responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 347
وإنا سُمِّيَ هَذَا الْمَعْنَى فَسَادًا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يُوقِعُ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُفَرِّقُ كَلِمَتَهُمْ وَيُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَتَنْقَطِعَ الأرحام وينفسك الدِّمَاءُ، قَالَ تَعَالَى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [مُحَمَّدٍ: 22] فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِنْ تَوَلَّوْا عَنْ دِينِهِ لَمْ يَحْصُلُوا إِلَّا عَلَى الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَطْعِ الْأَرْحَامِ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ قُلْنَا وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ حَمْلَ الْفَسَادِ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّخْرِيبِ وَالنَّهْبِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالْمَعْطُوفُ مُغَايِرٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَإِذا تَوَلَّى وَإِذَا صَارَ وَالِيًا فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ وُلَاةُ السُّوءِ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِإِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَقِيلَ: يُظْهِرُ الظُّلْمَ حَتَّى يَمْنَعَ اللَّهُ بِشُؤْمِ ظُلْمِهِ الْقَطْرَ فَيَهْلَكَ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى نَظْمِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ نِفَاقِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ عِنْدَ الْحُضُورِ يَقُولُ الْكَلَامَ الْحَسَنَ وَيُظْهِرُ الْمَحَبَّةَ، وَعِنْدَ الْغَيْبَةِ يَسْعَى فِي إِيقَاعِ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: سَعى فِي الْأَرْضِ أَيِ اجْتَهَدَ فِي إِيقَاعِ الْقِتَالِ، وَأَصْلُ السَّعْيِ هُوَ الْمَشْيُ بِسُرْعَةٍ وَلَكِنَّهُ مُسْتَعَارٌ لِإِيقَاعِ الْفِتْنَةِ وَالتَّخْرِيبِ بَيْنَ النَّاسِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلَانٌ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التَّوْبَةِ: 47] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَنْ فَسَّرَ الْفَسَادَ بِالتَّخْرِيبِ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
لِيُفْسِدَ فِيها ثُمَّ ذَكَرَهُ ثَانِيًا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ فَقَالَ: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَمَنْ فَسَّرَ/ الْإِفْسَادَ بِإِلْقَاءِ الشبهة قال: كما أن الدين الحق أمر أن أَوَّلُهُمَا الْعِلْمُ، وَثَانِيهِمَا الْعَمَلُ، فَكَذَا الدِّينُ الْبَاطِلُ أَمْرَانِ أَوَّلُهُمَا الشُّبُهَاتُ، وَثَانِيهِمَا فِعْلُ الْمُنْكَرَاتِ، فَهَهُنَا ذَكَرَ تَعَالَى أَوَّلًا مِنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ اشْتِغَالَهُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لِيُفْسِدَ فِيها ثُمَّ ذَكَرَ ثَانِيًا إِقْدَامَهُ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ أَوْلَى ثُمَّ مَنْ قَالَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ الْأَخْنَسَ مَرَّ بِزَرْعٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَأَحْرَقَ الزَّرْعَ وَقَتَلَ الْحُمُرَ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْحَرْثِ الزَّرْعُ، وَبِالنَّسْلِ تِلْكَ الْحُمُرُ، وَالْحَرْثُ هُوَ مَا يَكُونُ مِنْهُ الزَّرْعُ، قَالَ تَعَالَى:
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ [الْوَاقِعَةِ: 63] وَهُوَ يَقَعُ على كل ما يحرث ويزرع مِنْ أَصْنَافِ النَّبَاتِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحَرْثَ هُوَ شَقُّ الْأَرْضِ، وَيُقَالُ لِمَا يُشَقُّ بِهِ: مِحْرَثٌ، وَأَمَّا النَّسْلُ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ نَسْلُ الدَّوَابِّ، وَالنَّسْلُ فِي اللُّغَةِ: الْوَلَدُ، وَاشْتِقَاقُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَلَ يَنْسِلُهُ إِذَا خَرَجَ فَسَقَطَ، وَمِنْهُ نَسَلَ رِيشُ الطَّائِرِ، وَوَبَرَ الْبَعِيرُ، وَشَعَرَ الْحِمَارُ، إِذَا خَرَجَ فَسَقَطَ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهَا إِذَا سَقَطَتْ نُسَالَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس: 51] أَيْ يُسْرِعُونَ، لِأَنَّهُ أَسْرَعَ الْخُرُوجَ بِحِدَّةٍ، وَالنَّسْلُ الْوَلَدُ لِخُرُوجِهِ مِنْ ظَهْرِ الْأَبِ وَبَطْنِ الْأُمِّ وَسُقُوطِهِ، وَالنَّاسُ نَسْلُ آدَمَ، وَأَصْلُ الْحَرْفِ مِنَ النُّسُولِ وَهُوَ الْخُرُوجُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ:
أَنَّ الْأَخْنَسَ بَيَّتَ عَلَى قَوْمِ ثَقِيفٍ وَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمْعًا، فَالْمُرَادُ بِالْحَرْثِ: إِمَّا النِّسْوَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 223] أَوِ الرِّجَالُ وَهُوَ قَوْلُ قَوْمٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ فَسَّرُوا الْحَرْثَ بِشَقِّ الْأَرْضِ، إِذِ الرِّجَالُ هُمُ الَّذِينَ يَشُقُّونَ أَرْضَ التَّوْلِيدِ، وَأَمَّا النَّسْلُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْفَسَادَ فَسَادٌ عَظِيمٌ لَا أَعْظَمَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ. إِهْلَاكُ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي: إِهْلَاكُ الْحَيَوَانِ بِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَا فَسَادَ أَعْظَمُ مِنْهُ، فَإِذَنْ قَوْلُهُ: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْفَصِيحَةِ جِدًّا الدَّالَّةِ مَعَ اختصارها على

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 347
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست