فحينئذٍ لهذه العلة اعتنى كثير من العلماء بالمنظومات، (مُسَهِّلاً) هذه حال، حال كون بنظم إياه مسهلاً له يعني: للكتاب لحفظه (مُسَهِّلاً لِحِفْظِهِ) لحفظه، هذا متعلق بقوله: (مُسَهِّلاً) (لِحِفْظِهِ) أي: لحفظ الكتاب الأصل، لأن طالب إذا أراد أن يحفظ الورقات فإذا بها لا ( ... ) ولو وجد نظمًا لهذا الكتاب لكان أسهل له، فقال: (مُسَهِّلاً) أي: مسهلاً له بنظم إياه، (لِحِفْظِهِ) أي: استحضاره عن ظهر قلب غيبا، لذلك قيل: {الحفظ هو انطباع صورة المحفوظ في العقل، أو انطباع الصورة المدرَكة في العقل، بحيث إنه لا ينساه بعد حفظه}. (وَفَهْمِهِ) أي: مجتهدًا في تسهيل فهمه، إذا نظم الألفاظ النثرية وجعلها على جهة أَرجوزة، أُرجوزة قد يأتي به على جهة التعقيب، لأن بعض المنظومات قد يريد أن يُسهل الكتاب فينقلب عليه الحال فيُعقده، بماذا يحصل التعقيد؟ إما بكثرة الحشو؛ يعني ألفاظ يؤتى بها لتتميم الأبيات كما في الشطر الثاني، المراد به التتميم وقد يأتي بألفاظ غريبة أو معقدة، أو فيها نوعُ صعوبة في التلفظ فحينئذٍ قال: (وَفَهْمِهِ) النظم يسهل الحفظ، هل كل نظمٍ يفهم منه المراد؟ الجواب: لا، إذن قال: (وَفَهْمِهِ) أي: ومجتهدًا في تسهيل فهمه، أي: فهم هذا الكتاب، وذلك بالإتيان بعبارة سهلة واضحة المراد.
فَلمْ أَجِدْ مِمَّا سُئِلْتُ بُدَّا**وَقَدْ شَرَعْتُ فِيهِ مُسْتَمِدَّا
(فَلمْ أَجِدْ) هذا يدل على كرر عليه السؤال يعني: أزعجوه، (مِمَّا سُئِلْتُ بُدَّا) طلب مما طلب من (بُدَّا) بمعنى: أراقًا ومحالةً ومناصا يعني: لا بد من فعل كذا يعني لا فراق إلا وأن تفعل هذا لا مناص ولا عوض عن هذا إلا بفعلك لهذا اللفظ. (وَقَدْ شَرَعْتُ) شرعت قد هذه للتحقيق شرعت بمعنى دخلت، يقال: شرعت الدواب في الماء إذا دخلت، أو شرع في الأمر بمعنى خاض فيه، شرعت بمعنى خضت في ابتداء هذا الأمر، شَرَعْتُ بمعنى دخلت وابتدأت (وَقَد شَرَعْتُ فِيهِ) أي: في النظم، نظم لهذا الكتاب (مُسْتَمِدَّا) أي حالة كوني (مُسْتَمِدَّا) أي: طالبًا إمداد التوفيق من ربنا (مُسْتَمِدَّا) هذا إعراب الحال، أو اسم فاعل مأخوذٌ من المدد، يعني: طالبًا المدد والإمداد (مِنْ رَبِّنَا) ربنا هذا جار مجرور يتعلق بقوله: (مُسْتَمِدَّا) وهذا يسمى تضمينًا، علق آخر البيت السابق بأوله البيت الذي يليه.
مِنْ رَبِّنَا التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ**وَالنَّفْعَ فِي الدَّارَيْنِ بِالْكِتَابِ