responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 950
إذًا: حتى الذي اعتاد في السَّفر الصِّيام يُسنُّ له -أحيانًا- مِن باب هذه المحبَّةِ الإلهيَّةِ للرُّخصَة -أحيانًا- أن يترخَّص في هذا السَّفر في بعض وقتِه وفي بعض أيَّام صَومِه؛ هذا مِن باب استعمال السُّنَّةِ كما ورد عن رسولِ الله -صلى الله عَليهِ وعلى آله وصحبه وسلم-.

وهُنالِك عن أبي سعيد الخدري -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-: أنه قَالَ -كما في «سُنَن التِّرمذِي» -: (كان الصَّحابَة يَرَون أنه مَن وجد قوةً فصام؛ فحَسَنٌ، ومَن وجد ضعفًا فأفطرَ؛ فحَسَنٌ)؛ هذا يُشير إلى ما ذكرتُه -قبل قليل-؛ وهو الأرفق به، والأوفَق له. الأوفق والأرفق إذا كنتَ ذا قوة: أن تصوم، لو أفطرت لا نُنكر عليك؛ لكن نتكلم -الآن- عن الأفضل. والأوفق والأفضل إذا وجدتَ ضعفًا ووَهنَ جِسمٍ، وأن ذلِك قد يُضعفُك أو يُمرِضك، أو -على الأقل- يُقلِّل حركتَك ونشاطَك -طبعًا نتكلم عن المُسافِر الذي له الرُخصَة الأصْليَّة-؛ فحينذٍ نقول: إفطارك أفضل، لو صمتَ لا نُنكر؛ لكن الأولى والأفضل -طالما أنه قد يُؤدي إلى شيء من الوَهَن- أن تُفطر خير لك. والله تَعالَى أعلم.

هنا نُقطة: وهي أن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قَالَ: «ليسَ مِن البِرِّ الصِّيام في السَّفر»، وهذا حديث في «الصَّحيحَيْن».

هُنالِك بعض الكتب الفِقهية تَروي هذا الحَديثَ بِلفظٍ آخَر؛ وهو لغةُ حِمْيَر- يَقلِبون اللامَ مِيمًا، ويَجعلون ذلِك منقولاً عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «ليس مِن امْبِرِّ امْصيام في امْسَفَر». نفس الحَديثِ لكن بِقلب اللام ميمًا، وهي لغة حِمْيَر من أهل اليمن؛ لكن هذه الرِّوايَة لا تَصِح ولا تثبت عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وآله وسلَّم-؛ وإنما الصَّحيح الثَّابت: رواية «الصَّحيحَيْن»: عن جابر -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: «ليس مِن البِرِّ الصِّيامُ في السَّفر».

بعضُ النَّاس يَستدل بهذا النَّصِّ مُفضِّلًا الفِطر على الصِّيام: «ليس مِن البِر الصِّيام في السَّفر»؛ إذًا الفِطر هو الأفضل. وهذا كلام يحتاج إلى نَظر.

فلهذا الحَديثِ سبب وُرُودٍ: الرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لما قَالَه كان هُنالِك وضْعٌ مُعيَّن وحالة معيَّنة؛ وهي: أنه جاء الرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلى رجل مُغمًى عَليهِ، وقد ظُلِّل عَليهِ، أتوا عَليهِ النَّاس ووضَعُوا ظِلًّا -[شيئًا] ينفي عنهُ الشَّمس وحرارتها-؛ فسأل النَّبي -عَليهِ الصَّلاة والسَّلام-مِن رحمته بأمَّتِه-صلوات الله وسلامُه عَليهِ-: «ما شأن هذا الرَّجل؟»، قَالَوا: (صائم في السَّفر). صائم في السفر؛ يوقعك السَّفر بهذا الشَّيء الذي يكاد يوقِعُك في الهلاك؟! فقَالَ -حينئذٍ -عَليهِ الصَّلاة والسَّلام-: «لَيس مِن البِرِّ الصِّيام في السَّفر»، كأنه يقول: مَن كان على مِثل هذا الحال؛ فليس مِن البِرِّ الصِّيام في السَّفر له؛ أمَّا مَن قَدر، وليس عَليهِ حرج، ولا هو مُوقِع لنفسِه بمثل هذا الإنسَان -رضيَ اللهُ عنهُ وأرضاهُ-؛ فحينئذ نقول له: الأمر واسع؛ إذا صمتَ أفضل، وإذا أفطرتَ فيَجوز لك، أمَّا إذا كان الصِّيام سيوقعك بمثل هذه الصورة وبمثل هذه الحالة؛ فهذا لا يَجوز.

بعض النَّاس يقول في موضوع الصِّيام في السَّفر، أو في حدِّ السَّفر، يقول: قديمًا كان السَّفر على الخيول -مثلًا-، أو على الدوابِّ والجمال، واليَوم عندنا أمور كَثِيرة، عندنا: الطائرات، وعندنا الباصات، ووسائل الرَّاحة، وكَثِير من الأمور المسهِّلة؛ فلعل هذه الأحكام كانت لِتلك الأيَّام دون هذه الأيَّام؟!

هذا كلام غلط؛ لأن اللهَ -تَعالَى- يقول: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، ويقول -سُبحانَهُ وتَعالَى-: {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]. إذًا: هذا مَوكُول بِعلم الله -عزَّ وجلَّ-، وعلم الله -عزَّ وجلَّ- علم عظيم شامل لما كان، وما يكونُ، وما هو كائن، وما لم يَكن لو كان كيف كان يكون؛ كل ذلِك معلوم عند الله -تَبارَك وتَعالَى- في عِلمه العظيم الذي كما قَالَ -سُبحانَهُ وتَعالَى-عن نفسِه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ليس كعِلمِه عِلم، وهو العليم، وهو الغفور، وهو العلي، وهو العظيم -جل في علاه وعظم في عالي سَماه-.

¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 950
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست