responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 928
بعض أهلِ العِلمِ قال: حتى لا يتوهَّم الواحِد. يعني: الإنسَان المتلهِّف للفِطر، المتلهِّف للعِيد قد يُخيَّل إليه بعض الأمر، قد يَتوهَّم بعض الأمر، لكن إذا وُجد آخر؛ فإن هذا التَّوهُّم يندَفِع؛ فهذا شكٌّ؛ مع ذلِك: يندفع هذا الشَّك، ويثبُت الحكم الشَّرعي باليَقين -إن شاءَ اللهُ-، أو بما هو في درجة اليَقين؛ فالظن الرَّاجح -لا شكَّ، ولا رَيْب- أنه مِن درجات اليَقين.
هذا حُكم آخَر متَعلِّق بأول أيَّام الشَّهر وصِيامه-، يقول [النَّبيُّ]-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «مَن لم يُبيِّت الصِّيامَ مِن اللَّيل؛ فلا صِيام له»، وفي رواية: «مَن لم يُجمِع الصِّيامَ من اللَّيل؛ فلا صِيامَ له» يُجمِع ويبيِّت: أي النِّيَّة.

هنا اختلف الفُقهَاء قَالَوا: هل لا بُدَّ أن تكون النِّيَّة يوميَّة؟ أم تكفي النِّيَّة في أول الشَّهر؟

أنا أقولُ: ما دمتَ -أيُّها المُسلِم- عارفًا بحُكم هذا الشَّهر ودخوله، وقادرًا على الصِّيام، ومُلزِمًا نفسَك به، لم يَحُل بينك وبين ذلِك سَفرٌ أو مرض؛ فأنتَ مجدِّد لهذه النِّيَّة -كما يُقال- تلقائيًّا؛ بل إن عدم نيتِك الفِطر هي صَوم؛ بل إن قيامَك للسحور -ولو على جرعة ماء- هذا نيَّة، وهذا عَزم.
وهنا أنبِّه إلى تنبيه: أن النِّيَّة عزم القَلب على فِعل الشيء، وليس للِّسَان علاقَة بالنِّيَّة -لا نيَّة الصَّلاة، ولانيَّة الصِّيام، ولا أي نيَّة من النَّوايا-؛ إنما الواجب أن تكون النِّيَّة في موطِنها الأصْلي وهو القَلب.

فالنِّيَّة في اللُّغة: هي العزم والقَصد، وفي الشِّرع: هي العزمُ والقصدُ لِفعلٍ مُعيَّن وحُكم مُعيَّن لهذا الفِعل.

بعض الفُقهَاء ماذا يقولون؟ يقولون: النِّيَّة في القَلب إلا نيَّة الحج والعُمرة؛ وهذا غلط؛ بل نيَّة الحج والعُمرة -أيضًا- في القَلب؛ ولكن: أين موضع الغَلط؛ بل أين مَوضع الالتباس المُوقِع بهذا الغَلط؟

أنا أقول: لم يُفرِّقوا بين النِّيَّة وبين الإهلال بالعُمرة أو الحج، أو التَّلبية بالعُمرة والحج؛ وإلا منذ خرجتَ مِن بلدك قاصدًا مكة المكرمة؛ فأنت ناوٍ ومُتلبس بالنِّيَّة -سواء في عُمرة، أو حج-، ولكن: لا يَجوز أن تُهِلَّ بالعُمرة أو بالحج، وأن تُلبيَ بهما، أو أن تُحرِم بهما إلا في مقامات معيَّنة، ومواضع مَعروفة هي الَّتِي بيَّنها رسول الله -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ وهي مواقيت الحج المكانيَّة.

مواقيت الحج المكانيَّة معروفة: أشهرها -الآن-لأن أكثر النَّاس يذهبون إلى المدينة النبوية، ويَمرُّون منها إلى مكة- أشهرها: (ذو الحُلَيفة) -الذي يُسمَّى (آبار علي) -.

وبالمناسبة: ذكر شَيخ الإسلام ابن تيميَّة: أن تسمية هذا المكان وهذه المنطقة بـ «آبار علي» تسميَة لا أصلَ لها في السُّنة، ولا في التَّاريخ: فقد ذُكر أنَّ عليًّا -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ- قاتل بعضَ الجِن وحبَسهم في آبار في هذه المنطقة -ذي الحليفة-؛ فسُمِّيت هذه المنطقة (آبار علي)، وهذا لا أصل له في السُّنَّة.

نَرجع إلى ما ذكرناه -ابتداءً- وهو أن نقول: إنَّ النِّيَّة هي عَزم قلبيٌّ محض ولا مَوضع للِّسَان فيه؛ تجديدك النِّيَّة، وعزمك على الصَّوم، ومجانبتك للفِطر، وقدرتك على الصَّوم بدون مرض، وبدون سفَر؛ فأنت مجدِّد لهذه النِّيَّة بِعزمك المتجدِّد -إن شاءَ اللهُ- الذي تريد فيه مرضاة الله -تَبارَك وتَعالَى-.

لكن هُنا استِثناء آخر: وهو أن هذه النِّيَّة مفروضة ومشروطةٌ لصِيام الفَريضَة، أما صِيام النَّافلة؛ فقد صحَّ وَوَرد في «صَحيح الإِمام مُسلم»: عن عائِشَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهَا-: أن النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- كان يأتِيها -في غير رَمضان-، ويقولُ لها: «هل عِندكم مِن غَداء؟» يعني: طعام، قَالَ: «وإلا فإنِّي صَائِم»؛ بمعنى: إذا وُجد طعام يأكُل، وإذا لم يوجد قَالَ: «إنِّي صائِم»، وهذا يقوله في أول النَّهار، لم يَقُلهُ في اللَّيل؛ حتى نقول: مَن لم يُجمع أو مَن لم يُبيِّت الصِّيام فلا صِيام له؛ لا. هذا حكم، وهذا أرجح الأقوال -وإن كان في المسألة خلاف-.

إذًا: النِّيَّة في صِيام رَمضان مطلوبة في اللَّيل، وفي غير رَمضان لا يُشترط لها ذلِك.

وقد ورد مثل هذا الحكم -في صِيام النَّافلة والتَّطوع في النَّهار دون تَبييت النِّيَّة كصيام رَمضان- عن عدد مِن الصَّحابَة -عن أبي الدَّرداء، وأبي طلحة-رضيَ اللهُ عنهُم-، وأبي هُرَيرَة، وابن عبَّاس، وحُذَيفة بن اليمان، وغيرهم -رضيَ الله-تَعالَى-عنهُم-أجمعيَّن-.

هذا ما أعاننا الله -تعالى- عَليهِ في هذا اللِّقاء المبارَك، سائلين الله -تباركَ وتَعالى- أن يفقِّهنا في دينِنا، وأن يرزقنا القَول الحسن، والخُلُق الحسَن، والفِعل الحسَن، وأن يتقبَّل منا الصِّيام والقِيام؛ إنه ولي ذلِك والقادر عَليهِ.

وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على نبينا محمَّد، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعيَّن-.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِين. وصلَّى اللهُ، وسلَّم، وبارَك على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه، وصحبِه -أجمعيَّن-.

والسَّلامُ عَليكم ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُه.

من هنا لسماع الحلقة السادسة (http://www.ballighofiles.com/umzayd/fiqh-siyam-halabi-6.mp3)
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 928
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست