نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 936
أمَّا أن تكون جالسَّا فيغيب قُرص الشَّمس عنك وراء عمارة، أو وراء جبلٍ شاهِق، والشَّمس لا تزال ساطعة ليس فيها علاماتُ الغُروب -مِن إقبال اللَّيل، وإدبار النَّهار-، فقط غابَ عن عينِك قرصُ الشَّمس، ثم تظن وتتوهَّم أنه قد حلَّ لك الفِطر؛ فهذا غلط!
إذا غابت الشَّمس؛ لا بُدَّ أن يكونَ معها وصفانِ آخَران:
الوصفُ الأوَّل: إقبال اللَّيل.
والوصف الثَّاني: إدبارُ النَّهار.
وهذا يُكشَف بأقل نظرةٍ إلى جهة الشَّرق المقابلة لجهةِ الغَرب؛ الشَّمس تغرب في الغَرب، لكن الشَّرق -بالجهة الأخرى- يأتينا فيه ظلام -أيضًا-، وحتى يكاد في وسط [السَّماء] يَبدأ النَّهار بالخُفوت والتَّضاؤل والانحسار؛ فلا يَجوز أن ننظرَ -فقط- إلى الشَّمس دون النَّظر إلى الوصفَين الآخَرَين اللَّذَين علَّق الشارعُ الحكيم الفِطرَ بِوُجودهما مع غروب الشَّمس -سواءً بسواء-.
وهُنالِك حديث جليل يُبيِّن لزوم عدمِ التَّكلُّف في ذلِك.
يعني الآن يقول بعض النَّاس: الشَّمس وراء هذا الجبل، وممكن أن يكونَ وراء الجبل جبلٌ آخَر. .! وما أشبه. .!
هذا تكلُّف!!
إذا غابت الشَّمس عن ناظرِك وراءَ جبل -أكرِّر- مع وجودِ الوَصفَين الآخَرَين اللَّذَين تعلَّق بهما الحُكم -من إقبال اللَّيل، وإدبار النَّهار-؛ فقد وجب الفطرُ، أو جاز الفِطر.
وهُنالِك حديث في «الصَّحيحَيْن» وفيه بعض الزِّيادات من «مُسنَد الإِمام أحمد»، و «سُنَن أبي داود»، و «مصنف عبد الرزاق»، جمعها شيخنا الإِمام الألباني -رَحِمهُ اللهُ- جمعًا لطيفًا، وعنهُ ننقل:
عن عبد الله بن أبي أوفى -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ- قَالَ: «كُنا مع رسولِ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- في سَفرٍ وهو صائمٌ [في شهر رَمضان]» زيادة: «في شهر رَمضان» في روايات يَزيدُ بعضُها على بعض، ولو لم تكن هذه الرِّوايَة موجودة؛ ففي ذلِك إشارة إلى أنَّ الصِّيام في السَّفر جائزٌ ومشروع، ولا نقول الصِّيام في السَّفر لا يَجوز.
كان الصَّحابَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُم- يُسافرون في غير رَمضان -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فكان منهم الصَّائم ومنهُم المفطِر، قَالَ الصَّحابي: «فلا يُنكِر صائمُنا على مُفطِرِنا، ولا يُنكِر مُفطِرُنا على صائمِنا» هذا هدي الصَّحابَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُم-أجمعيَّن-.
بينما هذا الحَديث جاءَتْ هذه الرِّوايَة وهي الزِّيادَة في «صَحِيح مُسلِم» على «البخاري»، وهذه إشارة على أهمية قَبول زيادةِ الثِّقة -أيضًا- الَّتِي ذكرناها -في المجلس الماضي-، مسلم يزيد على البُخاري -هنا- زيادة مهمَّة، وقَبِلَها أهل العِلم، وقبِلَها أصحاب الصَّحيح، وقبِلها نُقَّاد الحَديثِ وجهابذَتُه -المتقدِّمون والمتأخِّرون -منهم-على حد سواء-.
قَالَ: «فلما غربت الشَّمس، قَالَ لبعض القومِ» من الصَّحابَة الذين كانوا معه في سَفرِه -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «يا فلان!» وفي رواية عند «أبي داود»: «يا بلال!» كان فُلانٌ هذا بلالًا -رضيَ اللهُ عنهُ-: «قُمْ فَاجْدَحْ لنا» (فاجْدَح لنا): أي هيِّئْ لنا الطَّعام والشَّرابَ الذي نُفطِر عَليهِ، «فقَالَ: يا رسولَ اللهِ! لو أمسيتَ!» وفي رواية «للبُخاري»: (لو انتظرتَ حتى تُمسي)، وفي رواية ثالِثة: (الشَّمس!)، قَالَ: «انزِل فَاجْدَحْ لَنا». .
ويجب أن نتنبَّه -هُنا- إلى أنَّ قولَه: «انزِلْ فَاجْدَحْ لَنا»؛ لا يلزمُ منه أنه يأكُل؛ قَالَ له: هيِّئْ لنا الطَّعام، وهيِّئْ لنا الشَّراب، وإلا فالرَّسُول -عَليهِ الصَّلاة والسَّلام- يرى الشَّمس كما يَراها بقيةُ الصَّحابَة؛ هو لا يُريد أن يأكُل قبلَ المساء، لا يُريد أن يأكُل قبلَ الشَّمس، يُريدُ أن يُهيِّئ؛ لكن الصَّحابَة -من باب الحرص والتحوُّط المشروع- قَالَوا: (يا رسولَ اللهِ! لو أمسيتَ!، يا رسول الله! الشَّمس!)، وفي رواية أنه قال: (إنَّ عليكَ نَهارًا) أي كأنه يقول: لم يُدبرِ النَّهار؛ وهذا فيه إشارةٌ إلى ما ذكرناهُ مِن الصِّفات الثَّلاث الواجب وجودُها حتى يقعَ جَوازُ الإفطارِ للصَّائم، فقَالَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «انزِلْ فاجْدَح لنَا» فنزل فجَدح لهم.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 936