responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 332
الْمُسْلِمُونَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فَاطِرٍ: 32] وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا
رَوَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ، فَقَالَ: «أَمَّا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ أَحَدٌ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ،
قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: أُولَئِكَ الْحَاضِرُونَ كَانُوا نَفَرًا مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقِيلَ لَيْسَ يَسْتَوِي مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامُوا صَلَاةَ الْعَتْمَةِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يَنَامُ فِيهَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَمْ يَبْعُدْ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِأَهْلِ الْكِتَابِ حَالُهُمْ وَصِفَتُهُمْ تِلْكَ الْخِصَالُ الذَّمِيمَةُ وَالْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ حَالُهُمْ وَصِفَتُهُمْ هَكَذَا، يَسْتَوِيَانِ؟
فَيَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ تَقْرِيرَ فَضِيلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ تَأْكِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: 110] وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ [السَّجْدَةِ: 18] .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى مَدَحَ الْأُمَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِصِفَاتٍ ثَمَانِيَةٍ.
الصِّفَةُ الْأُولَى: أَنَّهَا قَائِمَةٌ وَفِيهَا أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ فَعَبَّرَ عَنْ تَهَجُّدِهِمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً
[الْفُرْقَانِ: 64] وَقَوْلِهِ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [الْمُزَّمِّلِ: 20] وَقَوْلِهِ قُمِ اللَّيْلَ [الْمُزَّمِّلِ: 2] وَقَوْلِهِ وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [الْبَقَرَةِ: 238] وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُهُ وَهُمْ يَسْجُدُونَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّجْدَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الصَّلَاةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ كَوْنِهَا قَائِمَةً: أَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ الْحَقِّ مُلَازِمَةٌ لَهُ غَيْرُ مُضْطَرِبَةٍ فِي التَّمَسُّكِ بِهِ كَقَوْلِهِ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آلِ عِمْرَانَ: 75] أَيْ مُلَازِمًا لِلِاقْتِضَاءِ ثَابِتًا عَلَى الْمُطَالَبَةِ مُسْتَقْصِيًا فِيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قائِماً بِالْقِسْطِ [آلِ عِمْرَانَ: 18] .
وَأَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى كَوْنِ الْمُسْلِمِ قَائِمًا بحق العبودية وقوله قائِماً بِالْقِسْطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى قَائِمٌ بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ فِي الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فَتَمَّتِ الْمُعَاهَدَةُ بِفَضْلِ اللَّهِ تعالى كما قال: أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [الْبَقَرَةِ: 40] وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِمَا
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنْ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُحَدِّثُونَنَا بِمَا يُعْجِبُنَا فَلَوْ كَتَبْنَاهُ، فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ،
قَالَ الْحَسَنُ: مُتَحَيِّرُونَ مُتَرَدِّدُونَ «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّكُمْ لَمْ تُكَلَّفُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِمَا وَتُفَوِّضُوا عِلْمَهُمَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلِّفْتُمْ/ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي هَذَا الْوَحْيِ غُدْوَةً وَعَشِيًّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَدْرَكَنِي إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى لَآمَنُوا بِي وَاتَّبَعُونِي»
فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى هَذَا الدِّينِ وَاجِبٌ وَعَدَمَ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِهِ وَاجِبٌ، فَلَا جَرَمَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِذَلِكَ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أُمَّةٌ قائِمَةٌ أَيْ مُسْتَقِيمَةٌ عَادِلَةٌ مِنْ قَوْلِكَ: أَقَمْتُ الْعُودَ فَقَامَ بِمَعْنَى اسْتَقَامَ، وَهَذَا كَالتَّقْرِيرِ لِقَوْلِهِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 332
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست