نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 934
«لا تُشَدِّدُوا على أنفُسِكُم»: أي بِغيرِ ما فيه نصٌّ مِن القُرآن والسُّنة، أو شيءٌ مِن الأحكام الشَّرعيَّة الثَّابتة؛ أمَّا بعض النَّاس تأمرُه بأمرٍ شرعيٍّ؛ يقولُ لك: (لا تُشدِّد)! تَنهاه عن شيءٍ تلبَّس به مخالفًا فيه الكتابَ والسُّنَّة؛ يقول لك: (لا تشدِّد)!! هذا غير صحيح، هذا ليس بتَشدِيد!
(التَّشدِيد): أن تأتي بِنفسِكَ شيئًا لم يأمُر الله به؛ هذا هو التَّشدِيد، هذا هو المَنهي عنهُ.
أمَّا أن آمرَك بأمرٍ شرعي؛ وتقول لي: (لا تُشدِّد)! هذا غير صحيح. .
أن أنهاك عن مخالفةٍ -أنتَ ارتكبتَها-، أو عن بِدعةٍ -أنت تلبَّستَ بها-؛ ثم تقول لي: (لا تشدِّد)! أيضًا؛ هذا كلامٌ لا يليق ولا يَنبغي أن يَصدرَ من أيِّ أحدٍ مِن أهل العِلم؛ بل مِن عامَّة المُسلِمين.
وهنا تَنبيهٌ على شيءٍ يتوهَّمُه النَّاس: ذكَرنا أذانَ بِلال -كما في الحَديثِ-، وذكرنا الفَجر الكاذب وأنه لا يَغُر المُسلِمين لا أذان بِلال ولا الفَجر الكاذب.
المُسلِمون -اليَوم- في سائر بلادِ الإسلام يجعلون أذانَيْن: أذانًا أولًا، ثم أذانًا ثانيًا.
الأذانُ الأوَّل يُسمُّونه (أذان الإِمسَاك)! وهذه تسميَة خطأ! لأنَّ الأذان الأوَّل ليس فيه إِمسَاك عن الطَّعام، وليس فيه ما يُوجب على المُسلِم أن يقفَ عن الطَّعام؛ وإنما فيه التَّنبيه.
لذلِك -الحقيقة-: كان أرجحَ القَولَين أن الأذان الأول هو الذي فيه (الصَّلاة خير مِن النَّوم)، وإن كانت المسألة الخلافيَّة؛ لكن هذا الذي كان يُرجِّحه بعضُ أهلِ العِلمِ-مِن أهل التَّحقيق-: أن الأذانَ الأوَّل هو الذي فيه (الصَّلاةُ خيرٌ من النوم)؛ لأن فيه تنبيهًا للنَّائم حتى يستيقظَ، لكنْ؛ أن تجعلَ (الصَّلاة خيرٌ مِن النَّوم) في الأذان الثَّاني؛ هو -أصلًا- مُستيقظ، استيقظَ من الأذانِ الأول؛ فكيف تقول له: (الصَّلاة خيرٌ مِن النَّوم) وهو مُستيقظ؟! هذا يدلُّ على أن الأذانَ الأوَّل ليس ذا صِلةٍ لا بِصلاةٍ تُصلِّيها، ولا بِطعامٍ تَمتنع منه إذا كنتُ صائمًا؛ مع التَّنبيه: أن الأذانَين ليسَا خاصَّينِ بِشهر رَمضان!
بعضُ البلاد الإسلاميَّة تُخصِّص الأذانَين في شهر رَمضان! هذا غير صَحيح؛ هذا في العام كلِّه.
وهنا فائدة ذكرها الحافِظ ابن حجر -رَحِمهُ اللهُ- في كتابه «فَتح الباري» وتُشير هذه الفائدةُ إلى أن الخطأ في تحديدِ أذان الإِمسَاك خطأٌ قديمٌ قبل قُرون، قبل مِئات السِّنين، والحافِظ ابن حَجر العَسقلاني -رحمهُ الله- مِن علماء القرن التَّاسع؛ يعني: قبل هذا القَرن بحوالي ستَّة قرون؛ فينبِّه الحافِظُ ابن حجر في كتابِه العُجاب «فتحِ البارِي في شَرح صحيحِ البُخاري»، والذي قَالَ فيه الإِمام الشَّوكاني: (لا هجرةَ بعد الفتحِ)؛ هذا نصُّ حديث؛ لكن المَقصُود بالفَتح فتح مكَّة؛ فاستعار الإِمام الشَّوكاني هذا النصَّ؛ ليُشير بالفتح المذكور في الحَديثِ إلى «فتح الباري»؛ يعني كأنه يقول: لا شَرح لصحيح الإمام البُخاري مثل شرحِ الحافِظ ابن حجر العَسقلاني -رَحِمهُ اللهُ-.
ماذا قَالَ مُنبِّهًا على هذه البدعة وعلى هذا الخطأ الشَّائع، قال: (مِن البِدع المنكرةِ ما حدَث -في هذا الزَّمان- مِن إيقاع الأذان الثَّاني قبل الفَجر بنَحوِ ثُلث ساعَة)؛ يقصد بالأذان الثَّاني أي: الآخَر، وهو الأذان الأوَّل الذي نُسمِّيه نحو اليَوم؛ بدليل أنه قَالَ: (قبل الفَجر بنحو ثُلُث ساعة في رَمضان، وإطفاء المصابيح الَّتِي جُعلتْ علامةً لتحريم الأكل والشُّرب على مَن يريد الصِّيام)!
هذه بِدعة؛ أن يكون ذلِك قبل الوقت بثلث ساعة!
وسُبحان اللهِ! إذا تلاحظون -أيُّها الإخوة! وأيتها الأخوات! - أن هذا الوقت يكاد يكونُ هو نفسُه الوقت الذي يكونُ فيه الأذان الأوَّل قبل الأذان الثَّاني.
قَالَ: (زعمًا ممن أحدَثَهُ) يعني الذي أحدثه يَزعم ويدَّعي أن إحداثَه له (للاحتياطِ في العبادة)!!
الاحتياط في العبادة قضيَّة دقيقة؛ لكن لها ضوابط، بعض النَّاس يُخرجه الاحتياطُ إلى حدِّ الوسوسة، وإلى حدِّ الغلو والتنطُّع، وهذا لا يَجوز! الاحتياطُ في العبادة؛ لحفظِها وصيانتها؛ أمَّا أن نحتاطَ لنقعَ في الوَسوَسة؛ هذا لا يجوز.
قَالَ: (زعمًا ممن أحدثَه أنَّه للاحتياط في العبادة، ولا يَعلمُ بذلِك إلا آحادُ النَّاس) يعني: آحادُ النَّاس، والقليلُ من النَّاس مَن يقول: هذا للاحتياطِ، وكلهم يَظنُّون أن ذلِك بسبب ماذا؟ بسببِ الإِمسَاك، وهذا خطأ، والأصْل: النَّظر في أحكام عامَّة المُسلِمين.
قَالَ: (وقد جرَّهُم ذلِك إلى أنَّهم صارُوا لا يُؤذِّنون إلا بعد الغُروب بدرَجة؛ لتَمكين الوقت -زعموا-؛ فأخَّروا الفِطرَ، وعجَّلوا السُّحُور! وخالَفُوا السُّنة؛ فلذلِك قلَّ عنهُم الخير، وكَثُر فيهم الشَّرَّ، والله المُستَعان) هذا كلام الإِمامِ الحافِظ ابنِ حجر في «فتح الباري» -قبل بضعةِ قُرون-.
كيف يكونُ إتمامُ الصِّيام إلى اللَّيل؟
هذا ما سَنعرِفُه في المجلسِ القادم -إن شاءَ اللهُ-.
وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه -أجمعيَّن-. وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين.
والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه
من هنا لسماع الحلقة الثامنة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-8.mp3)
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 934