نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 939
وأيضًا: ثبت عن بعض أصحاب رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، ويَرويه عنهُ عبد الله بن الحارث عن هذا الصَّحابي، وهو مُبهم -أي: لم يُذكر اسمُه- قَالَ: دخلتُ على النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- وهو يتسحَّر، فقَالَ: «إنَّها بركةٌ أعطاكُمُ اللهُ إيَّاها؛ فلا تَدَعُوهُ» أي: لا تتركوه.
والسُّحور هو بَركة؛ لأنه فيه اتِّباع للسُّنَّة، ولا شكَّ ولا رَيْب أن اتِّباع السُّنة فيه أعظم بركة، وفيه أعظم خَير، وفيه أعظم تزكية للنفوس.
وفي حديث العرباض بن سارية وأبي الدرداء -رضيَ اللهُ عنهُما- أن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قَالَ: «هَلُمَّ إلى الغداءِ المبارَك» قَالَ الرَّاوي: (يعني السُّحور)، والحَديثِ مرويٌّ في «مُسنَد الإِمام أحمد» من حديث العرباض، ومَرويٌّ في «صحيح ابن حبان» من حديث أبي الدَّرداء -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-.
والنَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يقول -كما روى أبو سعيدٍ الخُدرِي عنهُ-صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قَالَ: «السَّحورُ أَكلةُ بَركة؛ فَلا تَدَعُوه ولَو أن يَجرَعَ أحدُكُمْ جَرعةً مِن ماء؛ فإن اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على المُتسحِّرين».
أي أجرٍ أعظم! وأي فضلٍ أكبر وأكثر مِن أن تكون مِن الله -عزَّ وجلَّ- صلاة على المتسحِّرين؟!
الله -عزَّ وجلَّ- يُصلي على المتسحِّرين، والصَّلاة من الله -عزَّ وجلَّ- ثَناءٌ، كما ذكر الإِمام البخاري في «صحيحه» عن أبي العالية -رحمهُ الله-أحد أئمة التَّفسير الكِبار- قَالَ: (صلاةُ اللهِ على رسوله: ثناؤه عَليهِ عند المَلائِكة)؛ فالصَّلاة: هي الثناء، وأما صلاة المَلائِكة: فهي الدُّعَاء. مِن الله الصَّلاة: هي الثناء، ومن المَلائِكة: هي الدُّعَاء، في الوقت المبارَك، وقت الرَّحمَة، ووقت النُّزول الإلهي، ووقت الثَّناء الربَّاني على أناس يتسحَّرون. وفي الوقت -نفسِه- أناس يَعصون الله، أو تراهم نائمين غافلين! فلينظر العاقل فَرْق ما بين الصُّورتين، وفرق ما بين الأمرَين.
أما على ماذا يتسحَّر المؤمن:
له أن يتسحَّر على ما يريد مما أباح الله -عزَّ وجلَّ- له؛ لكن جاء عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قولُه -كما في «سُنَن أبي داود» وغيره-: «نِعْمَ سَحورِ المؤمِنِ التَّمرُ»، ومن لم يجد تمرًا؛ فليتسحَّر على الماء، كما قَالَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «تَسحَّرُوا وَلو بِجَرعةِ ماءٍ».
في هذه الأحاديثِ فائدتان:
- الفائدة الأولى: بيانُ الأفضل فيما يُتسحَّر به.
- والفائدة الثَّانية: أنك لو لم تُرِدْ التسحُّر والطَّعام والشَّراب -كما يَفعلُ أكثر النَّاس-اليَوم-؛ فلا تُفوِّت السَّحور ولو بِجرعة ماء؛ أن تستيقظ بِنِيَّة طيبة مبارَكة، وأن تشربَ جَرعة ماء، أو أن تأكلَ ثلاثَ حبَّات من التَّمر حتى تُوافِق سُنَّة النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، والرَّسُول -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «إنَّ اللهَ وِترٌ يُحبُّ الوِترَ»؛ فهذا -لا شكَّ ولا رَيْب- فيه خير كَثِير وعظيم.
وكما ذكَرنا -في دَرسٍ مَضى- استحبابَ تَعجيل الفِطر؛ فها هُنا أوانُ ذِكر استحبابِ تَأخير السُّحور.
قَالَ أنس -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-: عن زيد بن ثابت أنه قَالَ: (تسحَّرنا مع النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- ثم قام إلى الصَّلاة، قلتُ: كم كان بين الأذان والسحور؟ قَالَ: قَدر خمسين آيةٍ) يعني: لا يتجاوز ربع ساعة، أو ثلث ساعة، وما أشبه ذلِك. وهذا الحَديثِ في «الصَّحيحَيْن» -في «البخاري» و «مسلم» -.
وعن ابن عبَّاس: أن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قَالَ: «إنَّا مَعشر الأنبياءِ أُمِرنا بتَعجيلِ فِطرِنا، وتأخيرِ سُحورِنا، وأن نَضَعَ أيمانَنا على شمائِلِنا في الصَّلاة» رواهُ الإِمام ابنُ حِبَّان في «صحيحِه»، وصحَّحه الحافِظ ضياء الدِّين المقدِسي -رَحِمهُ اللهُ-.
بل قَالَ الحافِظ ابنُ حجر العَسقلاني في «فتحِ البارِي» ناقلًا عن الإِمام ابن عبدِ البَرِّ النَّمِري الأندلسي -رحمهُ اللهُ- قولَه، قَالَ: (أحاديثُ تعجيلِ الإفطارِ، وتأخير السُّحور؛ صِحاح مُتواتِرة) يعني: جاءَتْ مِن نصوص، ومِن روايات، ومِن طُرُق عدة متعدِّدة عن الصَّحابَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُم-أجمعيَّن-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 939