إلى هذا جماعة كثيرة من أهل العلم سلفاً وخلفاً، ويرد عليه أن توجيه الخطاب إليه لا يقتضي تخصيص الحكم به كما في آية: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وآيات كثيرة، ولأن قيام الليل يقع من غيره فيسمى نافلة اتفاقاً، ولحديث عائشة - رضي الله عنها -: ((إن- الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة- تعني سورة المزمل- وهي مكية {قُمِ اللَّيْلَ} فقام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه حولاً وأمسك الله خاتمتها إثني عشر شهراً، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيامه تطوعاً بعد فرضه)). رواه مسلم. فهذا يدل على أنهم فهموا أن الأمر من قوله تعالى (قُمِ) لهم معه، مع أنه موجه إليه بخطاب الإفراد، وأنه كان فرضاً عليه وعلى الناس فصار تطوعاً عليه وعلى الناس، ولحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين وغيرهما ((قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تورمت قدماه - وهذا لمداومته على القيام كل ليلة ببضع عشر ركعة- فقيل له قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبداً شكوراً (1) فلو كانوا يعلمون أن قيام الليل واجب عليه ويفهمونه من القرآن لما أنكروا مشفقين عليه أن يقوم بما هو واجب عليه، ولأن قوله: (أفلا أكون عبداً شكوراً) يفيد أنه متطوع بهذا القيام باختيار ليؤدي شكر نعمة ربه عليه، فإن قيل إن السؤال والجواب راجعان إلى تورم قدميه، وذلك ناشيء على المداومة قيل إذا أنكر الشيء الناشيء عن المداومة فقد أنكرت المداومة، والمداومة على الفرض لا تنكر، فبقي الدليل سالماً، ولهذا كله قال هؤلاء الموردون أن قيام الليل تطوع ونفل في حقه وفي حق أمته، وبقي للأولين أن يقولوا أن قوله تعالى {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} خاص به- صلى الله عليه وآله وسلم- اتفاقاً، وقد جعل جزاء لتهجده بالليل، ولما كان الجزاء خاصاً به فالعمل المجزى عنه خاص به،