نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 918
حديثُ أبي أُمامَة الباهلِي -رضيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قلتُ يا رسولَ اللهِ! دُلَّني على عَمَلٍ أدخُلُ به الجنَّة، فقَالَ له -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «عَليكَ بالصِّيامِ؛ لا مِثْلَ لَهُ»، وفي رِواية: «لا عَدْلَ لَهُ» أي: لا يُماثِلُه شيءٌ، والحَديث رواهُ النَّسائي وابنُ حبَّان وغيرُهما بالسَّند الصَّحيح.
هذا الحَديثُ يبيِّن -أيضًا- تِلكُمُ المكانة، وتِلكُم المنزلة الكَبيرة الَّتِي للصِّيام في الإسلامِ، وفي سُنَّةِ رسول الإسلام -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
وهُنالِك حديثٌ جمَعَ عِدةً مِن الفضائل، وهو في «الصَّحيحَيْن» - «البُخاري» و «مسلم» -: عن أبي هُرَيرَة -رضيَ اللهُ عنهُ-. .
ودائمًا نحنُ نُكرِّر: عندما نَذكُر أبا هُرَيرَة؛ نَذكُر مكانتَه، ونَذكُر منزلتَه، ونَذكُر عِظَم قدرِه في العِلم والرِّوايَة عن رسولِ الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم- مما غاظَ الكثيرين -مِن المستَشرِقين، ومِن المستغرِبين، ومِن الحاقِدين- الذين ألَّفوا كتبًا خاصَّة في نَقد أبي هُرَيرَة، وفي الرَّد عَليهِ -رضيَ اللهُ عنهُ-، وتصدَّى لهم أهل العِلم -عبرَ تاريخ الإسلام-؛ ليُبيِّنوا مكانة أبي هُرَيرَة، ومنزلةَ أبي هُرَيرَة، وأنه مِن أعظم ساداتِ الصَّحابَة -رضيَ اللهُ-تَعالَى-عنهُ-.
قَالَ أبو هُرَيرَة: قَالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-: «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ؛ إلا الصِّيام؛ فإنَّه لي وأنَا أَجْزِي بِه».
بعضُ أهل العِلم قَالَ -إشارة إلى نوع آخر مِن فَهمِ الحديث، وفِقه الحديث- قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ» أي: له أجرٌ محدود؛ «إلا الصِّيام» فإنه ليس له أجر محدود؛ كما ذكرنا في الآية الكريمة؛ قَالَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، والصَّوم شهر الصَّبر؛ إذن: الذي يَصبر على الصَّوم في شهر الصَّبر؛ أجرُه بغير حساب.
هذا وجه آخَر ذكره العِلماء في تفسير هذا الحَديثِ: «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ؛ إلا الصَّوم؛ فإنَّه لي وأنَا أَجْزِي بِه، والصِّيام جُنَّة» «جُنة»: يعني وقاية يتَّقي بها الإنسَان سَخَطَ الله، ويجتنب فيها العبدُ ما يُغضب ربه -عزَّ وجلَّ-؛ فبالصِّيام يَشعر العبدُ بالعُبودية لله -كما يُريد الله-، يَشعر العبدُ بانكسار النَّفس وذُلِّها وبُعدِها عن الشَّهوات والشُّبهات؛ فهو مُتلبِّس بعبادة تَستغرق عقلَه وقلبَه وجوارحَه، لا يَنحرف ذاتَ الشِّمال، ولا يَنصرفُ ذات اليمين؛ وإنما يُريد بها رِضا الله، والمتابعةَ لسُنَّةِ رسول الله -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم-.
قَالَ: «وإذا كانَ يَوْمُ صَومِ أحدِكم؛ فلا يَرفُثْ، ولا يَسخط» «لا يَرفثْ»: يعني أن يقع بالأمور -يعني- الَّتِي تخالف الشَّرع؛ مِن الكَلام السَّيِّئ، ومما يُسخط الله، ومن الإيذاء للمُسلِمين، ومن الإساءة لعامَّة النَّاس؛ فالصَّائم -كما قلتُ- مُنكسر بِعبادته؛ فلا يُناسب هذا الانكسارَ رَفَثٌ أو صَخب -أعاذنا اللهُ وإيَّاكم-.
قَالَ: «فَإِنْ سَابَّهُ أحَدٌ، أو قَاتَلَهُ؛ فَلْيَقُلْ: إنِّي امرؤٌ صائِم» يعني: حتى لو وَصل أن آذاهُ النَّاس بالسَّبِّ، أو الشَّتم؛ فلا يقابل هذا السَّبَّ بسَبٍّ آخر، ولا يقابل هذا الشَّتم بِمثلِه؛ وإنما عَليهِ أن يُقابلَه بالرَّحمَة وبالصَّبر، وبأن يُشعرَه أنه صائِم، ولطالما أنَّه صائم؛ إذن هو صابِر على جُوعِه، صابر على عطَشِه، صابرٌ على شَهواتِه، صابر على شُبهاتِه، صابرٌ على مَن يُؤذيه، والله -تَبارَك وتَعالَى- يقول: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14]، ويقول اللهُ -تَبارَك وتَعالَى-: {إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عنِ الذينَ آمَنُوا} [الحج: 38]؛ فلَئن صبرتَ على هذا الأذى؛ فاللهُ يُدافع عنك.
بعض النَّاس يَظن أنه إذا صَبر، أو قَالَ لهذا المؤذِي له: «إنِّي امرؤٌ صائِم» أنَّ في هذا ذُلًّا له، وانكسارًا له؛ لا؛ بل هذا قوَّة؛ كما قَالَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَة؛ ولكنَّ الشَّدِيد الَّذِي يَملِكُ نَفْسَه عند الغَضَبِ».
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 918