إنَّ الحمْدَ للهِ، نَحمدُهُ، ونَستعينُه، ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفُسِنا، وسيِّئاتِ أعمالنَّا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هادِي له، وأشهدُ أن لا إِلَه إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أما بعدُ:
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهَدْي هديُ محمد -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، أما بعدُ:
فهذا لقاءٌ آخَر -مِن لقاءات العِلم والمعرفة والثَّقافة، والفَهم والفِقه في دين الله-، نتكامل فيه معكم -أيُّها الإخوةُ المُشاهِدون! وأيتُها الأخَوات المُشاهِدات! - في فِقهِ الصِّيام، وفِقهِ شَهر رَمضان، وما يتعلَّق به مِن أحكام -كالقِيام، وغير القِيام-.
مما يجبُ ذِكرُه والتَّنبيه عَليهِ:
أن بعض النَّاس قد لا يُدرِك أن اليَوم رَمضان إلا في وقتٍ مُتأخِّر -هذا في إثبات الشَّهر-؛ يعني: يكون أمسِ -مثلًا- آخر أيَّام شهرِ شَعبان، فيُصبح النَّاس صائِمين، بعضُ النَّاس قد يكون غاب عنهُ أنه يوجَد رَمضان؛ لم يَصله أن هذا اليَوم أُعلِن أنه رَمضان؛ فتَراهُ يأكُل. . في الطَّريق: يُنبِّهه بعض النَّاس. . في العمل: يَتناول ماء فيُنبِّهه زملاؤُه، أو أصدقاؤُه؛ يقولون له: (اليَوم رَمضان)! فيقول: (لا أعلم)!
فإذا أكلَ أو شَرِب وهو لا يعلم؛ فماذا يفعل؟ هل يَكون مُفطِرًا؟ هل يُتمِّم يومَه -بإفطارِه-، ثم يَقضي؟ هل يُمسك ثم يَقضي؟ هل يُمسِك ثم لا يقضي؟
المسألة خلافيَّة بين أهل العِلم.
لكن يَبدو أن أرجحَ الأقوال: هو أنه يُمسِكُ ويُتمُّ، ولا يَقضي.
فإن مِن المعروف أن يوم عاشُوراء كان فَرضًا على المُسلِمين، فلما فُرض رَمضان؛ تُرك عاشُوراء؛ كما قَالَ ابن مسعود، وكما قَالَت عائِشَة -في «صَحِيح مُسلِم» -؛ فالمَقصُود بـ «تُرِكَ عاشُوراء» أي: تُرك فَرضُه؛ وإلا فصيام عاشُوراء سُنَّة ثابِتة بإجماع الأمَّة -كما قَالَ الإمامُ ابنُ عبد البَر، وغيرهُ مِن أئمة العِلم-.
أما أن يُقال: أُمِروا بالقَضاء في ذلِك اليَوم الذي أخبرهم النَّبي -عَليهِ الصَّلاة والسَّلام- فيه أنه فُرض رمضان «فَمَن كان صائمًا فَليُتِم، ومَن كان مُفطِرًا فَليُمْسِك»؛ فليس -ثمَّةَ- دليل على ذلِك.
ويدل على هذا بعض الأحاديث عن النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-:
فعن عائِشَة -رضيَ اللهُ -تَعالَى-عنهَا- قالتْ: «كان رسولُ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- أمرَ بِصِيامِ عاشُوراء» أي: أَمْرَ فَرضٍ «فلما فُرضَ رَمضان؛ كان مَن شاءَ صامَ، ومَن شاءَ أفطَر» قوله: «كان مَن شاءَ صامَ، ومَن شاءَ أفطَر» دليلٌ على أنه كان قبلَ ذلِك مَفروضًا؛ ليس داخلًا صِيامُه في المشيئة، وإلا لو كان ما بعد ذلِك مُساويًا لما قبلَه؛ لما كان فائدة مِن قولِه: «فلما فُرِضَ رَمضان، كان مَن شاءَ صامَ، ومَن شاءَ أفطَر»؛ فدلَّت هذه العبارة -كما ذكرتُ، وأؤكِّد- على أنَّه كان -قبلَ فَرضِ رَمضان- فَرضًا مُستقِلًّا بِذاتِه. وهذا الحَديثُ في «الصَّحيحَيْن».
وثمةَ حديثٌ آخر -أيضًا في «الصَّحيحَيْن» -:
وهو حديث سلمة بن الأكوع -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ- قَالَ: «أمر النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- رجلًا مِن (أسْلَم)» أي: مِن قبيلة (أسْلَم) «أنْ أذِّنْ في النَّاس» أي: أخبِرهم وأعلِمْهُم «أنَّ مَن أَكَلَ؛ فَلْيَصُمْ بَقيَّةَ يَومِه، ومَن لم يَكُنْ أَكَل؛ فَلْيَصُمْ؛ فإنَّ اليَوم عاشُوراء» إذًا: هذا في أول فَرض عاشُوراء.
لكن هُنالِك حديث رواه الإمامُ أبو داود في «السُنَن»:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 929