responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 197
ثُمَّ اسْتَثْنَى تَعَالَى فَقَالَ: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْمَعْنَى لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حِيلَةٍ وَلَا نَفَقَةٍ، أَوْ كَانَ بِهِمْ مَرَضٌ، أَوْ كَانُوا تَحْتَ قَهْرِ قَاهِرٍ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تِلْكَ الْمُهَاجَرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أَيْ لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ وَلَا يَجِدُونَ مَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ.
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى مُسْلِمِي مَكَّةَ فَقَالَ جُنْدَبُ بْنُ ضَمْرَةَ لِبَنِيهِ: احْمِلُونِي فَإِنِّي لَسْتُ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَا أَنِّي لَا أَهْتَدِي الطَّرِيقَ، واللَّه لَا أَبِيتُ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ، فَحَمَلُوهُ عَلَى سَرِيرٍ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَدْخَلَ الْوِلْدَانِ فِي جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعِيدِ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ؟
قُلْنَا: سُقُوطُ الْوَعِيدِ إِذَا كَانَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ، وَالْعَجْزُ تَارَةً يَحْصُلُ بِسَبَبِ عَدَمِ الْأُهْبَةِ وَتَارَةً بِسَبَبِ الصِّبَا، فَلَا جَرَمَ حَسُنَ هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِالْوِلْدَانِ الْأَطْفَالُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْمُرَاهِقُونَ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَمُلَتْ عُقُولُهُمْ لِتَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّه تَعَالَى، وَإِنْ أُرِيدَ الْعَبِيدُ وَالْإِمَاءُ الْبَالِغُونَ فَلَا سُؤَالَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَفِيهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا كَانُوا عَاجِزِينَ عَنِ الْهِجْرَةِ، وَالْعَاجِزُ عَنِ الشَّيْءِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ عُقُوبَةٌ، فَلِمَ قَالَ:
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَالْعَفْوُ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا مَعَ الذَّنْبِ، وَأَيْضًا (عَسَى) كَلِمَةُ الْإِطْمَاعِ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْقَطْعِ بِحُصُولِ الْعَفْوِ فِي حَقِّهِمْ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُسْتَضْعَفَ قَدْ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ مَعَ ضَرْبٍ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَتَمْيِيزُ الضَّعْفِ الَّذِي يَحْصُلُ عِنْدَهُ الرُّخْصَةُ عَنِ الْحَدِّ الَّذِي لَا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الرُّخْصَةُ شَاقٌّ وَمُشْتَبَهٌ، فَرُبَّمَا ظَنَّ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْمُهَاجَرَةِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْهِجْرَةِ عَنِ الْوَطَنِ فَإِنَّهَا شَاقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ، وَبِسَبَبِ شِدَّةِ النَّفْرَةِ قَدْ يَظُنُّ الْإِنْسَانُ كَوْنَهُ عَاجِزًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْعَفْوِ شَدِيدَةً فِي هَذَا الْمَقَامِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي ذكر لفظة عَسَى هاهنا؟ فَنَقُولُ: الْفَائِدَةُ فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْهِجْرَةِ أَمْرٌ مُضَيَّقٌ لَا تَوْسِعَةَ فِيهِ، حَتَّى أَنَّ الْمُضْطَرَّ الْبَيِّنَ الِاضْطِرَارِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُولَ: عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُوَ عَنِّي، فَكَيْفَ الْحَالُ فِي غَيْرِهِ. هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ، إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لِشِدَّةِ نَفْرَتِهِ عَنْ مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ رُبَّمَا ظَنَّ نَفْسَهُ عَاجِزًا عَنْهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ الْعَفْوَ بِكَلِمَةِ عَسَى لَا بِالْكَلِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقَطْعِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً ذَكَرَ الزَّجَّاجُ فِي كانَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ: كَانَ قَبْلَ أَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ كانَ مَعَ أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ عَادَةُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 197
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست