فلهذا حملنا قوله على معنى دون غيرك ولما رأيناه واظب على التهجد ولم يتركه حملناه على أنه كان مفروضاً عليه، وحملنا نافلة على معنى أنها فريضة زائدة فوق الصلوات الخمس، فيقول المخالفون في هذا إنكم حملتم النافلة على الفريضة، وهذا خلاف أصل معناها الذي هو التطوع. وأما ما ذكرتم من خصوص الجزاء به فإنا نقول أن الخطاب موجه له في الأول وفي الآخر، ففي الأول لما لم يعارضنا معارض ألحقنا به أمته، وفي الثاني لما منعنا مانع وهو اختصاصه بالمقام المحمود لم نلحقهم به، وبقي الجزاء مساوياً للعمل في صورة اللفظ حيث كان كل منهما موجهاً إليه، وإذا تأملت في هذا البحث الذي سقناه أدركت أن القول بعدم الخصوصية هو الراجح، فالآية حثٌّ وترغيب على قيام الليل للعموم ووعد له- صلى الله عليه وآله وسلم- بالمقام المحمود.
المسألة الثالثة: ما هو المقام المحمود (هو مقامه - صلى الله عليه وسلم - للشفاعة العظمى) يشفع للخلائق وقد جهدوا من كرب الموقف فجاءوا إلى كبراء الرسل عليهم الصلاة والسلام يسألونهم أن يشفعوا لهم إلى ربهم ليفصل القضاء ويريحهم من كرب الموقف فيتدافع الشفاعة أولئك الرسل صلوات الله عليهم ويتنصلون منها بأعذار رهيبة للرب جلّ جلاله حتى ينتهوا إليه - صلى الله عليه وسلم - فيتقدم فيشفع ويسأل فيعطى، كما جاء هذا كله مفصلاً في الأحاديث الصحيحة المستفيضة. فبحمده الخلق كلهم لما يرون من فضله عند ربه ولما وصل إليهم من الخير المطلوب بسببه.
إختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بالمقام المحمود ودليله:
ثم له - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الشفاعة العظمى شفاعات أخرى بينتها صحاح الأحاديث، ولعموم فضل هذه الشفاعة العظمى