نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 951
بقي أن نذكر نقطة أخرى، وهي مهمَّة -أيضًا-: وهو ما يتعلَّق بحدِّ السَّفر.
اختلف أهل العِلم متى يُسمى المُسافِر مُسافِرًا، وفي ذلِك أقوال متعدِّدة؛ لكنَّ القول الذي رجَّحه شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رَحِمهُ اللهُ- يُشير إلى الانتصار إلى قول مَن قَالَ بأن الألفاظ اللُّغَويَّةَ الواردةَ في القُرآن والسُّنَّة يجب أن تُعامَل بحسب ما يَتعارف عَليهِ الصَّالحون مِن النَّاس.
لم يأتِنا حدٌّ يُضبط به المَرَض، كما لم يأتِنا حدٌّ يُضبَط به السَّفر؛ لكنْ: تَعارُفُ النَّاس على سَفرٍ معيَّن وعلى مسافة معيَّنة أنها سَفر؛ فهي السَّفر.
وهذا العُرف قد يختلف باختلاف الزَّمان والمكان؛ اختلاف الزَّمان أيَّام رسول الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، حتى ما بعده أيَّام أن لم يكن هُنالِك -مثلًا- إلا القطارات البخاريَّة، أيَّام لم يكن هُنالِك إلا السَّيَّارات القديمة، أو الدَّراجات؛ هل هي كمِثل هذه الأيَّام؟! الجواب: لا. والله أعلم ماذا يُخبِّئ الغيبُ لنا مِن أمور قد تختلف بها أعرافُ النَّاس وأنظارهم في إدراك مسألة معيَّنة، أو لفظٍ لُغويٍّ مُعيَّن بحيث يكون العُرف هو الضَّابط له.
إذًا: الأصْل في المُسلِم الذي رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- نبيًّا ورسولًا أن يُقِرَّ، وأن يستسلم، وأن يَقول بلِسَان الحال والمقَالَ: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] لا خيرةَ أمام النَّصِّ، ولا اختيار أمام الحُكم الشَّرعي؛ فالحكم الشَّرعي إنما نتلقَّاهُ لنُنفِّذَه، إنما نقبله لِنلتَزِمَه، لا نأخذ الحُكم ثم نُفكِّر في المصالح والأمور الشَّخصيَّة والأمور الذاتيَّة: (هذا حسن! وهذا أحسن! هذا مقبول! وهذا غير مقبول!)؛ هذا باطل! ليس على هذا الصَّحابَة، وليس على هذا التَّابعون، وليس على هذا تابِعوهم، وهم خير النَّاس، وهم أعظم النَّاس، وهم جِيل القُدوة، وهم جيل الأُسوة، والجيل الأكمل الأتمُّ -رحمهم الله، ورضيَ اللهُ عنهُم أجمعين-.
فلذلِك الواجبُ علينا -نحن المُسلِمين- إذا تلقَّينا الحُكم عن الله أو عن رسولِه: أن نَقبلَ ذلِك.
كذلِك -أيضًا- المريض. ما قلناه في المُسافِر نقولُه في المريض: كل مريض مرضًا قد يُؤثِّر عَليهِ فيه صَومُه؛ فيجب أن يُفطر. فإذا أفطر يجب أن يَقضي، إلا في حالة واحدة: إذا كان مرضُه مُزمنًا؛ بحيث لا يُرجى بُرؤُه ولا يُرجى شفاؤه، فمَن كان مريضًا مرضًا مزمِنًا -لا يُرجى شفاؤُه، ولا بُرؤه-؛ فأرجح الأقوال فيه عند أهل العِلم: أنه يُطعِم عن كل يوم مِسكينًا.
وكذلِك -كما ذكرنا قبل قليل- الحائض والنُّفَساء -أيضًا- يجبُ أن تُفطِرا -لا نقول كما قُلنا في المُسافِر يَجوز أن يُفطر-؛ الحائض والنُّفَساء يجب أن تُفطِرا؛ لأن النَّصَّ في ذلِك واضح -كما ذكرنا-.
انتهينا من موضوع الحائض والنُّفَساء، والنَّصُّ فيها واضح.
الشيخ الكَبير والمرأة العجوز؛ بحيث لا يستطيعان الصِّيام، وهما فانِيان؛ هذان يَدخلان في ضمن قوله -تَعالَى-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]؛ وبالتَّالي كما قَالَ ابن عبَّاس: (الشيخ الكَبير، والمرأة الكَبيرة لا يستطيعان أن يصوما؛ فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا).
وما قلناه في الشَّيخ الكَبير والمرأة العجوز الفانية؛ نقولُه في الحامل والمرضع؛ فالحامل والمرضِع -أيضًا- تُفطِران -لسبب ما هم عَليهِ من وَهن، ومن ضعف، ومن ظرف، {وَهْنًا على وَهْنٍ} -، وتُطعمان مكان كلِّ يوم مسكينًا.
وفي ذلِك آثار متعدِّدة عن السَّلف، وإن كانت المسألة خلافية؛ لكن الرَّاجح هو هذا.
وأقولُ هذا، وأسأل الله -لي ولكم- التَّوفيق والسَّداد.
والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.
من هنا لسماع الحلقة الثالثة عشرة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-13.mp3)