وهذا النوع، يسمى عند أهل البديع بالاكتفاء، وله أيضا:
فدتك وقلّتْ للفدا كلُّ غانيهْ ... منَ العِين والأرآم يا عينَ رابيهْ
وعنك عَفا ربي دِماَء أرقتشها ... ولم تبذلي فيها قصاصاً ولا ديهْ
ولا أشْمتَ المولي بك الناسَ إنهم ... غدوا في طلاب الثأر منك سَواسيه
فمنْ حسد قتلى وقتلى من الجوى ... فلم يبق جَحجَاحٌ ولم تبق غانيهْ
وقد كان سُقم الطرف للعين زينةً ... ولكنَّها في أعين الحورِ خافيهْ
فأظهرته للناس أنت لكي ترى ... عليك خفايا الحسن تبدو علانيهْ
لئن صدَأت من غضبك اليوم صفحةٌ ... فما في صدًى عارٌ على الهنداونيهْ
نهبتِ من الأعمار ما لوْ حَوْيتهِ ... لُهنّئتِ الدنيا بأنَّكِ باقيهْ
وقال أيضا:
يا معشر البلغاءِ هلْ منْ لوذعي ... يهدي حجاهُ لمقصدٍ لم يبدعِ
إني همْمتُ بأن أقولَ قصيدةً ... بكراً فأعياني وجودُ المطلع
لكمُ اليدُ الطولى علىَّ إن أنتمُ ... ألفيتموهُ ببقعَةٍ أو موضع
فاستعملوا النَّظر السديد ومن يجدْ ... لي ما أحاولُ منكمُ فليصدع
وحذارِ منْ خلع العذار على الديا ... ر ووقفة الزُّوار بين الأربُع
وإفاضةِ العبرات في عَرصاتها ... وتردُّدِ الزّفرات بين الأضلع
وتذاكر السُّمار بالأخبار من ... أعصار دولة قيصر أو تبَّع
والفينة الشّنبا تجاذبُ مِزهراً ... والقهوةِ الصَّهبا بكأسٍ مُترع
وتداعى الأبطال في رهج القتا ... ل إلى النزال بكلّ لدنٍ مشرع
فجميع هذا قد تداولهُ الورى ... حتى غدا ما فيه موضعُ إصبع