نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 955
ـ[أم محمد]ــــــــ[31 - 07 - 2011, 04:32 م]ـ
[الحَلْقة الخامسة عشرة -والأخيرة-]
إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:
فإنَّ أصدقَ الحَديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ، أما بعدُ:
فهذا لقاؤنا الأخير -في هذه السلسلة المبارَكة -إن شاءَ اللهُ- في أحكام الصِّيام وفِقه الصِّيام، والَّتِي تناولنا فيها أطرافًا شتَّى مِن مسائل هذه الفَريضَة المهمَّة -في هذا الشَّهر العظيم-.
ولَئن كُنَّا أخذنا على أنفسِنا الاختصارَ والتَّرجيحَ -حسب الدَّليل-؛ لكنَّ القولَ في مسائل الصِّيام لو أردنا أن نَتناولَه بالتَّفصيلِ، وبالشَّرحِ، وبالمناقشة، وبالتَّعليق والتَّعليلِ، والأخذِ والرَّدِّ؛ لأخذ ذلِك جانبًا كَبيرًا من الوقت؛ لكن فيما ذكرنا كفاية -إن شاءَ اللهُ-.
ذكرنا موضوع (القَضاء)، وقلنا بقيتْ أحكام.
الحُكم المتَعلِّق -وهو دقيقٌ في موضوعِ القَضاء-: ما ورد عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- مِن قولِه: «مَن ماتَ وعَليهِ صَومٌ صامَ عنهُ وَليُّهُ».
هذا الحَديثُ مَرويٌّ عن السَّيِّدة عائِشَة -رضيَ اللهُ عنهَا- في «الصَّحيحَيْن»، وهنالك حديث آخر عن ابن عبَّاس -أيضًا في «الصَّحيحَيْن» - أنه -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: جاء رجلٌ إلى النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، قَالَ: يا رسولَ اللهِ! إنَّ أمي ماتتْ وعَليها صَومُ شهرٍ؛ فأقضِيهِ عنهَا؟ قَالَ: «نعم، فَدَيْنُ اللهِ أحقُّ أن يُقضَى».
اختلف أهل العِلم في هذين الحَديثَين:
هل المَقصُود بـ (مَن كان عَليهِ صَوم) أيُّ صومٍ -سواء كان صوم رَمضان أم غيره-؟ أم المَقصُود هو صوم النَّذر الذي يُلزِم الإنسَان به نفسَه؟
اختلفَ أهلُ العِلم في ذلِك؛ ولكنَّ الرَّاجح ما تُبيِّنُه الأحاديثُ الأخرى.
فعن عائِشَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهَا-وهي راوية الحَديثِ الأوَّل-: عن عَمْرَةَ، سألت عَمرة عائِشَة: أن أمَّها ماتت وعَليها مِن رَمضان؛ يعني: هُنالِك أيَّام من رَمضان لم تَصُمْها؛ فقَالَ لعائِشَة: أَقضِيهِ عنهَا؟ تَقضي هذه الأيَّام عنهَا لأنَّ أمَّها ماتتْ قبل القَضاء؟ قَالَت: (لا؛ بل تصدَّقي عنهَا مكانَ كلِّ يومٍ نِصْفَ صاعٍ على كلِّ مِسكين)؛ يعني: ما يُشبع المسكين؛ كل يومٍ أفطرتْ فتَفدِي عنهَا هذه الفِدية.
إذًا: لم تأمرها السَّيِّدة عائِشَة بالقَضاء؛ أي أن تقضي عنهَا.
فهذا تفسير من راوية الحَديثِ -رضيَ اللهُ عنهَا-نفسِها-وهي أم المؤمنين عائِشَة-، ومن قواعد أهل العِلم المقرَّرة عندهم: أن الرَّاوي أدرى بِمَرْوِيِّه. فكيف إذا عرفنا أنه قد صحَّ عن ابن عبَّاس -رضيَ اللهُ عنهُ- كما رواه أبو داود أنه قَالَ: (إذا مَرض الرَّجل في رَمضان ثم مات ولم يَصُم؛ أُطعِم عنهُ ولم يَكن عَليهِ قضاء، وإن كان عَليهِ نذرٌ؛ قَضى عنهُ وليُّه).
إذًا: هذا هو التَّفصيل المهمُّ.
إذا كان هذا الصِّيام صِيامَ نَذْر؛ يقضيه عنهُ وليُّه. إذا كان هذا الصِّيام صِيام رَمضان؛ كما قَالَت عائِشَة -رضيَ اللهُ عنهَا-: (يُطعِمُ عن كلِّ يومٍ مِسكينًا).
وقَالَ ابن عبَّاس -أيضًا-: (لا يَصومَنَّ أحدٌ عن أحدٍ، ولا يُصلِّيَنَّ أحدٌ عن أحدٍ)، وإن كان هُنالِك إجماع بين أهل العِلم أن الصَّلاة لا يصلِّيها أحدٌ عن أحد؛ لكن اختلفوا في الصِّيام، والرَّاجح ما ذكرناه.
والإِمام أحمد -رَحِمهُ اللهُ- سألهُ تِلميذه الإِمامُ أبو داود في «سُؤالاتِه» قَالَ: (سمعتُ أحمدَ بن حنبل قَالَ: لا يُصامُ عن الميِّت إلا في النَّذرِ)، قَالَ أبو داود: (قُلتُ لأحمد: فشَهرُ رَمضان؟ قَالَ: يُطعم عنهُ).
إذًا: التَّفصيلُ هو الأصْل في هذا الموضوع.
الآن: لو أن أحدًا مِن النَّاس مات وعَليهِ صِيام نَذْرٍ، وصام عنهُ رِجالٌ بِعددِ الأيَّام؛ فهذا يَجوز.
لو أن أحدًا -مثلًا- نذَرَ ثلاثة أيَّام، ثم مات، وجاءَ ثلاثة مِن أبنائِه فصام كلُّ واحدٍ منهم عنهُ يومًا؛ أيضًا هذا يَجوز.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 955