نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 937
تهيئةُ الطَّعام والشَّراب -في الماضي- حيث كان المُسافِرون معهم مَزاداتُ الشَّراب والطَّعام القليل يأخذ شيئًا من الوقت، فما أن هيأ الطَّعام حتى سقطت الشَّمس، وأنا لا أتصوَّر أن لا يكونَ ذلِك أكثر مِن دقيقتين أو ثلاث دقائق. . قال: (فشرب النَّبي -صلى الله عَليهِ وسلم-)، وهذه الرِّوايَة في «مصنف عبد الرزاق»، قال الرَّاوي: (لو تراءاهَا) يعني: الشَّمس (أحدٌ على بَعيرِه؛ لرَآها).
هذا فيه إشارة إلى شيئَين اثنَين:
الشَّيء الأولَّ: أنه لم يكن -هُنالِك- مدة طويلة بين تَهيئة الطَّعام الَّتِي أمرهم بها النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- بقوله: «اجْدَحْ لنَا» وبين شُربه وتَناوله الطَّعام -صلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسلَّم-.
أما الشيء الثَّاني: فهو عدم التَّكلُّف.
وينبغي أن نفهمَ شيئًا مُهمًّا: وهو أن عدمَ التَّكلُّف لا يُنافي الاحتياط؛ لأن الاحتياطَ فيه غُلو -قد يكون مِن حيث التَّطبيق-، الاحتياط مطلوب؛ لكن دون الغُلو -كما ذكرنا- المُفضِي إلى الوَسوَسة.
فنحن نحتاط. . قد نحتاطُ دقيقة، قد نحتاطُ دقيقتين؛ لكن: أن نحتاطَ خمس دقائق، أو سبع دقائق، أو عَشر دقائق -كما يفعل بعضُ النَّاس! وأشار إلى ذلِك الحافِظ ابن حجر في «فتح الباري» -كما ذكرنا-؛ حينئذٍ نقول: هذه وسوسة، وهذا غُلو، والنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «إيَّاكُمْ والغُلُوَّ في الدِّينِ»، والرَّسُول -عَليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقولُ: «لا تُشَدِّدُوا على أنفسِكُم».
بماذا نُشدِّدُ على أنفسِنا؟ بأن نفعلَ في دينِنا ما لم يأمُرنا اللهُ به، وما لم يَأمُرنا به رسولُه الكريم -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، أمَّا ما أمرنا الله به؛ فليس تَشَدُّدًا، وأمَّا ما نهانا اللهُ عنهُ؛ فليس تَشَدُّدًا.
فما يتوهَّمهُ البعضُ -كما ذكَرنا- مِن أنَّ أوامِر الله، أو أن بعضَ أوامرِ الله، وبعضَ أوامرِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- فيها تَشديد؛ فهذا جهلٌ أكِيد.
التَّشدِيد: هو تَجاوُز النَّص الشَّرعي مِن كتاب الله، أو مِن سُنَّة رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-.
وحينئذٍ: يجب أن نتنبَّه أن بعض التَّقاويم الموجودة عند كَثِير من النَّاس -والتي بلغت أعمارُها خمسين سَنَة، وأكثر من ذلِك، وأقل مِن ذلِك-؛ هذه لا يَجوز أن نَتخاذل في مُراجعتِها، وفي التَّثبُّت منها، وفي توكيدِها، وفي التَّحقُّق منها.
وهذا -وللهِ الحمدُ- تقومُ به بعضُ الجِهات الرَّسميَّة في عدد من البلادِ الإسلاميَّة -في هذه الأيَّام- بأن يُراجِعوا هذه التَّقاويم. . وفعلًا أنا أعلم يقينًا، وبشكل مُباشر: أنه قد ظَهر شيءٌ مِن التَّفاوت بين هذه التَّقاويم التي -إن جاز التَّعبير- أكلَ عليها الدَّهرُ وشَرِب، وبين الواقع المحسُوس الملمُوس مِن الغُروب ومن الشُّروق، وهما أهم الأشياءِ في شهر رَمضان، وإن كانت مواقيتُ الصَّلاة كلُّها -أيضًا- مُهمَّة جدًّا، ويجب النَّظر فيها، والتَّامل لها.
إذًا: الاعتمادُ على التَّقاويم دون مُراجعة؛ هذا فيه ما فيه.
إضافة إلى شيء آخر: أن هُنالِك تقاويم متعدِّدة؛ هُنالِك تقويم في بلادِ الحرَمَين الشَّريفين (تقويم أمُّ القُرى)، هُنالِك تقويم في مالِيزيا، هُنالِك تقويمٌ قامتْ به بعضُ اللِّجان الإسلاميَّة في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، ونرى بين هذه التَّقاويم -بعضِها ببعض- شيئًا مِن التَّجاوز، وشيئًا من الفُروق، وهي تَقاويم لا أقولُ تشمَل -فقط- أمريكا أو السُّعودية أو ماليزيا أو الأُردن، أو مِصر، أو أي بلد إسلامِي، أو أي بلدٍ في العالَم فيه مُسلمون؛ ولكنَّها تشملُ كلَّ بلادِ الدُّنيا.
تستطيع -الآن- في بعضِ المواقع المختصَّة في هذا الموضوع بضَغطة زِرٍّ على الإنترنت (الشَّبكة العنكبوتيَّة العالميَّة) أن تعرفَ المواقيت، ثم تَرى أن بينَها اختلافًا.
الآن -وللهِ الحمدُ- نَهَد ونهضَ بعضُ طلبةِ العِلم -على اختلاف تخصُّصاتِهم-فلكيًّا، وشرعيًّا، ولُغويًّا- ليتدارَسوا هذا الأمرَ، ولِيَفهموهُ حقَّ فهمِه؛ حتى نقطعَ الخطأ، ونتجاوزَ ما قد يكونُ فيه زَللٌ يؤثِّر على عباداتِنا، ويؤثِّر على طاعاتِنا، ويؤثِّر على صلواتِنا، ويؤثِّر على صِيامِنا.
وكما قَالَ بعض السَّلف -ناصحًا بَنِيهِ-: (دِينَكَ ديِنَكَ!) أي: الزَم دِينَك، وحافِظ عَليهِ (دينَك دينَك؛ فإنه لحمُك ودمُك).
إذا لم يكن عندنا اهتمامٌ بدِينِنا؛ فهل يكونُ اهتمامنا مقصورًا -فقط- على دنيانا؟! خِبنا وخَسِرنا إذا لم يكن اهتمامُنا في دينِنا أعظمَ مِن اهتمامنِا في دنيانا.
أسأل الله العظيم ربَّ العرشِ العَظيم أن يوفقَنا وإيَّاكم لما فيه الخير.
وفي المجلس القادم -إن شاءَ اللهُ- يكون الكَلامُ عن أحكامِ السُّحور، وما يتعلَّق بها، سائلًا ربي عزَّ وجلَّ- أن يوفَقنا وإيَّاكم للعلمِ النَّافع والعمل الصَّالح، ولصيامِ هذا الشَّهر وقيامه؛ إنه -سُبحانَهُ- سميع مجيب.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين.
والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه
من هنا لسماع الحلقة التاسعة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-9.mp3)
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 937