responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 329
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الذِّكْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ هُنَاكَ وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى ذِكْرًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَلَا ذِكْرَ هُنَاكَ يَجِبُ إِلَّا هَذَا، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا: الْمُرَادُ مِنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا أَدْرَكُوا هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَا يَنَامُونَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لَمَّا قَالَ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ فَلِمَ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى وَاذْكُرُوهُ وَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّكْرِيرِ؟.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ فَقَوْلُهُ أَوَّلًا: فَاذْكُرُوا اللَّهَ أَمْرٌ بِالذِّكْرِ، وَقَوْلُهُ ثَانِيًا: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ أَمْرٌ لَنَا بِأَنْ نَذْكُرَهُ سُبْحَانَهُ بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا لَنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نَذْكُرَهُ بِهَا، لَا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي نَذْكُرُهَا بِحَسَبِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالذِّكْرِ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا:
وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ أَيْ وَافْعَلُوا مَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الذِّكْرِ كَمَا هَدَاكُمُ اللَّهُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّمَا أَمَرْتُكُمْ بِهَذَا الذِّكْرِ/ لِتَكُونُوا شَاكِرِينَ لِتِلْكَ النِّعْمَةِ، وَنَظِيرُهُ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ التَّكْبِيرِ إِذَا أَكْمَلُوا شَهْرَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ [الْبَقَرَةِ: 185] وَقَالَ في «الأضاحي» : كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ [الحج: 37] وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ أَمَرَ بِالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ وَقَوْلَهُ ثَانِيًا: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ أَمَرَ بِالذِّكْرِ بِالْقَلْبِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الذِّكْرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا: ذِكْرٌ هُوَ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَالثَّانِي: الذِّكْرُ بِالْقَوْلِ، فَمَا هُوَ خِلَافُ النِّسْيَانِ قَوْلُهُ: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الْكَهْفِ: 63] وَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [الْبَقَرَةِ: 200] وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [الْبَقَرَةِ: 203] فَثَبَتَ أَنَّ الذِّكْرَ وَارِدٌ بِالْمَعْنَيَيْنِ فَالْأَوَّلُ: مَحْمُولٌ عَلَى الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ وَالثَّانِي: عَلَى الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ، فَإِنَّ بِهِمَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْعُبُودِيَّةِ وَرَابِعُهَا: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَعْنَى قَوْلِهِ:
وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ يَعْنِي اذْكُرُوهُ بِتَوْحِيدِهِ كَمَا ذَكَرَكُمْ بِهِدَايَتِهِ وَخَامِسُهَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الذِّكْرِ مُوَاصَلَةَ الذِّكْرِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: اذْكُرُوا اللَّهَ وَاذْكُرُوهُ أَيِ اذْكُرُوهُ ذِكْرًا بَعْدَ ذِكْرٍ، كَمَا هَدَاكُمْ هِدَايَةً بَعْدَ هداية، ويرجع حاصله إلى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [الْأَحْزَابِ: 41] وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقِيَامِ بِوَظَائِفِ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّ تَوْقِيفَ الذِّكْرِ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِيهِ إِقَامَةٌ لِوَظَائِفِ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا قَرُبْتَ إِلَى مَرَاتِبِ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَنْقَطِعَ قَلْبُكَ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، بَلْ عَنْ مَنْ سِوَاهُ فَيَصِيرَ مُسْتَغْرِقًا فِي نُورِ جَلَالِهِ وَصَمَدِيَّتِهِ، وَيَذْكُرَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ لِهَذَا الذِّكْرِ وَلِأَنَّ هَذَا الذِّكْرَ يُعْطِيكَ نِسْبَةً شَرِيفَةً إِلَيْهِ بِكَوْنِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ فِي مَقَامِ الْعُرُوجِ ذَاكِرًا لَهُ وَمُشْتَغِلًا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَثَنَّى بِالثَّانِي لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ فِي مَقَامِ الْعُرُوجِ فَيَصْعَدُ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى وَهَذَا مَقَامٌ شَرِيفٌ لَا يَشْرَحُهُ الْمَقَالُ وَلَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْخَيَالُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ، فَلْيَكُنْ مِنَ الْوَاصِلِينَ إِلَى الْعَيْنِ، دُونَ السَّامِعِينَ للأثر ورابعها: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ هُوَ ذِكْرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْحُسْنَى، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الثَّانِي: الِاشْتِغَالُ بِشُكْرِ نَعْمَائِهِ، وَالشُّكْرُ مُشْتَمِلٌ أَيْضًا عَلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 329
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست