responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 954
وأنت -أيُّها الصَّائم الذي دَعاك أخوكَ- إذا أفطَرتَ عند الدَّاعي لكَ؛ يُسَنُّ لك أن تدعوَ له؛ فالنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- علَّمنا دعاءً أننا إذا طعِمنا عند أحدٍ مِن النَّاس طعامًا -سواء كان طعام إِفطارٍ أو غير إفطار- أن نقولَ: «أكلَ طعامَكُم الأبرارُ، وأفطَر عِندكُمُ الصَّائِمون، وصلَّت عَليكُم المَلائِكة».

وفي حديث آخَر: علَّمنا رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أن نقول: «اللَّهمَّ! اغفِرْ لهم، وارحَمْهُم، وبارِك لهم فيما رَزَقتَهُم».

الرِّوايَة الأولى فيها تَنبيهٌ «أكلَ طعامَكُم الأبرارُ، وأفطَر عِندكُمُ الصَّائِمون، وصلَّت عَليكُم المَلائِكة»: بعض النَّاس يَزيد: «وذَكَرَكُم اللهُ فيمَن عندَه» هذه الزياة لا تصحُّ -أصلًا- في هذا الحَديثِ؛ بل لم تَرِد مُطلقًا؛ وإنما وردت في حديثٍ آخر ليس له علاقَة ولا أدنى صلةٍ بهذا الحَديثِ.

إذًا: السُّنَّة في ذلِك أن تُجازي أخاك الدَّاعي لك بهذه الدَّعوة الطَّيِّبة الَّتِي يَكتب الله -عزَّ وجلَّ- لك فيها الأجر.

هنا -أيضًا- أمرٌ مُهمٌّ جدًّا، وهو متَعلِّق بموضوع الصِّيام والإفطار، وهي متَعلِّقة بالقَضاء:

ذكرنا مَن أفطر لعُذرٍ شرعيٍّ؛ فهذا الذي أفطر لعُذرٍ شرعيٍّ عَليهِ القَضاء، حتى الذي تعمَّد الفِطرَ ونقْضَ الصِّيام؛ هذا آثِم؛ لكن عَليهِ القَضاء.

بعض أهلِ العِلمِ يقول: يأثم ومِن شدة إثمِه لا نَأمرُه بالقَضاء.

لكن -الحقيقة- أن الرَّاجح عندي -والله-تَعالَى-أعلم-: أن من تعمَّد الفِطر يأثمُ، ويُلزَمُ بالقَضاء؛ كما مرَّ بنا في حديث: «مَن ذَرَعَهُ القَيءُ فليس عَليهِ قضاء، ومَن استقاءَ فَلْيَقْضِ»؛ هذا تعمَّد، إذًا: سواء تعمَّد الفِطر بأنه تعمَّد القيءَ، أو تعمَّد الأكل، أو تعمَّد أن يأتيَ أهلَه -كما في الحَديثِ الآخَر: (أمره بصيام شهرَين مُتتاليين)، وفي رواية: (وليقض يومًا مكانَه).

إذًا: المُفَطِّرات واحدة؛ لكن التَّعمُّد فيه إثم، ويَعظمُ الإثم بِعِظمِ الذَّنب، وأمَّا غيرُ التَّعمُّد وهو العُذر، أو الإفطار بسبب عُذر؛ فهذا عَليهِ القَضاء.

أول نقطة في أحكام القَضاء نذكُرها: ما يتعلَّق بالمبادرةِ؛ فالأصْل: المبادرة بالقَضاء.

كَثِير من النِّساء -وللأسف- تُؤخِّر قضاءَها -عن حيضٍ، أو نفاسٍ- إلى شعبان! وبَعضُهنَّ إلى النِّصفِ الأخير مِن شعبان! هذا مخالف لعموم النُّصوص القُرآنيَّة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، وفي مِثل قولهِ -تعالى-: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 61]، {سَابِقُوا} [الحديد: 21]؛ كل هذا يُبيِّن أنَّنا ينبغي علينا أن نستعجِل.

لكنْ: بعضُ النَّاس قد يكون عنده عُذر؛ فهذا العُذر لو أخَّر بسبب عُذرِه أرجو أن لا بَأس -إن شاءَ اللهُ-تَعالَى-.

لكن: إذا كان غيرَ مَعذورٍ، ثم تَهاوَن في قضائِه حتى يأتي رَمضان الآخَر، ثمَّ أراد أن يقضيَ بعد ذلِك؛ فقد نقلَ الإِمامُ ابنُ قدامةَ في «المُغني» عن الصَّحابَة -رضيَ اللهُ عنهُم-: أنهم كانوا يُلزِمون مَن فعل ذلِك -مُتهاونًا، مُتساهِلًا- بالقَضاء، والكفَّارة (الفدية)؛ فإذا أفطرَ ثلاثة أيَّام يَصومُ ثلاثة أيَّامٍ ويُطعِمُ ثلاثةَ مَساكين. إذا عشرة أيَّام يَصوم عشرة أيَّام مكانَها وعشرة مساكين يُطعِمُهم. لكن هذا -كما قلتُ- إذا أخَّر -عن تَساهُلٍ- إلى ما بعد رَمضان القابِل.

بعض النَّاس -مِن النِّسوة- يَستدلِلنَ بِأثرٍ عن عائِشَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهَا-في «الصَّحيحَيْن» -: أنها قَالَت: (كان يكونُ عليَّ الصَّوم من رَمضان؛ فما أستطيعُ أن أقضيَهُ إلا في شعبانَ).

أوَّلًا: تقولُ: (فما أستطيعُ)؛ هذه إشارة مُهمَّة جِدًّا إلى أنَّها لو استطاعتْ؛ لعَجَّلتْ؛ فلا يَجوز أن نستدلَّ بهذا الحَديثِ -أصلًا- على التَّساهُل، أو التَّهاوُن، وبخاصَّة أن هُنالِك رواية: (لِما كان يَشغلنِي مِن شأن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-)؛ إذًا: اشتغالها وخِدمتها لِنبيِّها ورسولها وزوجِها -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- كان هو مِن أعظم الأسبابِ الَّتِي لم تجعَلْها تستطيعُ القَضاءَ -رحمها اللهُ، ورضيَ عنهَا، وألحقنا بها في الصَّالحين مِن عباده-.

بالنِّسبَة لهذا القَضاء: هل مَن كان عَليهِ ثلاثة أيَّام؛ هل يصَومها مُتتالِيَة؟ أو أسبوع: هل يصَومه متتاليًا؟ أم يَجوز التَّفريق؟

قَالَ ابن عبَّاس: لا بأسَ أن يفرِّقَ، قَالَ ذلك في تفسير قوله -تَعالَى-: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184].

أمَّا ما يُروَى أن الرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قَالَ: «مَن كان عَليهِ صومٌ من رَمضان؛ فَليَسردهُ ولا يُقطِّعه»؛ فهذا حديث ضعيفٌ، ولا يصحُّ عن النَّبي -صلى الله عَليهِ وعلى آله وصحبه أجمعيَّن-.

والإِمام أحمد -الإِمام المبجَّل، إمام أهل السُّنَّة-رَحِمهُ اللهُ- يَروي عنهُ أبو داود صاحب «السُّنَن» -وهو تلميذُه- أنه قَالَ -وقد سُئل عن قضاء رَمضان-: (إن شاءَ فَرَّق، وإن شاء تابَعَ).

إذًا: يَجوز التَّفريق، وإن أحد أراد المتابعة؛ فلا مانع مِن المتابعة، لكنَّنا نتكلَّم عن الجواز، حتى لا يُشدِّدَ بعض النَّاس على أنفسِهم، وقد صحَّ عن رسول الله 0صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أنه قَالَ: «لا تُشَدِّدوا على أنفسِكُم؛ فيُشدِّد اللهُ عليكم».
ثمة بعض أحكام للقضاء نذكرها في المجلس القادم -إن شاء الله-.
أسأل الله -عزَّ وجلَّ-لي ولكم- التَّوفيق والسَّداد، والهدى والرشاد؛ إنه -سُبحانَهُ- ولي ذلِك والقادر عَليهِ.

وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على رسولِ اللهِ، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعين-.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين.

والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.

من هنا لسماع الحلقة الرابعة عشرة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-14.mp3)
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 954
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست