responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 328
وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَقَوْمًا آخَرِينَ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ بِالْحُمْسِ، وَهُمْ أَهْلُ الشِّدَّةِ فِي دِينِهِمْ، وَالْحَمَاسَةُ الشِّدَّةُ يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْمُسُ وَقَوْمٌ حُمْسٌ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا لَا يَقِفُونَ فِي عَرَفَاتٍ، وَيَقُولُونَ لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ وَلَا نَتْرُكُهُ فِي وَقْتِ الطَّاعَةِ وَكَانَ غَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ وَالَّذِينَ كَانُوا يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ يُفِيضُونَ قَبْلَ أَنْ تغرب الشمس، والذي يَقِفُونَ بِمُزْدَلِفَةَ يُفِيضُونَ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، وَمَعْنَاهُ: أَشْرِقْ يَا ثَبِيرُ بِالشَّمْسِ كَيْمَا نَنْدَفِعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَيَدْخُلُونَ فِي غَوْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمُنْخَفَضُ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَاوَزُوا الْمُزْدَلِفَةَ وَصَارُوا فِي غَوْرٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمُخَالَفَةِ الْقَوْمِ فِي الدَّفْعَتَيْنِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُفِيضَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَبِأَنْ يُفِيضَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْآيَةُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ، بَلِ السُّنَّةُ دَلَّتْ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُصُولَ بِعَرَفَةَ وَاجِبٌ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ ذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَالْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَاتٍ مَشْرُوطَةٌ بِالْحُصُولِ فِي عَرَفَاتٍ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَكَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْحُصُولَ فِي عَرَفَاتٍ وَاجِبٌ فِي الْحَجِّ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالْحَجِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنِ الْعُهْدَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ شَرْطًا أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْحَجَّ يَحْصُلُ عِنْدَ تَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورَاتِ إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّمَا يَعْدِلُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ شَرْطٌ وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَاجِبٌ، إِلَّا أَنَّهُ إِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ قَامَ الْوُقُوفُ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ مَقَامَهُ، وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ يَدُلُّ أَنَّ الْحُصُولَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَيَكْفِي فِيهِ الْمُرُورُ بِهِ كَمَا فِي عَرَفَةَ، فَأَمَّا الْوُقُوفُ هُنَاكَ فَمَسْنُونٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ/ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا:
الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ رُكْنٌ بِمَنْزِلَةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَحُجَّتُهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لَا ذِكْرَ لَهُ صَرِيحًا فِي الْكِتَابِ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِإِشَارَةِ الْآيَةِ أَوْ بِالسُّنَّةِ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ فِيهِ أَمْرُ جَزْمٍ، وَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَاحْتَجُّوا
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»
وَبِقَوْلِهِ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ»
قَالُوا:
وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قُلْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ أَمَرَ بِالذِّكْرِ لَا بِالْوُقُوفِ، فَعَلِمَ أَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ تَبَعٌ لِلذِّكْرِ، وَلَيْسَ بِأَصْلٍ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَهُوَ أَصْلٌ لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنَ الذِّكْرِ بِعَرَفَاتٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: الْمَشْعَرِ الْمَعْلَمُ وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِكَ: شَعَرْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا عَلِمْتَهُ، وَلَيْتَ شعري ما فعل فلان، أي ليت عِلْمِي بَلَغَهُ وَأَحَاطَ بِهِ، وَشِعَارُ الشَّيْءِ أَعْلَامُهُ، فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ قَائِلُونَ: الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هُوَ الْمُزْدَلِفَةُ، وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالْمَقَامَ وَالْمَبِيتَ بِهِ وَالدُّعَاءَ عِنْدَهُ، هَكَذَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْأَصَحُّ أَنَّهُ قُزَحُ، وَهُوَ آخِرُ حَدِّ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يَحْصُلُ عَقِيبَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 5  صفحه : 328
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست