responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 198
اللَّه تَعَالَى أَجْرَاهَا فِي حَقِّ خَلْقِهِ. الثَّالِثُ: لَوْ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى عَفُوٌّ غَفُورٌ كَانَ هَذَا إِخْبَارًا عَنْ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَقَطْ، وَلَمَّا قَالَ إِنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا إِخْبَارًا وَقَعَ مُخْبِرُهُ عَلَى وَفْقِهِ فَكَانَ ذَلِكَ أَدَلَّ عَلَى كَوْنِهِ صِدْقًا وَحَقًّا وَمُبَرَّأً عَنِ الْخُلْفِ وَالْكَذِبِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ قَبْلَ التَّوْبَةِ فإنه لو لم يحصل هاهنا شَيْءٌ مِنَ الذَّنْبِ لَامْتَنَعَ حُصُولُ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ فِيهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ دَلَّ عَلَى حُصُولِ الذَّنْبِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ بِالْعَفْوِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالِ التَّوْبَةِ فَيَدُلُّ عَلَى ما ذكرناه.

[سورة النساء (4) : آية 100]
وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100)
وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَانِعَ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي وَطَنِهِ نَوْعُ رَاحَةٍ وَرَفَاهِيَةٍ، فَيَقُولُ لَوْ فَارَقْتُ الْوَطَنَ وَقَعْتُ فِي الشِّدَّةِ وَالْمَشَقَّةِ وَضِيقِ الْعَيْشِ، فَأَجَابَ اللَّه عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً يُقَالُ: رَاغَمْتُ الرَّجُلَ إِذَا فَعَلْتَ مَا يَكْرَهُهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: رَغْمَ أَنْفِهِ، يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ/ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَنْفَ عُضْوٌ فِي غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالتُّرَابُ فِي غَايَةِ الذِّلَّةِ، فَجَعَلُوا قَوْلَهُمْ: رَغْمَ أَنْفِهِ كِنَايَةً عَنِ الذُّلِّ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْمُرَاغَمَةَ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ فَارَقُوا وَخَرَجُوا عَنْ دِيَارِهِمْ.
وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّه إِلَى بَلَدٍ آخَرَ يَجِدْ فِي أَرْضِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِرَغْمِ أَنْفِ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي بَلْدَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فارق وذهب إلى بلدة أجنبية فإذا اسْتَقَامَ أَمْرُهُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَوَصَلَ ذَلِكَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ بَلْدَتِهِ خَجِلُوا مِنْ سُوءِ مُعَامَلَتِهِمْ مَعَهُ، وَرَغِمَتْ أُنُوفُهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا قَالُوهُ واللَّه أَعْلَمُ. وَالْحَاصِلُ كَأَنَّهُ قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كُنْتَ إِنَّمَا تَكْرَهُ الْهِجْرَةَ عَنْ وَطَنِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَقَعَ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمِحْنَةِ فِي السَّفَرِ، فَلَا تَخَفْ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُعْطِيكَ مِنَ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ وَالْمَرَاتِبِ الْعَظِيمَةِ فِي مُهَاجَرَتِكَ مَا يَصِيرُ سَبَبًا لِرَغْمِ أُنُوفِ أَعْدَائِكَ، وَيَكُونُ سَبَبًا لِسَعَةِ عَيْشِكَ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي الْآيَةِ ذِكْرَ رَغْمِ الْأَعْدَاءِ عَلَى ذِكْرِ سَعَةِ الْعَيْشِ لِأَنَّ ابْتِهَاجَ الْإِنْسَانِ الَّذِي يُهَاجِرُ عَنْ أَهْلِهِ وَبَلَدِهِ بِسَبَبِ شِدَّةِ ظُلْمِهِمْ عَلَيْهِ بِدَوْلَتِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَصِيرُ سَبَبًا لِرَغْمِ أُنُوفِ الْأَعْدَاءِ، أَشَدُّ مِنَ ابْتِهَاجِهِ بِتِلْكَ الدَّوْلَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا صَارَتْ سَبَبًا لِسَعَةِ الْعَيْشِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَانِعُ الثَّانِي: مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْمُهَاجَرَةِ فَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ: إِنْ خَرَجْتُ عَنْ بَلَدِي فِي طَلَبِ هَذَا الْغَرَضِ، فَرُبَّمَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ وَرُبَّمَا لَمْ أَصِلْ إِلَيْهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا أُضَيِّعَ الرَّفَاهِيَةَ الحاضرة بسبب طلب شيء ربما أَصِلُ إِلَيْهِ، وَرُبَّمَا لَا أَصِلُ إِلَيْهِ، فَأَجَابَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَالْمَعْنَى ظَاهِرٌ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُهُمْ:
الْمُرَادُ مَنْ قَصَدَ طَاعَةَ اللَّه ثُمَّ عَجَزَ عَنْ إِتْمَامِهَا، كَتَبَ اللَّه لَهُ ثَوَابَ تَمَامِ تِلْكَ الطَّاعَةِ: كَالْمَرِيضِ يَعْجِزُ عَمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم.
وقال آخَرُونَ: ثَبَتَ لَهُ أَجْرُ قَصْدِهِ وَأَجْرُ الْقَدْرِ الَّذِي أَتَى بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَأَمَّا أَجْرُ تَمَامِ الْعَمَلِ فَذَلِكَ مُحَالٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ هذه الآية هاهنا فِي مَعْرِضِ التَّرْغِيبِ فِي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 198
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست