إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:
فإنَّ أصدقَ الحَديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضَلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ، أما بعدُ:
فيا أيُّها الإخوة المُشاهِدون، ويا أيتُها الأخوات المُشاهِدات: السَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.
هذا لقاء علمي نافع -إن شاءَ الله- نتفقَّه فيه في دين الله -عزَّ وجلَّ-، كما قَالَ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفقِّههُ في الدِّينِ».
هُنالِك أشياءُ وأحكام أراد اللهُ -عزَّ وجلَّ- منها في عبادِه ولهم اليُسرَ؛ كما قَالَ -تَعالَى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]؛ لكنْ: إرادةُ اليُسر هذه، وإرادة عدم العُسرِ تلك؛ كلتاهما مُرتبطتان بالشَّرع الحكيم، كما قَالَ النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «يَسِّروا ولا تُعَسِّروا»؛ أي: ضِمن ما جاء به الشَّرعُ؛ أمَّا أن نجعل لِعقولنا المنزلة، ولأهوائِنا المكانةَ الَّتِي نستحسنُ فيها ونُيسِّر فيها بِحسب ما نزعُم، وبحسب ما نتخيَّل أشياء مِن الدِّين وليست هي مِن الدِّين، أشياء من التَّيسِير وليست هي من التَّيسِير، أشياء من التَّسهيل -في بعضِ الأمور- والرُّخَص وليست هي مما سهَّل اللهُ -تَعالَى- به، أو رسوله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- في موضوع الرُّخَص؛ فهذا لا يَجوز؛ الأمرُ كلُّه مَنوطٌ بأحكام الله، ومَنوط بما صحَّ وثبت عن سُنَّة رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-.
فهُنالِك -كما قلتُ- رُخَصٌ في الصَّوم يجب أن نَذكرَها، ونتنبَّهَ إليها، ونُنبِّهَ عَليهِا:
منها: المُسافِر.
فالمُسافِر يَجوز له أن يُفطِر، كما يَجوز له أن لا يُفطر -بحسب الأوفق له، والأفضل له-.
بعض النَّاس يقول لك: واللهِ؛ أنا سفري سريع، ولا يُتعِبني ولا أجدُ مشقةً.
فنقول: يَجوز أن تصوم؛ لكن: يَجوز أن تُفطِر؛ فلو أفطرتَ لا أحد يُنكر عليك؛ وقد ورد عن الصَّحابَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُم- أنهم كانوا يُسافِرون، قَالَ الصَّحابي: (فمِنَّا الصَّائم ومِنا المفطِر، فما كان يُنكر مُفطِرُنا على صائمِنا، ولا يُنكِر صائمُنا على مُفطرِنا)، لذلِك: النص القُرآن: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وهُنالِك صحابيٌّ اسمه حمزةُ بن عمرو الأسلمي -رضيَ اللهُ عنهُ- سأل رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قال: (يا رسولَ الله! أأصوم في السَّفر؟)، وكان كَثِير الصِّيام -رضيَ اللهُ عنهُ-، وهذه خصلة نادرة! والصِّيام غنيمة مِن غنائم الخير يغتنمُها المُسلِم في شبابِه، وفي قوَّته، وفي صِحتِه، وفي الأيَّام المبارَكة الَّتِي فيها مِن الأجرِ والخير له ما لا يَعلمُه إلا الله. .
كان حمزة بن عمرو الأَسلمِي كَثِير الصِّيام، فسأل رسول الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- هذا السؤال: (أأصومُ في السَّفر؟) فقَالَ له -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «صُمْ إن شئتَ، وأفْطِر إن شِئتَ»؛ فجعل الأمر متَعلِّقًا بمشيئتِه، ورغبتِه، والأحسنِ له، والأوفَق به، والأرفق به -أيضًا-.
والله -سُبحانَهُ وتَعالَى- أوحى على لِسَان نبيِّه -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-كما في الحَديثِ الذي رواهُ أحمد وغيره- قولُه -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُهُ كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائِمُه» , وفي رواية: «إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخصُه كما يَكرهُ أن تُؤتَى مَعصِيتُه».
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 949