
أخبرنا الحارث بن أسامة عن زيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن قدامة قال عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: كانت أم عبد الله بن عمرو بن العاص وأمه ريطة بنت منبه بن الحجاج وكانت تلطف برسول الله صلى الله عليه وسلّم، فأتاها ذات يوم فقال لها كيف أنتِ يا أم عبد الله قالت بخير وعبد الله رجل قد ترك الدُّنيا فقال له أبوه يوم صفين اخرج فقاتل فقال يا أبتي كيف تأمرني أن أخرج فأقاتل وكان من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما قد سمعت. فقال: نشدتك الله أتعلم أن آخر ما كان من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليك أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال: أطع عمرو بن العاص، قال فإنِّي آمرك أن تقاتل فخرج فقاتل فلما وضعت الحرب أوزارها أنشأ عمرو بن العاص يقول فذكر أبياتاً بعدها، وقال عبد الله بن عمر:
ولو شهدت جمل مقامي ومشهدي ... بصفّين يوما شاب منها الذوائب
وعشية جا أهلُ العراق كأنهم ... سحاب ربيع رفّعته الجنائب
وجئناهم تردى كأن خيولنا ... من البحر مدٌّ موجه متراكب
فدارت رحانا فاستدارت رحاهم ... شداة النهار ما تزل المناكب
إذا قلت قد ولّوا سراعا بدت لنا ... كتائب منهم وارجحنّت كتائب
فقالوا لنا إنّا نرى أن تبايعوا ... عليّاً فقالوا بل نرى أن نضارب
قال أبو بكر قائل هذا الشعر قد أجاد تأليفه وأحكم ترصيفه غير أنَّه لم يعلمنا بقوله أقصد إلى ذم أعدائه أم مدحهم وكذلك لم يتبين أمر الضَّيف الذين هو منهم لأنه لم يحرز ذماً ولا مدحاً لهم ولغيرهم وقال:
فلم أرَ حيّاً صابروا مثل صبرنا ... ولا كافحوا مثل الذين نكافحُ
إذا شئت لاقاني كميٌّ مدججٌ ... علَى أعوجي بالطعان مسامحُ
وأقبل صفّانا وفي عارضيهما ... جنيّ تُرى فيه البروق اللوامحُ
إذا أقبلوا في السابغات حسبتهم ... سيولاً إذا جاشت بهنَّ الأباطحُ
كأن القنا الخطِّي فينا وفيهمُ ... شواطن بئرٍ هيجتها المواتحُ
وثم فرقنا بالرّماح ولم يكن ... هنالك في جمع الفريقين رامحُ
ودرنا كما دارت علَى قطبها الرحى ... ودارت علَى هام الرِّجال الصفائحُ
فقلت عيون حين دارت رحاهُمُ ... لما قطرت من خشية الموت طامح
وقال زفر بن الحارث:
وكُنّا حسبْنا كلَّ بيضاءَ شحمةً ... ليالي لاقينا جُذامَ وحمْيَرا
فلما قرعنا النَّبْعَ بالنَّبع بعضهُ ... ببعضٍ أبتْ عيدانهُ أن تكسَّرا
سقيناهمُ كأساً سقونا بمثلها ... ولكنهمْ كانوا علَى الموت أصبرا
وبلغنا أن الزبرقان بن بدر استعدى عمر بن الخطاب على الحطيئة فقال أنَّه هجاني. قال وما قال لك؟ قال: قال:
دَعِ المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها ... واقعدْ فإنك أنتَ الطاعِمُ الكاسي