إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:
فهذا -أيُّها الإخوة المُشاهِدون! وأيتُها الأخَوات المُشاهِدات! - لقاء يتجدَّد بالخير نتذاكر فيه شيئا من أحكام شهر رَمضان، وما يتصل به من فقه الصِّيام والقِيام، وغير ذلِك من أحكام.
السُّحور:
السُّحور سُنَّة نبويَّة منقولة عن رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، ومنقول عنهُ الحث عَليهِا والتوكيد عَليهِا، وقبل أن نذكر ما ورد في ذلِك؛ نذكر أنه تُضبطُ كلمة (السَّحور)؛ بضبطَين، يُقال: (السَّحور)، ويُقال: (السُّحور).
(السَّحور): هو المواد الَّتِي يتسحَّر بها الصَّائم؛ كأن يأكُل تمرًا، أو خبزًا، أو جُبنًا، أو غير ذلِك، أو ماءً. . المواد الَّتِي يَتسحَّر بها؛ هي (السَّحور)، و (السُّحور): هي عملية التسحُّر، يُقال لها السُّحور، و (الطُّهور): عملية التَّطهُّر، و (الطَّهور): ما يُتطهَّر به. . وهكذا.
وكنا قد ذكرنا في مجلسٍ سابق أنه: كان الفِطر والصِّيام في أول الإسلام مرتبطًا بأن لا يأكُل ولا يشرَب إذا نام وقت الإفطار، وذكرنا الحَديثَ الواردَ في ذلِك؛ بحيث إذا نام الواحِد ولم يَطعَم في وقت إفطاره؛ فإنه يظل ممنوعًا من الطَّعام، ومُتلبسًا بالصِّيام إلى اليَوم التَّالي، حتى نُسخ ذلِك، وجاءَتْ أوامر الله -عزَّ وجلَّ- بالتَّيسِير على المُسلِمين.
لذلِك -يعني- بعض أهلِ العِلمِ فَهِم من ذلِك أن هذا كان مما يُشبه صِيام أهل الكِتابِ، كما قَالَ -تَعالَى-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]، فهذا الصِّيام كان قريبًا من ذاك الصِّيام؛ لكن: لما جاءَتْ الأوامر الإلهيةُ مِن الله -عزَّ وجلَّ- بالنَّسخ؛ جاء -هنالك- ما يُميِّز صِيامَ المُسلِمين عن صِيام غيرِهم ممن قبلهم ممن أوتي الكتاب.
فالنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول كما في «صَحِيح مُسلِم»: عن عمرو بن العاص -رضي الله عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «فَصْلة ما بَين صِيامِنا وصِيامِ أهلِ الكِتابِ: أكلة السَّحَر»؛ أي: السُّحور. فالسُّحور: هو نوعٌ؛ بل هو النَّوع الأكبر مما يُفرَّق به وفيه بين صِيامنا -نحن أهلَ الإسلام- وبين صِيام غيرنا مِن الأمم السَّابقة.
وقبل أن نذكُر بقية فَضائِل السُّحور وأحكامِه: نذكر شيئًا مهمًّا:
وهو أن كَثِيرًا من النَّاس يتساهلون في السُّحور، ويتهاونون فيه؛ بل بعضهم يقضي أكثرَ ليلِه في السَّهر ويَنسى أكلة السَّحر! وهذا -لا شكَّ، ولا رَيْب- داخلٌ في عُمومِ قوله -تَعالَى-: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] هذا لا يَجوز؛ وبخاصَّة إذا كان هذا السَّهر سهرًا على الملاهي، وسهرًا في الاختِلاط، وسهرًا على البرامج التلفزيونيَّة المخالفة للشَّريعَةِ الَّتِي فيها ما يُخالِف أمر الله، وما يُخالِف أمرَ رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-.
وأيضًا: ثبت أن السُّحور بركة -كما قَالَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- في الحَديثِ الذي رواه الإِمام الطبراني وغيرُه: عن سلمان -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «البَركةُ في ثلاثة: في الجماعةِ، وفي الثَّريدِ، وفي السُّحُورِ» والثَّريد: هو الطَّعام الذي يكون فيه خبز أو أرز أو ما أشبه، ويوضع فيه اللَّبن ونحوه، هذا هو الثَّريد، وهو طعام بركة -كما أخبر النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 938