نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 925
نعم؛ ذهب بعضُ أهلِ العِلم إلى أنَّه يَجوزُ الاستِدلال به لكن بِشُروط؛ وحقيقةً هذه الشُّروط -الَّتِي ذكرها الحافِظ ابن حَجرٍ العَسقلاني في كتابِه «تَبيِين العَجَب فيما وَرَد في فَضلِ رَجَب» - أقول: لا يُستطاعُ تَطبيقُها إلا في أضيَقِ نطاقٍ، ومِن خاصَّة طلبةِ عِلمِ الحَديثِ، أو أهل الحَديثِ، أو علماء الحَديثِ؛ أما عامَّة المتفقِّهة، أو عامَّة أهل العِلم -فضلًا عن عامَّة النَّاس-؛ فإنهم لا يستطيعُون ذلِك، ولا يقدرون عَليهِ -لا في كَثِير ولا في قليل، لا في كَبير ولا في صَغير-.
فعن عَمْرو بن مُرَّة الجُهَني -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: جاء رجل إلى النَّبي -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- فقَالَ: يا رسولَ اللهِ! أرأيتَ إن شَهدتُ أنْ لا إِلَه إلا اللهُ، وأنك رسول الله، وصلَّيتُ الخمسَ، وأدَّيتُ الزَّكاة، وصُمتُ رَمضان وقُمتُه؛ فمِمَّن أنا؟ قَالَ: «مِن الصِّدِّيقين والشُّهداء»؛ أيضًا: فضل كَبير!
أنتَ بِقيامك القَدْر الواجب: شهادة أن لا إِلَه إلا اللهُ وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصوم رَمضان، وبعض المستحبَّات -كالقِيام-؛ تكون من الصِّدِّيقين؟! تكون كمثل ما كان عَليهِ أبو بكر الصديق -وإن كان أفضل الأمَّة بعد رسول الله-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟! لكن المرتبة قد تَتساوَى، وإن كانت المنزلة تَتفاوت.
والنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فوالذِّي نفسِي بِيدِه؛ لو أنَّ أحَدَكم أَنفَقَ مِثلَ جَبَلِ أحُدٍ ذَهبًا ما بَلغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصيفَهُ»، والمدُّ: هو ما تجتمع به اليدان مما يُحمَل فيهما؛ فكيف إذا عرَفنا أن إنفاقَ جَبلِ أحُد ذهبًا -بطولِه الكَبير، وعرضِه العظِيم، وارتفاعِه الجَليل- أن يكون ذلِك-كلُّه-ذهبًا- لا يستطيع أن يصِلَ إلى جزءٍ يسيرٍ مِن الصَّحابَة، وفي الحقيقة: هذا مُستحيل! لأنه لا يوجَد من الذَّهب في الكَون -كلِّه- ما قد -أو أقول قد- ما يمكن أن يصلَ إلى جبَلِ أحُد الذي هو -لا أبالغ إذا قُلت- آلاف الأطنان.
فالأمر ليس بالسَّهل ولا باليَسير؛ مكانة الصَّحابَة عُظمى، منزلتهم كُبرى، يجب أن تكونَ قلوبُ المُسلِمين -كلِّهم- عَليهِم بالإحسان، والبِرِّ، والدُّعَاء، والتَّعظيم، والإجلال، والإكرام، وأن أيَّ انتقاصٍ منهم -سواء أكان ذلِك بالعبارة، أو بالإشارة-في قليلٍ، أو في كَثِير-؛ فإن ذلِك باب شَرٍّ، وإنَّ ذلِك طريق ضَلال يُشابه فيه الواقعُ بذلِك أهلَ الشَّر الذين محَّضُوا أنفسَهم -فقط -والعياذُ باللهِ- لسَبِّ الصَّحابَة، وهم يَحسَبون أنهم مُسلِمون!
أيضًا: كما جاءنا التَّرغيب؛ جاءنا التَّرهيب، كما جاءنا التَّرغيب في صيام رَمضان؛ جاءنا التَّرهيب من فِطْرِه:
كما قَالَ النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- فيما يَرويهِ أبو أمامةَ الباهِلي -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: سمعتُ رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- يقول: «بينما أنا نائمٌ أتاني رَجلان، فأَخَذَا بِضَبُعي» يعني: بِعَضُدي، الضَّبُع: هو العَضُد «فأتَيَا بي جَبَلًا وعِرًا» هذا -كلُّه- في الرُّؤيا، ورؤيا الأنبياء حقٌّ «فقَالَا: اصعدْ! فقلتُ: إني لا أطيقُه» لا أقدر عَليهِ «فقَالَا: سنسهِّلُه لك، فصعدتُ» تسهَّل، وكل ذلِك رؤيا «حتى إذا كنتُ في [سَواءِ] الجَبل» يعني: في وسطِه «إذا بأصواتٍ شديدة» أصوات عظيمة «قُلت: ما هذه الأصوات؟ قَالَا: هذا عواءُ أهلِ النَّار، ثم انطُلِق بي» أكمَلوا المسير «فإذا أنا بقومٍ مُعلَّقِين بِعراقِيبِهم» والعَراقيب في الأرجُل «مُشقَّقة أشداقُهم» الأشدَاق: هي جانبا الفَم «تَسِيل أشداقُهُم دَمًا، فقُلتُ: مَن هؤلاء؟ قَالَ: الذين يُفطِرُون قَبلَ تَحِلَّةَ صِيامِهم» يعني: يأكُلون وقد حُرِّم عَليهِم الطَّعام أثناء يوم الصِّيام؛ هذا عذابهم، ورؤيا الأنبياء حق، هذا مَصيرُهم: أن يكونوا على هذا الحال -وبئسَ الحال! -والعياذ بالله-تَبارَك وتَعالَى-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 925