responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 171
مِنْهُ فِعْلٌ مُتَشَابِهٌ، وَهَذَا هُوَ الْكُرَةُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَلَى صُورَةِ كُرَةٍ، وَتَكُونُ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ الْمُفْتَرَضَةِ فِي تِلْكَ الْكُرَةِ مُتَشَابِهَةً فِي الطَّبْعِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبَسَائِطَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ كُرَاتٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنُّطْفَةِ فِي انْقِلَابِهَا لَحْمًا وَدَمًا وَإِنْسَانًا مِنْ مُدَبِّرٍ وَمُقَدِّرٍ لِأَعْضَائِهَا وَقُوَاهَا وَتَرَاكِيبِهَا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا الصَّانِعُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَثَالِثُهَا: الِاسْتِدْلَالُ بِأَحْوَالِ تَشْرِيحِ أَبْدَانِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْعَجَائِبِ الْوَاقِعَةِ فِي تَرْكِيبِهَا وَتَأْلِيفِهَا، وَإِيرَادُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَالْمُتَعَذِّرِ لِكَثْرَتِهَا، وَاسْتِقْصَاءِ النَّاسِ فِي شَرْحِهَا فِي الْكُتُبِ الْمَعْمُولَةِ فِي هَذَا الْفَنِّ.
وَرَابِعُهَا: مَا
رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ بَصَّرَ بِشَحْمٍ، وَأَسْمَعَ بِعَظْمٍ، وَأَنْطَقَ بِلَحْمٍ،
وَمِنْ عَجَائِبِ الْأَمْرِ/ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ أَنَّ أَهْلَ الطَّبَائِعِ قَالُوا: أَعْلَى الْعَنَاصِرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّارَ، لِأَنَّهَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ، وَأَدْوَنُ مِنْهَا فِي اللَّطَافَةِ الْهَوَاءُ، ثُمَّ الْمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْكُلِّ لِثِقَلِهَا وَكَثَافَتِهَا وَيُبْسِهَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَلَبُوا هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فِي تَرْكِيبِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، لِأَنَّ أَعْلَى الْأَعْضَاءِ مِنْهُ عَظْمُ الْقِحْفِ وَالْعَظْمُ بَارِدٌ يَابِسٌ عَلَى طَبِيعَةِ الْأَرْضِ، وَتَحْتَهُ الدِّمَاغُ وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ عَلَى طَبْعِ الْمَاءِ، وَتَحْتَهُ النَّفَسُ وَهُوَ حَارٌّ رَطْبٌ عَلَى طَبْعِ الْهَوَاءِ، وَتَحْتَ الْكُلِّ: الْقَلْبُ، وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ عَلَى طَبْعِ النَّارِ، فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ قَلْبُ الطَّبَائِعِ يُرَتِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيُرَكِّبُهَا كَيْفَ أَرَادَ.
وَمِمَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ صَانِعٍ يَأْتِي بِنَقْشٍ لَطِيفٍ فَإِنَّهُ يَصُونُهُ عَنِ التُّرَابِ كَيْ لَا يُكَدِّرَهُ وَعَنِ الْمَاءِ كَيْ لَا يَمْحُوَهُ، وَعَنِ الْهَوَاءِ كَيْ لَا يُزِيلَ طَرَاوَتَهُ وَلَطَافَتَهُ، وَعَنِ النَّارِ كَيْلَا تَحْرِقَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَضَعَ نَقْشَ خِلْقَتِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آلِ عِمْرَانَ: 59] وَقَالَ: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الْأَنْبِيَاءِ: 30] وَقَالَ فِي الْهَوَاءِ: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التَّحْرِيمِ: 12] وَقَالَ أَيْضًا: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها [الْمَائِدَةِ: 110] وَقَالَ:
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الْحِجْرِ: 29] وَقَالَ فِي النَّارِ: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ [الرَّحْمَنِ: 15] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُنْعَهُ بِخِلَافِ صُنْعِ كُلِّ أَحَدٍ. وَخَامِسُهَا: انْظُرْ إِلَى الطِّفْلِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنَ الْأُمِّ، فَإِنَّكَ لَوْ وَضَعْتَ عَلَى فَمِهِ وَأَنْفِهِ ثَوْبًا يَقْطَعُ نَفَسَهُ لَمَاتَ فِي الْحَالِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَقِيَ فِي الرَّحِمِ الضَّيِّقِ مُدَّةً مَدِيدَةً، مَعَ تَعَذُّرِ النَّفَسِ هُنَاكَ وَلَمْ يَمُتْ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ يَكُونُ مِنْ أَضْعَفِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْعَدِهَا عَنِ الْفَهْمِ، بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ، وَبَيْنَ الْمُؤْذِي وَالْمُلِذِّ، وَبَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَ غَيْرِهَا، ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ عَنِ الْفَهْمِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهِ أَكْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ وَالْإِدْرَاكِ، لِيَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَطِيَّةِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالطَّبْعِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَذْكَى فِي أَوَّلِ الْخِلْقَةِ، كَانَ أَكْثَرَ فَهْمًا وَقْتَ الِاسْتِكْمَالِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ كَانَ عَلَى الضِّدِّ مِنْهُ، عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ عَطِيَّةِ اللَّهِ الْخَالِقِ الْحَكِيمِ. وَسَادِسُهَا:
اخْتِلَافُ الْأَلْسِنَةِ وَاخْتِلَافُ طَبَائِعِهِمْ، وَاخْتِلَافُ أَمْزِجَتِهِمْ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ ونرى الحيوانات البرية والجبلية، شديدة المتشابهة بَعْضَهَا بِالْبَعْضِ، وَنَرَى النَّاسَ مُخْتَلِفِينَ جِدًّا فِي الصُّورَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاخْتَلَّتِ الْمَعِيشَةُ، وَلَاشْتَبَهَ كُلُّ أَحَدٍ بِأَحَدٍ، فَمَا كَانَ يَتَمَيَّزُ الْبَعْضُ عَنِ الْبَعْضِ، وَفِيهِ فَسَادُ الْمَعِيشَةِ، وَاسْتِقْصَاءُ الْكَلَامِ فِي هَذَا النَّوْعِ لَا مَطْمَعَ فِيهِ لِأَنَّهُ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ.
النَّوْعُ السَّابِعُ مِنَ الدَّلَائِلِ: تَصْرِيفُ الرِّيَاحِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُ التَّصْرِيفَ، وَهُوَ الرِّقَّةُ وَاللَّطَافَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 171
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست