responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 63
وَاحِدًا؟ قُلْنَا: هَذَا مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا. الثَّانِي: أَنَّهُ نُصِبَ بِإِضْمَارِ اذْكُرْ كَأَنَّهُ قِيلَ: اذْكُرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْمُصْطَفَى الصَّالِحُ الَّذِي لَا يُرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ مِثْلِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَتَى قَالَ لَهُ أَسْلِمْ؟ وَمَنْشَأُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: أَسْلِمْ فِي زَمَانٍ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا فِيهِ، فَهَلْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرَ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ لِيُقَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَسْلِمْ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى أَمَارَاتِ الْحُدُوثِ فِيهَا، وَإِحَاطَتِهِ بِافْتِقَارِهَا إِلَى مُدَبِّرٍ يُخَالِفُهَا فِي الْجِسْمِيَّةِ وَأَمَارَاتِ الْحُدُوثِ، فَلَمَّا عَرَفَ رَبَّهُ قَالَ لَهُ تَعَالَى: أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَسْلِمْ كَانَ قَبْلَ الِاسْتِدْلَالِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ لَا نَفْسَ الْقَوْلِ بَلْ دَلَالَةَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَذَاهِبِ الْعَرَبِ فِي هَذَا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
امْتَلَأَ الْحَوْضُ وقال قطني ... مهلا رويدا قد ملأت بطني
وَأَصْدَقُ دَلَالَةٍ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ [الرُّومِ: 35] فَجَعَلَ دَلَالَةَ الْبُرْهَانِ كَلَامًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: هَذَا الْأَمْرُ كَانَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَقَوْلُهُ: أَسْلِمْ لَيْسَ الْمُرَادُ/ مِنْهُ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ بَلْ أُمُورٌ أُخَرُ. أَحَدُهَا: الِانْقِيَادُ لِأَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ، وَتَرْكُ الْإِعْرَاضِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [البقرة: 128] . وَثَانِيهَا: قَالَ الْأَصَمُّ: أَسْلِمْ أَيْ أَخْلِصْ عِبَادَتَكَ وَاجْعَلْهَا سَلِيمَةً مِنَ الشِّرْكِ وَمُلَاحَظَةِ الْأَغْيَارِ. وَثَالِثُهَا: اسْتَقِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاثْبُتْ عَلَى التَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [مُحَمَّدٍ: 19] . وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْإِيمَانَ صِفَةُ الْقَلْبِ وَالْإِسْلَامَ صِفَةُ الْجَوَارِحِ، وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَارِفًا بِاللَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَكَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ بِقَوْلِهِ: أَسْلِمْ.

[سورة البقرة (2) : آية 132]
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ السَّادِسُ مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الَّتِي حَكَاهَا اللَّهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَوْصَى بِالْأَلِفِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَاقُونَ بِغَيْرِ أَلِفٍ بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِهِمْ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّ فِي وَصَّى دَلِيلُ مُبَالَغَةٍ وَتَكْثِيرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الضَّمِيرُ فِي بِها إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَعُودُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى قوله: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: 131] عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ وَالْجُمْلَةِ، وَنَحْوُهُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً [الزُّخْرُفِ: 28] إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف: 26، 27] وقوله: كَلِمَةً باقِيَةً دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّأْنِيثَ عَلَى تَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الْمِلَّةِ فِي قوله: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ [البقرة: 130] قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَرَدُّ الْإِضْمَارِ إِلَى الْمُصَرَّحِ بِذِكْرِهِ إِذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إِلَى الْمَدْلُولِ وَالْمَفْهُومِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمِلَّةَ أَجْمَعُ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَا وَصَّى وَلَدَهُ إِلَّا بِمَا يَجْمَعُ فِيهِمُ الْفَلَاحَ وَالْفَوْزَ بِالْآخِرَةِ، وَالشَّهَادَةُ وَحْدَهَا لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست