نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 933
وفي «سُنَن التِّرمذِي»: عن طَلْق بن علي -رضيَ اللهُ عنهُ-: أن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- قَالَ: «كُلُوا واشْرَبُوا، ولا يَغُرَّنَّكُمْ السَّاطِعُ المُصَعَّدُ» (المصعَّد): أي الصَّاعد إلى الأفق -كما ذكرنا- عموديًّا «وَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَعتَرِضَ لَكُمُ الأَحْمَرُ» (الأَحْمَر): هو الفَجر الصَّادق الذي يَنتشر في الأُفق انتشارًا.
وينبغي أن نُنبِّه -ها هُنا- إلى شيء: وهو أن تمييزَ هذا الأمر لا يَستطيعُه أيُّ أحد؛ وبالتَّالي: لا نكلِّف النَّاسَ ما لا يُطيقون، وما لا يَقدِرون؛ مَن كان عنده قُدرة على التَّمييزِ؛ فهذه سُنَّة مَهجورة وهي مُطابَقة الحُكم الشَّرعي للواقِع الفِعلي؛ بأن تنظر بنَفسِك هذا.
لكن ظُروف النَّاس تغيَّرت، وأوضاعُهم تغيَّرت، والآن يوجد بُنْيان، وتوجَد أضويَة في الشَّوارع، وتوجَد مَصابيح كهربائيَّة، وما أشبه؛ فذلِك -في الحقيقةِ- قد يَحجُب عن إدراكِ الفَجر الصَّادق مِن الفَجر الكاذب؛ هذا فيه شيءٌ مِن العُسر، وفيه شيءٌ مِن الصُّعوبة.
نعم؛ لو خرجتَ إلى جوانبِ البَلد وطرف الصَّحراء في منطقة ليست فيها أنوارٌ كهربائيَّة، ولا أضوية، ولا ما يُشبه ذاك؛ فهذا ممكن لمن -أيضًا- أقولُ: لمن يُدرِك ويُميِّز.
وهنا تنبيهٌ على سُنَّة عزيزة ورَدت عن أبي هُرَيرَة -مِن طريقَيْن-: عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أنه قَالَ -وهذا مِن تمام رحمةِ اللهِ بنا مما جاء على لِسَان رسولِ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- الذي لا ينطقُ عن الهوى، والذي وصَفَه ربُّه -تَبارَك وتَعالَى- بأنه {بِالمؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} -؛ ماذا قَالَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-؟ والحَديثِ في «سُنَن أبي داود»، و «مُسنَد أحمد» وغيرها-مِن طريقين- عن أبي هُرَيرَة؛ وهذا مما يُثبِّت صحة الحَديثِ وقوَّة إسنادِه، وليس كما فعل البعض مِن غمزِه به والتَّشكيك به؛ فهذا لا يستقيم؛ قَالَ النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «إِذا سَمِعَ أحَدُكُمُ النِّداءَ وَالإِنَاءُ في يَدِهِ؛ فَلا يَضَعهُ حتَّى يَقْضَيَ حاجَتَهُ مِنْهُ».
في هذا الحَديثِ تنبيهان: أما التَّنبيه الأوَّل: أن هُنالِك زيادة جاءَتْ تبيِّن وتَكشف أن النِّداءَ المَقصُود -ها هُنا- هو النِّداء المتَعلِّق بالفَجر الصَّادق؛ فعند الإِمام أحمد -في الحَديثِ نفسه- قَالَ: قَالَ الرَّاوي: «وكان المؤذِّنُ يُؤذِّنُ إذا بَزَغَ الفَجر» إذن النِّداء المَقصُود: هو أذان الفَجر الصَّادق الذي يُحرِّم الطَّعام ويُحلُّ الصَّلاة.
الشيء الثَّاني: «فَلا يَضَعهُ حتَّى يَقْضَيَ حاجَتَهُ مِنْهُ» ليس المَقصُود بقَضاء الحاجة هو إذا كان بين يَديْه أصنافُ الطَّعام وألوان الشَّراب والحلويات، وما أشبه ذلِك؛ أنه -يعني- يأكُل ما يريد؛ بِدَعوى وزَعْم أنَّه يَقضي حاجتَه! هذا غير صحيح! المَقصُود: إذَا كان بِيدِه لُقمة -مثلًا-، إذا كان بِيدِه كأسُ الماء؛ فيَقضي حاجتَه؛ أي: ما تعلَّقت به نفسُه منهُ، يُتمِّمُ الشَّراب، يُتمِّم لقمةَ الطَّعام.
بعض النَّاس سمعتُه يقول: إذا كانت لُقمة الطَّعام في الفَم، أو الشُّربة من الماء في الفَم، وأذَّن المؤذِّن؛ فيَجبُ أن ينزعَها! هذا فيه تشديدٌ على المُسلِمين -فضلًا عن أن يكونَ خِلافَ النَّص-.
بعض النَّاس لو قلتَ له هذا؛ مِن الممكن أن يكونَ ذلِك سببًا في هلاكِه! تخيَّل: اللُّقمة في الجَوف، أو في طَرف الجوف، وسمِع الأذان، وسمِع مَن يُفتي يقول له: انزِع هذا! ماذا سيفعل؟! وهو الحريص على صَومِه وعلى يومه؛ قد يموتُ، وقد يهلك، أو -على الأقل- قد يَمرض ويتضرَّر! والشَّرع الحكيم يقول؛ كما قَالَ النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «لا تُشَدِّدُوا على أنفُسِكُم فَيُشَدِّد اللهُ عَلَيْكُم»، ويقول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ».
وأنا أنبِّه -ها هُنا- تنبيهًا يسيرًا على قولِه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: «لا تُشَدِّدُوا على أنفُسِكُم فَيُشَدِّد اللهُ عَلَيْكُم»:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 933