نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 52
تتبعهما قريش وتمنعهما من تلك الرحلة المباركة، وقد اتعدا مع الليل على أن يلقاهما عبد الله بن أريقط في غار ثور بعد ثلاث ليال [1]، وقد دعا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند خروجه من مكة إلى المدينة [2]، ووقف عند خروجه بالحزورة في سوق مكة وقال: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجْتُ منك ما خرجت». (3)
ثم انطلق رسول الله وأبو بكر، والمشركون يحاولون أن يقتفوا آثارهم حتى بلغوا الجبل -جبل ثور- اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه [4]، وهذه من جنود الله -عز وجل-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].
وبالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه لم يرتكن إليها مطلقًا، وإنما كان كامل الثقة في الله، عظيم الرجاء في نصره وتأييده، دائم الدعاء بالصيغة التي علمه الله إياها [5]، قال تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا} [الإسراء: 80].
وفي هذه الآية الكريمة دعاء يُعلمه الله -عز وجل- لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليدعوه به، ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وكيف تتجه إليه، دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج، كناية عن صدق الرحلة كلها، بدئها وختامها، أولها وآخرها، وما بين الأول والآخر، وللصدق هنا قيمته بمناسبة ما حاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه ليفتري على الله غيره، وللصدق كذلك ظلاله؛ ظلال الثبات والاطمئنان والنظافة والإخلاص: {وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا"، قوة وهيبة استعلى بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين، وكلمة {مِن لَّدُنْكَ" تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء إلى حِمَاه.
وصاحب الدعوة لا يمكن أن يستمد السلطان إلا من الله، ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله، لا يمكن أن يستظل بحاكم أو ذي جاه فينصره ويمنعه ما لم يكن اتجاهه [1] خاتم النبيين لأبي زهرة: 1/ 659، السيرة النبوية لابن كثير: 2/ 234. [2] السيرة النبوية لابن كثير: 2/ 230، 234.
(3) الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل مكة:5/ 722. [4] مسند الإمام أحمد: 1/ 348. [5] الهجرة النبوية المباركة: ص 72.
نام کتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق نویسنده : الصلابي، علي محمد جلد : 1 صفحه : 52