responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 931
قَالَ: «وكان -يومَه- يعمل» اليَوم هو يوم عمل -بالنِّسبَة له-، وجاء وقتُ الإفطار حتَّى يرتَاح ويأكُل ويَطعَم «فغلَبْتُه عيناهُ» مِن شِدَّة تَعَبِه غلبتْه عيناهُ ونام «فجاءَتْ امرأتُه، فلما رأَتْهُ قَالَت: خيبةً لك!» يعني: الخَيبة مِن الحرمان؛ يعني: كأنَّك حرمتَ نفسَك بأن لم تَنَلْ طلَبَك، «فلما انتصفَ النَّهار» طبعًا: طالما أنَّه نام؛ فسيَسْتَمِرُّ صائمًا إلى اليَوم التَّالي، إلى الوقت الآخَر الآتي من الإفطار وهو اليَوم التَّالي.

«فلما انتصفَ النَّهار؛ غُشِي عَليهِ» أغمي عَليهِ -رضيَ اللهُ عنهُ-؛ لأنه لم يأكُل، ولم يشرَب، وظلَّ صائمًا من اليَوم السَّابق، «فذُكر ذلِك للنَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-»، ذُكر له أن -هنالك- صحابيًّا حصَل معهُ كذا وكذا، وفي وقت الإفطار نام فَلم يأكُل، وفي اليَوم التَّالي غُشي عَليهِ في وسط النَّهار! «فذُكِر ذلِك للنبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-؛ فنَزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]». وهنا ذِكرُ (الرَّفَث) -وهو إتيان الزَّوجة-؛ كَذِكرِ الأكل -هناك-؛ هو إشارة إلى ما في معناه؛ ذكر الأكل: إشارة إلى الشُّرب وإشارة إلى إتيانِ الأهل، وذكر الرَّفَث إلى النِّساء -هنا-: إشارة إل الأكل وإشارة إلى الشُّرب، فما جاز مِن المُفَطِّرات في بعضه يَجوز كلُّه -كما في الموضع الأول، وكما في الموضع الثَّاني-.

«ففرِحُوا بذلِك فرحًا شديدًا» فرِحُوا أنَّ اللهَ -تَعالَى- هوَّن عَليهِم، والله -تَعالَى- يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]؛ فالله -تباركَ وتعالَى- (لطيفٌ) بخَلْقِه، (خبيرٌ) بما يُصلِحُهم، وبما يَنفعهم.
فنَزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرِحُوا بذلِك فرحًا شديدًا، ونزلت -زيادةً في الخير، وزيادةً في التَّوسعة على المُسلِمين-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] نزلت هذه الآية؛ توسعةً للأمَّة؛ أن الصَّائم إذا أفطر يَجوز له فِعل المُفَطِّرات -جميعًا-؛ مِن أكل وشُرب وإتيان زوجةٍ إلى الفَجر: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}.

لكن هنا طُرفة لَطيفة وقعت مِن بعض صحابةِ رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: لما نزلتْ هذه الآيةُ؛ كما في صَحيحَي «البُخاري» و «مُسلم»: عن عدي بن حاتم -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ- قال: «لما نزلَ قولُه -تَعالَى-: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}»؛ قَالَ: «عمدتُ إلى عِقَالَ أَسود، وإلى عِقَالَ أبيَض» يعني: خَيط غليظ، أو فَتلَة حِبال «فجعلتُهُما تحت وِسادتي، فجَعلتُ أنظر في اللَّيل؛ فلا يَستَبينُ لي!» يَضعُ الخَيط الأبيض والخَيط الأسود ليميِّزهما؛ توهَّمَ أن قوله -تَعالَى-: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} أن ذلِك متَعلِّق بخُيوط وحِبال، وما أشبه!

قَالَ: «فجَلعتُ أنظر في اللَّيل» يعني: في الخَيطين، أو في الحَبلَين؛ «فلا يَستَبين لي؛ فغدوتُ على رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-» منذُ الصَّباح ذهبتُ -مباشرةً- إلى النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-، فذكرتُ له ذلِك؛ فقَالَ: «إنما ذلِك سوادُ اللَّيل وبَياضُ النَّهار» كيف فهمتَ (الخَيط) -هنا- بمعنى: الخيوط الحقيقية، أو الحبال، وما أشبه ذلِك؟!

وثمَّةَ حديثٌ آخَر -أيضًا-: عن سهل بن سعد -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ-وهو في «الصَّحيحَيْن» - قَالَ: «لما نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}» قَالَ: «فكان الرَّجلُ إذا أراد الصَّوم؛ رَبَط أحدُهم في رِجلَيه الخَيطَ الأبيض والخَيطَ الأسود»!

انظُروا حِرصَ الصَّحابَة -رضيَ اللهُ عنهم- على معرفةِ الحق، وعلى تطلُّبِه، وعلى الوُقوف عنده وعدم تَجاوُزِه.

قال: «فكان الرَّجلُ إذا أراد الصَّوم؛ رَبَط أحدُهم في رِجلَيه الخَيطَ الأبيض والخَيطَ الأسود؛ فلا يَزالُ يأكُل ويشرَب حتى يتبيَّن له رُؤيَتُهما» حتى يميِّز الخيطَين -بعضَهما مِن بعض- «فأنزَل اللهُ -بعد ذلِك-: {مِنَ الْفَجْرِ}».
{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} هكذا نَزَل النَّصُّ -في البِداية-، فلما حَصلت هذه الوَقائع مِن بعضِ الصَّحابة؛ وضَّح النصُّ القُرآني -مِن جديد- المَقصُود؛ فقَالَ: {مِنَ الْفَجْرِ}؛ فعلِمُوا أنما يعني -بذلِك- اللَّيلَ والنَّهار.

ولكنْ: هذا الفَجرُ فَجران: فَجرٌ كاذب، وفَجر صادِق.

هذا ما سَنعلَمُه، وسنُبيِّنُه، ونَذكُر التَّفصيلَ فيه في المجلسِ القادم -إن شاءَ اللهُ-.

وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعيَّن-.

والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.

من هنا لسماع الحلقة السابعة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-7.mp3)
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 931
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست