responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 348
الْمُبَالَغَةِ الْكَثِيرَةِ وَنَظِيرُهُ فِي الِاخْتِصَارِ مَا قَالَهُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزُّخْرُفِ:
71] وَقَالَ: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها [النَّازِعَاتِ: 31] .
فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ يُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، أَوْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ؟
قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ: سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها دَلَّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ أَنْ يَسْعَى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ إِنْ عَطَفْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ لَمْ تَدُلَّ الْآيَةُ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ هَكَذَا: سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا، وَسَعَى لِيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَلَامًا مُبْتَدَأً مُنْقَطِعًا عَنِ الْأَوَّلِ، دَلَّ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتِ الْأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ وَقَعَتْ وَدَخَلَتْ فِي الْوُجُودِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَرَأَ بَعْضُهُمْ وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَقَرَأَ/ الْحَسَنُ بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ يَهْلَكُ وَهِي لُغَةٌ نَحْوُ: أَبَى يَأْبَى، وَرُوِي عَنْهُ وَيُهْلِكَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اسْتَدَلَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرِيدُ الْقَبَائِحَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ قَالُوا: وَالْمَحَبَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِرَادَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ [النُّورِ: 19] وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ، وَأَيْضًا
نُقِلَ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ لَكُمْ ثَلَاثًا وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا، أَحَبَّ لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مِنْ وُلَاةِ أَمْرِكُمْ وَكَرِهَ لَكُمُ الْقِيلَ وَالْقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»
فَجَعَلَ الْكَرَاهَةَ ضِدَّ الْمَحَبَّةِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَحَبَّةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِرَادَةِ وَإِلَّا لَكَانَتِ الْكَرَاهَةُ ضِدًّا لِلْإِرَادَةِ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَتِ الْمَحَبَّةُ غَيْرَ الْإِرَادَةِ لَصَحَّ أَنْ يُحِبَّ الْفِعْلَ وَإِنْ كَرِهَهُ، لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا تُضَادُّ الْإِرَادَةَ دُونَ الْمَحَبَّةِ، قَالُوا: وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحَبَّةَ نَفْسُ الْإِرَادَةِ فَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ جَارٍ مَجْرَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ لَا يُرِيدُ الْفَسَادَ كَقَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ [غَافِرٍ: 31] بَلْ دَلَالَةُ هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَى لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَا وَقَعَ مِنَ الْفَسَادِ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ إِشَارَةً إِلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَاقِعَ وَقَعَ لَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرِيدُ الْفَسَادَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ خَالِقًا لَهُ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ الْإِرَادَةِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِرَادَةِ وَمَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَالْأَصْحَابُ أَجَابُوا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَحَبَّةَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ بَلِ الْمَحَبَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَدْحِ الشَّيْءِ وَذِكْرِ تَعْظِيمِهِ وَالثَّانِي: إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَحَبَّةَ نَفْسُ الْإِرَادَةِ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَيْنِ فِي اللَّفْظِ لَا يُفِيدَانِ الْعُمُومَ ثُمَّ الَّذِي يَهْدِمُ قُوَّةَ هَذَا الْكَلَامِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَدَاعِيَتَهُ صَالِحَةٌ لِلصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فترجع الْفَسَادُ عَلَى الصَّلَاحِ، إِنْ وَقَعَ لَا لِعِلَّةٍ لَزِمَ نَفْيُ الصَّانِعِ، وَإِنْ وَقَعَ لِمُرَجِّحٍ فَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُرَجِّحُ لِجَانِبِ الْفَسَادِ عَلَى جَانِبِ الصَّلَاحِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَا يُرِيدُهُ وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَالِمٌ بِوُقُوعِ الْفَسَادِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ الْفَسَادُ لَزِمَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقْلِبَ عِلْمَ نَفْسِهِ جَهْلًا وَذَلِكَ مُحَالٌ.
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ مَعْنَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَاهُ إِلَى تَرْكِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فَدَعَاهُ الْكِبَرُ وَالْأَنَفَةُ إِلَى الظلم.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 348
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست