responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 941
أمَّا أوَّلُ شيءٍ نذكُرهُ في بابِ ما يجبُ على الصَّائمِ تَركُه ومُجانبتُه -وإنْ كان غيرَ مُفسِدٍ للصَّوم، ولا مُبطِلٍ له-؛ لكنَّه -لا شكَّ، ولا ريبَ- مُوقِعٌ لِلإثم، ومُوقعٌ للمَعصية -والعِياذُ باللهِ -تَباركَ وتَعالَى-.

فاللهُ -سُبحانَه وتَعالى- خاطبَ عبادَه قائلًا: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

إذًا: مِن أعظمِ ثَمراتِ الصِّيام: التَّقْوى -تَقوَى اللهِ-تَباركَ وتَعالَى-، والتَّقوى -كما فسَّرها بعضُ أئمَّة العِلم-: (عملٌ بِطاعةِ الله، ابتِغاءَ مَرضاةِ الله، وطمَعًا بما عندَ الله، وهي -أيضًا- انتهاءٌ عمَّا نهى اللهُ ورسولُه عنه، ابتِغاءَ مَرضاةِ اللهِ -تَباركَ وتَعالَى-).

لذلك: قال النَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «الصِّيامُ جُنَّةٌ»؛ أي: وِقاية وسترٌ.

كيف يكون الصِّيامُ جُنَّةً ووقايةً و [سَترًا] ولِسانُكَ -أيُّها المسلمُ- تَقومُ فيه بِما يُخالفُ شَرعَ اللهِ -مِن سبٍّ، أو لَغْوٍ، أو رَفثٍ، أو قَولٍ بالباطلٍ، أو كذِبٍ، وغير ذلك-؛ لذلك قال النَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «رُبَّ صائمٍ ليس لهُ مِن صيامِه -أو حظُّه مِن صِيامِه- الجوعُ والعَطشُ»! أسهلُ شيءٍ أن تجوعَ وأن تَعطشَ؛ لكنَّ الصَّعبَ والعَسيرَ -مما ليس بالسَّهل ولا باليسير-: أن تُمسِك لسانَك.

وقد رأى عُمرُ بنُ الخطَّاب -رضيَ اللهُ عنه- يومًا- أبا بكر الصِّدِّيق مُمسِكًا بلسانِ نفسِه، وقال له عُمرُ: يا أبا بكرٍ! ماذا تَفعلُ؟ قال: (لقد أَوردَني -هذَا- الموارِدَ)؛ أي: أوقعني في المصائب! وهذا مَن القائل؟! أبو بكر الصِّدِّيق -رضِيَ اللهُ عنهُ- الذي لو عُدَّت رواياتُه في الأحاديث عن النَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ لَعُدَّت وأُحصِيتْ، ولو عُدَّتْ كلماتُه وجُمَلُه التي نُقلتْ في الكُتب؛ لَعُدَّت وأُحصِيَتْ، ومع ذلك يقول: (لقد أَوردَني -هذَا- الموارِدَ)؟!!

فكيف الشَّأن -حفظكُم الله-جميعًا- فيمَن يَكثر كلامُه، ويكثر سقَطُه -نسأل الله العافية-.

لذلك: كان توجيه النَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- واضحًا جدًّا: «مَنْ كانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليومِ الآخرِ؛ فلْيَقُلْ خَيرًا، أو لِيَصمِتْ»؛ ليس أمامَك إلا طرِيقان: إمَّا أن تَقولَ بِالخيرِ -مِن علمٍ، أو تعليمٍ، أو نصيحةٍ، أو تواصٍ بالحقِّ وتَواصٍ بالصَّبرِ، مِن أمرٍ بمعروفِ ونهيٍ عن مُنكَر، أو الصَّمت، وليس بين هذَيْن إلا المباحُ مِن الكلام الذي ليس فيه عليكَ وِزرٌ، وقد لا يكونُ لكَ فيه أجرٌ.

فالنَّبيُّ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقولُ: «مَن لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ بهِ؛ فلَيْس للهِ عزَّ وجلَّ حاجةٌ أنْ يَدَعَ طعامَهُ وشَرابَه».

الإمامُ ابنُ حزمٍ خالف جماهيرَ أهلِ العلم؛ فقال: (الذي يقولُ الزُّورَ، أو يعملُ به؛ فإنه فاسِدُ الصَّوم، وصِيامُه باطلٌ)؛ هذا -الحقيقة- فيه غُلُو، وإن كان -لا شكَّ، ولا ريبَ- أنَّ فاعِلَ ذلك قد انتقَصَ مِن صَومِه، وقد أثَّر فِعلُه ولَغْوُه وخَطلُ كلامِه وفسادُ قولِه على أجرِه؛ بحيثُ قد لا يكادُ يَبقى له منهُ شيءٌ -نسألُ الله العافيةَ-.

وفي «صحيحِ ابن خُزيمة»: عن أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ-تَعالى-عنهُ- قال: قال رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «لَيسَ الصِّيامُ مِنَ الأكلِ والشُّربِ»؛ أي: ليس الصِّيامُ مِن الأكلِ والشُّرب -فقط-؛ «وإنَّما الصِّيامُ مِنَ اللَّغوِ والرَّفثِ»؛ اللَّغوُ: هو الكلامُ الذي لا فائدةَ منه، والرَّفَثُ: هو الكلامُ القَبيحُ! وللأسف: ما أكثر النَّاس الذين يقولون القَول القبيحَ!! بل في بعض البلادِ -وللأسف! -نعوذُ باللهِ مِن الخذلان! نعوذُ بالله من شرِّ الشيطان! نعوذُ بالله من فَساد الإيمان! -؛ في بعض البلادِ مَن يسُبُّ الدِّينَ والرَّبَّ والنَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- في نهارِ رمضان!! وقد يكون بعضُهم -لِسَفهِه، وطَيْشِهِ، وسُوءِ نفسِه، وخُبثِ طويَّتهِ- قد يكونُ صائمًا!! أيُّ صيامٍ هذا -وقد تلبَّس بهذا القَولِ الشَّنيعِ، وبهذا اللَّفظ الفظيعِ-والعياذ بالله -تَباركَ وتَعالَى-؟!

¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 941
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست