responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 170
الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِ الْجِسْمِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُنَا مَعَ إِمْكَانِ هَذَا الْقِسْمِ أَنْ نَقْطَعَ بِمَا قَالُوهُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الْجَاثِيَةِ: 5] فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ مِنْ جِهَاتٍ. أَحَدُهَا: ظُهُورُ النَّبَاتِ الَّذِي هُوَ الْكَلَأُ وَالْعُشْبُ وَمَا شَاكَلَهُمَا، مِمَّا لَوْلَاهُ لَمَا عَاشَتْ دَوَابُّ الْأَرْضِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمَا حَصَلَتِ الْأَقْوَاتُ لِلْعِبَادِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى يُنْبِتُ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْحَيَوَانَاتِ، بِقَوْلِهِ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هُودٍ: 6] . وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِ مِنَ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَمَا يَصْلُحُ لِلْمَلَابِسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ. وَخَامِسُهَا: يَحْصُلُ لِلْأَرْضِ بِسَبَبِ النَّبَاتِ حُسْنٌ وَنَضْرَةٌ وَرِوَاءٌ وَرَوْنَقٌ فَذَلِكَ هُوَ الْحَيَاةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِالْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَجَازٌ، لِأَنَّ الْحَيَاةَ لا تصح إلى عَلَى مَنْ يُدْرِكُ وَيَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ، وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ، إِلَّا أَنَّ الْجِسْمَ إِذَا صَارَ حَيًّا حَصَلَ فِيهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْحَسَنِ وَالنَّضْرَةِ وَالْبَهَاءِ، وَالنُّشُورِ وَالنَّمَاءِ، فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْحَيَاةِ عَلَى حُصُولِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ الَّذِي عَلَى اخْتِصَارِهِ يَجْمَعُ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا يَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا: نَفْسُ الزَّرْعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَقْدُورِ أَحَدٍ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَيْهِ. وَثَانِيهَا: اخْتِلَافُ أَلْوَانِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَكَادُ يُحَدُّ وَيُحْصَى. وَثَالِثُهَا:
اخْتِلَافُ طُعُومِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ. وَرَابِعُهَا: اسْتِمْرَارُ الْعَادَاتِ بِظُهُورِ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتِهَا الْمَخْصُوصَةِ.
النَّوْعُ السَّادِسُ مِنَ الْآيَاتِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ [الْبَقَرَةِ: 164] وَنَظِيرُهُ جَمِيعُ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، كَقَوْلِهِ: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً [النِّسَاءِ: 1] .
وَاعْلَمْ أَنَّ حُدُوثَ الْحَيَوَانَاتِ قَدْ يَكُونُ بِالتَّوْلِيدِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّوَالُدِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُدَّ فِيهِمَا مِنَ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ فَلْنُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي النَّاسِ ثُمَّ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ.
أَمَّا الْإِنْسَانُ فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى افْتِقَارِهِ فِي حُدُوثِهِ إِلَى الصَّانِعِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: يُرْوَى أَنَّ وَاحِدًا قَالَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْ أَمْرِ الشِّطْرَنْجِ، فَإِنَّ رُقْعَتَهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ، وَلَوْ لَعِبَ الْإِنْسَانُ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَّفِقُ مَرَّتَانِ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخطاب هاهنا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّ مِقْدَارَ الْوَجْهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ، ثُمَّ إِنَّ مَوْضِعَ الْأَعْضَاءِ الَّتِي فِيهَا كَالْحَاجِبَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ، لَا يَتَغَيَّرُ الْبَتَّةَ ثُمَّ إِنَّكَ لَا تَرَى شَخْصَيْنِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ يَشْتَبِهَانِ، فَمَا أَعْظَمَ تِلْكَ الْقُدْرَةَ وَالْحِكْمَةَ الَّتِي أَظْهَرَتْ فِي هَذِهِ الرُّقْعَةِ الصَّغِيرَةِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ مُتَوَلِّدٌ مِنَ النُّطْفَةِ، فَالْمُؤَثِّرُ فِي تَصْوِيرِ النُّطْفَةِ وَتَشْكِيلِهَا قُوَّةٌ مَوْجُودَةٌ فِي النُّطْفَةِ أَوْ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهَا فَإِنْ كَانَتِ الْقُوَّةُ الْمُصَوَّرَةُ فِيهَا، فَتِلْكَ الْقُوَّةُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا شُعُورٌ وَإِدْرَاكٌ وَعِلْمٌ وَحِكْمَةٌ حَتَّى تَمَكَّنَتْ مِنْ هَذَا التَّصْوِيرِ الْعَجِيبِ، وَأَمَّا أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الْقُوَّةُ كَذَلِكَ، بَلْ يَكُونُ تَأْثِيرُهَا بِمُجَرَّدِ الطَّبْعِ وَالْعِلِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حَالَ اسْتِكْمَالِهِ أَكْثَرُ عِلْمًا وَقُدْرَةً، ثُمَّ إِنَّهُ حَالَ كَمَالِهِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُغِيِّرَ شَعْرَةً عَنْ كَيْفِيَّتِهَا لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَحَالُ مَا كَانَ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ كَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقُوَّةُ مُؤَثِّرَةً بِالطَّبْعِ، فَهَذَا الْمَعْنَى إِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا مُتَشَابِهَ الْأَجْزَاءِ فِي نَفْسِهِ، أَوْ يَكُونَ مُخْتَلِفَ الْأَجْزَاءِ، فَإِنْ كَانَ مُتَشَابِهَ الْأَجْزَاءِ فَالْقُوَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ إِذَا عَمِلَتْ فِي الْمَادَّةِ الْبَسِيطَةِ، لَا بُدَّ وَأَنْ يَصْدُرَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 4  صفحه : 170
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست