responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 62
بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَأَخَّرَ بِمِقْدَارِ ثَلَاثَةِ آلَافِ سَنَةٍ حَتَّى يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِهَذَا الدُّعَاءِ شَخْصًا آخَرَ سِوَى هَذَا الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ؟
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ: لَعَلَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ شَاهِدَانِ بِصِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مُسَارَعَةً إِلَى تَكْذِيبِهِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى. وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ظُهُورُ الْمُعْجِزِ عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ وَإِخْبَارُهُ عَنِ الْغُيُوبِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيُّ مِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ تَجْرِي مَجْرَى الْمُؤَكِّدِ لِلْمَقْصُودِ وَالْمَطْلُوبِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي انْتِصَابِ نَفْسَهُ قَوْلَانِ. الْأَوَّلُ: لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: سَفَهَ لَازِمٌ، وَسَفِهَ مُتَعَدٍّ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: امْتَهَنَهَا وَاسْتَخَفَّ بِهَا، وَأَصْلُ السَّفَهِ الْخِفَّةُ، وَمِنْهُ زِمَامٌ سَفِيهٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ وَتَغْمِصَ النَّاسَ»
وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَغِبَ عَمَّا لَا يَرْغَبُ عَنْهُ عَاقِلٌ قَطُّ فَقَدْ بَالَغَ فِي إِزَالَةِ نَفْسِهِ وَتَعْجِيزِهَا، حَيْثُ خَالَفَ بِهَا كُلَّ نَفْسٍ عَاقِلَةٍ. وَالثَّانِي: قَالَ الْحَسَنُ: إِلَّا مَنْ جَهِلَ نَفْسَهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لَا يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ فَلَمْ يُفَكِّرْ فِيهَا، فَيَسْتَدِلُّ بِمَا يَجِدُهُ فِيهَا مِنْ آثَارِ الصَّنْعَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى حِكْمَتِهِ، فَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّالِثُ: أَهْلَكَ نَفْسَهُ وَأَوْبَقَهَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَالرَّابِعُ: أَضَلَّ نَفْسَهُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مَفْعُولًا وَذَكَرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهًا.
الْأَوَّلُ: أَنَّ نَفْسَهُ نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ تَقْدِيرُهُ سَفِهَ فِي نَفْسِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ عَنِ الْفَرَّاءِ وَمَعْنَاهُ سَفِهَ نَفْسًا ثُمَّ أَضَافَ وَتَقْدِيرُهُ إِلَّا السَّفِيهَ، وَذِكْرُ النَّفْسِ تَأْكِيدٌ كَمَا يُقَالُ: هَذَا الْأَمْرُ نَفْسَهُ وَالْمَقْصُودُ منه المبالغة في سفهه. والثالث: قُرِئَ: إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَمَ بِسَفَاهَةِ مَنْ رَغِبَ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَّنَ السَّبَبَ فَقَالَ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّا إِذَا اخْتَرْنَاهُ لِلرِّسَالَةِ مِنْ دُونِ سَائِرِ الْخَلِيقَةِ، وَعَرَّفْنَاهُ الْمِلَّةَ الَّتِي هِيَ جَامِعَةٌ لِلتَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالشَّرَائِعِ وَالْإِمَامَةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ثُمَّ أُضِيفَ إِلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَشَرَّفَهُ اللَّهُ/ بِهَذَا اللَّقَبِ الَّذِي فِيهِ نِهَايَةُ الْجَلَالَةِ لِمَنْ نَالَهَا مِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْبَشَرِ فَكَيْفَ مَنْ نَالَهَا مِنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ وَالشَّرَائِعِ فَلْيُحَقِّقْ كُلُّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ أَنَّ الرَّاغِبَ عَنْ مِلَّتِهِ فَهُوَ سَفِيهٌ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ عَظِيمُ الْمَنْزِلَةِ لِيَرْغَبَ فِي مِثْلِ طَرِيقَتِهِ لِيَنَالَ مِثْلَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، وَقِيلَ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، وَإِذَا صَحَّ الْكَلَامُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ كَانَ أَوْلَى، قَالَ الْحَسَنُ: مِنَ الَّذِينَ يَسْتَوْجِبُونَ الْكَرَامَةَ وحسن الثواب على كرم الله تعالى.

[سورة البقرة (2) : آية 131]
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْخَامِسَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَوْضِعُ إِذْ نَصْبٌ وَفِي عَامِلِهِ وَجْهَانِ. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ نُصِبَ بِاصْطَفَيْنَاهُ، أَيِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الِاصْطِفَاءَ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ سَبَبِ الِاصْطِفَاءِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ نَفْسَهُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَضَعَ لَهَا وَانْقَادَ عَلِمَ تَعَالَى مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ عَلَى الْأَوْقَاتِ وَأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُطَهَّرٌ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ اخْتَارَهُ لِلرِّسَالَةِ وَاخْتَصَّهُ بِهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْتَارُ لِلرِّسَالَةِ إِلَّا مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي الْبَدْءِ وَالْعَاقِبَةِ، فَإِسْلَامُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحُسْنُ إِجَابَتِهِ مَنْطُوقٌ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ إِخْبَارٌ عَنِ النَّفْسِ وَقَوْلُهُ: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ إِخْبَارٌ عَنِ الْمُغَايَبَةِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ هذا النظم

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست