إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:
فهذا -إخواني المشاهدين! وأخواتي المُشاهِدات! - لقاؤنا العِلميُّ -المتجدِّد- في التَّفقُّه في دِين الله، والنَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يقول: «مَن يُرِدِ اللهُ به خَيرًا؛ يُفَقِّههُ في الدِّينِ»، وعندما دعا النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- للصَّحابي الجليل أبي العبَّاس عبدِ الله بن عبَّاس -وهو ابن عمِّه-صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- ماذا قَالَ؟ قَالَ له، ودعا له؛ قال «اللَّهمَّ! فَقِّههُ في الدِّين، وعلِّمْهُ التَّاويل».
ونحن على هذا الشَّرط ماشُون، ومِن هذا الأساس مُنطَلِقون، سائِلين الله -تَبارَك وتَعالَى- التَّوفيق والسَّداد.
وصَلْنا -في المجلس الماضي- إلى أن الفَجر فَجران، وفي هذا حديثٌ صَحيحٌ صَريحٌ بالنَّصِّ عن الصَّحابي الجليل الذي دَعا له النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بالفِقهِ في الدِّين؛ وهو ابن عبَّاس -والحَديث في «صحيح ابن خُزيمَة» وغيره- قَالَ ابن عبَّاس: قَالَ رسول اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «الفَجْرُ فَجرانِ» يَعني: الفَجر له صُورَتان؛ صورةٌ غير حقيقيَّة؛ بل ورد وصفُها -في بعض الرِّوايات -كما سَيأتي- بأنها فجرٌ كاذب؛ أي: ليس هو الصَّحيح، وليس هو الصَّادِق الذي تُبنَى عَليهِ الأحكام.
قَالَ: «الفَجر فَجرانِ: فأمَّا الأوَّل» وهو السَّابق للثَّاني؛ وهو الكاذب السَّابِق للصَّادِق «فأمَّا الأوَّل؛ فإنَّه لا يُحرِّم الطَّعامَ ولا يُحلُّ الصَّلاة» بالنِّسبَة للصَّائم إذا حلَّت صلاتُه؛ حَرُم طعامُه؛ يعني: يبدأُ صِيامُه منذ ظُهور الفَجر الصَّادق، فإذا ظهرَ الفَجر الصَّادق؛ حلَّ وقتُ الصَّلاة؛ فالله -تَعالَى- يقولُ: {إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] لا يَجوز أداء الصَّلاة قبل وقتها، كما لا يَجوز أن نتجاوزَ في السَّحور بعد وقتِه {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]-كما شرحنا في الحَلْقة السَّابقة-.
قَالَ: «فأمَّا الأوَّل؛ فإنَّه لا يُحرِّم الطَّعامَ ولا يُحلُّ الصَّلاة، وأمَّا الثَّاني: فإنه يُحرِّم الطَّعامَ ويُحلُّ الصَّلاة» (يحرِّم الطَّعام): أي على الصَّائم، مَن يجب عَليهِ الصِّيام، أما مَن كان مُفطِرًا لعُذرٍ شرعي؛ فيَجوز له أن يُفطر في نهار رَمضان؛ بسبب عُذرِه. وسيأتينا بيانٌ مُفصَّل للأعذارِ المُبيحةِ للفِطر في نَهار رَمضان.
وجاء في النصِّ الآخَر عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- بيانٌ لصِفة الفَجر الكاذب وصِفةِ الفَجر الصَّادق:
ففي «صَحِيح مُسلِم»: عن سَمُرة بن جندب -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «لا يَغُرَّنَّكُمْ أَذانُ بِلال» وهو الأذان الأوَّل الذي يكون عند الفَجرِ الكاذب، أو قبل الفَجر الكاذب -أحيانًا- «ولا هذا البَياضُ» هذه إشارة إلى أنه قبل الفَجر الكاذِب -وهو الذي نحن الآن في صدد بيانُه- «لا يَغُرَّنَّكُمْ أَذانُ بِلال، ولا هذا البياضُ لِعَمودِ الصُّبحِ حتى يَستَطِير» هذه إشارة إلى أن الفَجر الكاذب يَخرج عمودِيًّا، قَالَ: «حتى يَستَطير» يَخرُج أُفقيًّا؛ فالفَجر الكاذب: صِفتُه أنه عَمودي دون انتشارٍ، ثم يَذهب، ويكون فيه شيءٌ مِن البياض، يَذهب البَياض، ثم يَنتشر بلَوْنٍ أحمر يَبدأ بالانتِشار، فإذا بَدأ بالانتشار في اللونِ الأحمر؛ فإنه -حينئذٍ- يكون هو الفَجر الصَّادق.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 932