responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 240
لكون تخليق السموات وَالْأَرْضِ دَالًّا عَلَى أَسْرَارٍ شَرِيفَةٍ وَمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجْتَهِدُ الْإِنْسَانُ فِي التَّفَكُّرِ فِيهَا وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِهَا وَصِفَاتِهَا عَلَى صِفَاتِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَمَّا كَانَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ صَرْفَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ اللَّه إِلَى الِاسْتِغْرَاقِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّه، وَكَانَ هَذَا التَّكْرِيرُ مِمَّا يُفِيدُ حُصُولَ هَذَا الْمَطْلُوبِ وَيُؤَكِّدُهُ، لَا جَرَمَ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْكَمَالِ. وَقَوْلُهُ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِالْقُدْرَةِ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ، فَإِنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ لَوْ كَانَتْ حَادِثَةً لَافْتَقَرَ حُدُوثُ تِلْكَ الْقُدْرَةِ إِلَى قُدْرَةٍ أُخْرَى وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بِجِهَادِهِمُ الْغَنِيمَةَ فَقَطْ مُخْطِئُونَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَ اللَّه ثَوَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلِمَ اكْتَفَى بِطَلَبِ ثَوَابِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ كَالْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ كَانَ عَاقِلًا لَطَلَبَ ثَوَابَ الْآخِرَةِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ وَيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ دَخَلَ الْفَاءُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ وَعِنْدَهُ تَعَالَى ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ سَوَاءٌ حَصَلَتْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ؟
قُلْنَا: تَقْرِيرُ الْكَلَامِ: فَعِنْدَ اللَّه ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَهُ إِنْ أَرَادَهُ اللَّه تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ.
ثُمَّ قَالَ: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً يَعْنِي يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَطْلُبُونَ مِنَ الْجِهَادِ سِوَى الْغَنِيمَةِ وَيَرَى أَنَّهُمْ لَا يَسْعَوْنَ فِي الْجِهَادِ وَلَا يَجْتَهِدُونَ فِيهِ إِلَّا عِنْدَ تَوَقُّعِ الْفَوْزِ بِالْغَنِيمَةِ، وَهَذَا كَالزَّجْرِ مِنْهُ تَعَالَى لهم عن هذه الأعمال.

[سورة النساء (4) : آية 135]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135)
[في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي اتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ النِّسَاءِ وَالنُّشُوزِ وَالْمُصَالَحَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْأَزْوَاجِ عَقَّبَهُ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ بِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّه تَعَالَى وَبِالشَّهَادَةِ لِإِحْيَاءِ حُقُوقِ اللَّه، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ:
إِنِ اشْتَغَلْتَ بِتَحْصِيلِ مُشْتَهَيَاتِكَ كُنْتَ لِنَفْسِكَ لَا للَّه، وَإِنِ اشْتَغَلْتَ بِتَحْصِيلِ مَأْمُورَاتِ اللَّه كُنْتَ للَّه لَا لِنَفْسِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَأْكِيدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّكَالِيفِ. الثَّانِي: أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا مَنَعَ النَّاسَ عَنْ أَنْ يُقَصِّرُوا عَنْ طَلَبِ ثَوَابِ الدُّنْيَا وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا طَالِبِينَ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ ذَكَرَ عَقِيبَهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَبَيَّنَ أَنَّ كَمَالَ سَعَادَةِ الْإِنْسَانِ فِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ للَّه وَفِعْلُهُ للَّه وَحَرَكَتُهُ للَّه وَسُكُونُهُ للَّه حَتَّى يَصِيرَ مِنَ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي آخِرِ مَرَاتِبِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَأَوَّلِ مَرَاتِبِ الْمَلَائِكَةِ، فَأَمَّا إِذَا عَكَسَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ كَانَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مُنْتَهَى أَمْرِهَا وِجْدَانُ عَلَفٍ، أَوِ السَّبُعِ الَّذِي غَايَةُ أَمْرِهِ إِيذَاءُ حَيَوَانٍ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَمْرُ النَّاسِ بِالْقِسْطِ كَمَا قَالَ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى [النساء: 3] وأمرهم بالإشهاد عن دَفْعِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَهُمْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست