responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 239
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ مِنْ قَبْلِكُمْ فِيهِ وَجْهَانِ: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِوَصَّيْنَا، يَعْنِي وَلَقَدْ وَصَّيْنَا مَنْ قَبْلَكُمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِأُوتُوا، يَعْنِي الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَصَّيْنَاهُمْ بِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْعَطْفِ عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْكِتَابُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ يَتَنَاوَلُ الْكُتُبَ السَّمَاوِيَّةَ، وَالْمُرَادُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ كَقَوْلِكَ: أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ أَوْصَيْتُكَ أَنِ افْعَلْ كَذَا وَأَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَيُقَالُ: أَلَمْ آمُرْكَ أَنِ ائْتِ زَيْدًا، وَأَنْ تَأْتِيَ زَيْدًا، قَالَ تَعَالَى: أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ [الْأَنْعَامِ: 14] وَقَالَ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ [النَّمْلِ: 91] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً قَوْلُهُ وَإِنْ تَكْفُرُوا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ اتَّقُوا اللَّهَ وَالْمَعْنَى: أَمَرْنَاهُمْ وَأَمَرْنَاكُمْ بِالتَّقْوَى، وَقُلْنَا لَهُمْ وَلَكُمْ: إِنْ تَكْفُرُوا فإن للَّه ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ. وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَالْمُنْعِمُ عَلَيْهِمْ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ كُلِّهَا، فَحَقُّ كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ مُنْقَادًا لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ يَرْجُو ثَوَابَهُ وَيَخَافُ عِقَابَهُ، وَالثَّانِي: أَنَّكُمْ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ للَّه مَا فِي سَمَاوَاتِهِ وَمَا فِي أَرْضِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ يَعْبُدُهُ وَيَتَّقِيهِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَنِيًّا عَنْ خَلْقِهِمْ وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ، وَمُسْتَحِقًّا لِأَنْ يُحْمَدَ لِكَثْرَةِ نِعَمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَهُوَ فِي ذَاتِهِ مَحْمُودٌ سَوَاءٌ حَمِدُوهُ أَوْ لَمْ يَحْمَدُوهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا.
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي تَكْرِيرِ قَوْلُهُ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.
قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِتَقْرِيرِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: فَأَوَّلُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:
وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء: 130] وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَوْنُهُ تَعَالَى جَوَادًا مُتَفَضِّلًا، فَذَكَرَ عَقِيبَهُ قَوْلَهُ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَالْغَرَضُ تَقْرِيرُ كَوْنِهِ وَاسِعَ الْجُودِ وَالْكَرَمِ، وَثَانِيهَا: / قَالَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ طَاعَاتِ الْمُطِيعِينَ وَعَنْ ذُنُوبِ الْمُذْنِبِينَ، فَلَا يَزْدَادُ جَلَالُهُ بِالطَّاعَاتِ، وَلَا يَنْقُصُ بِالْمَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ، فَذَكَرَ عَقِيبَهُ قَوْلَهُ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَقْرِيرُ كَوْنِهِ غَنِيًّا لِذَاتِهِ عَنِ الْكُلِّ، وَثَالِثُهَا: قَالَ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْإِفْنَاءِ وَالْإِيجَادِ، فَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِعْدَامِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، وَعَلَى أَنْ يُوجِدَ قَوْمًا آخَرِينَ يَشْتَغِلُونَ بِعُبُودِيَّتِهِ وتعظيمه، فالغرض هاهنا تَقْدِيرُ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ، وَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ الْوَاحِدُ دَلِيلًا عَلَى مَدْلُولَاتٍ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَحْسُنُ ذِكْرُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَحَدِ تِلْكَ الْمَدْلُولَاتِ، ثُمَّ يَذْكُرُهُ مَرَّةً أُخْرَى لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَذْكُرُهُ ثَالِثًا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ الثَّالِثِ، وَهَذِهِ الْإِعَادَةُ أَحْسَنُ وَأَوْلَى مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الدَّلِيلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لِأَنَّ عِنْدَ إِعَادَةِ ذِكْرِ الدَّلِيلِ يَخْطُرُ فِي الذِّهْنِ مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمَدْلُولِ، فَكَانَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ الْمَدْلُولِ أَقْوَى وَأَجْلَى، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا التَّكْرِيرَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ.
وَأَيْضًا فَإِذَا أَعَدْتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفَرَّعْتَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إِثْبَاتَ صِفَةٍ أُخْرَى مِنْ صِفَاتِ جَلَالِ اللَّه تَنَبَّهَ الذهن حينئذ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست