نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 916
وقد ذكر أهل العِلم أن صيام شهر الصَّبر -وهو شهر رَمضان- يتضمن ثلاثة أنواع من الصَّبر:
أولها: الصَّبر على طاعة الله.
الصَّبر على الطَّاعة بالقِيام بها، والالتزام بأمرها، والحُب لها، والقُدرة عَليهِا.
وأما الشيء الثَّاني: فهو الصَّبر على معصية الله؛ بالمجانبة لما نَهاك الله -تَعالَى- عنهُ؛ مِن أمور مُفطِّرة للصائم ومُفسدة لصَومه، أو مِن أمور محرَّمة -لكن يزداد إثمُها في شهر الصِّيام، وفي أثناء رَمضان-.
وسيأتينا ذلِك؛ سواء مُفسِدات الصَّوم ومُبطِلاته، أو الأشياء المحرَّمة الَّتِي نص النَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- على أنها ممنوعة في هذا الشَّهر، وفي أثناء الصِّيام، هي ممنوعة -دائمًا-؛ لكن يتأكد منعُها أثناء الصِّيام، وأثناء هذه العبادة العظيمة الَّتِي كما ذكرتُ -وأكرِّر- هي ركن مِن أركان الإسلام.
والثَّالث: الصَّبر على أقدار الله.
الإنسَان إذا رضي بالقَضاء واطمأنَّ به قلبه، وانشرح به صدرُه؛ كان ذلِك عنوانًا مِن أعظم عناوين العبودية لله -تَبارَك وتَعالَى-؛ لذلِك قَالَ بعضُ أئمة السلف: (القَدَر نِظامُ التَّوحيد)؛ فمَن عظَّم قضاء الله وقدَرَه في نفسه، واستسلَم له، وأذعنَ لِحُكمه؛ فإنه -لا شكَّ ولا رَيْب-؛ يكون في أرقى مقامات العبوديَّة، وفي أعظم أماكن التَّوحيد الَّتِي أمره الله -تَبارَك وتَعالَى- بها.
والنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أمر بالصِّيام عامَّة النَّاس وخاصَّتهم؛ فقَالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «يا معشر الشَّبَاب» يخصِّص الشَّبَاب «مَن استطاع منكُم الباءةَ فليَتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرج» الباءة: هي المقدرة على الزَّواج -سواء هي المقدرة البدنيَّة، أو المقدرة الماديَّة، أو غير ذلِك- «مَن استطاع منكُم الباءة فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصَرِ، وأحصن للفَرج» البَصر يكون مُنكسرًا عن المحرمات، يكون مُبتعدًا به صاحبُه عن التَّعدي على الحُرُمات، «وأحصنُ للفرج»، فإذا استرسل البصرُ بالنَّظر إلى المحرَّمات؛ لا شكَّ ولا رَيْب أن الشَّهوة تنتشر على صاحبها، وتَحرفه عن طاعةِ المولى -سُبحانَهُ وتَعالَى-، وعن الالتزام بأن يكون عبدًا ربانيًّا -كما أمر الله-تَبارَك وتَعالَى-.
قَالَ: «ومَن لم يَسْتَطِعْ؛ فعَليهِ بالصَّومِ؛ فإنَّه لَهُ وِجاء»، «إنَّه لَهُ وِجاء» أي: حماية ووقاية، هذا إذا كان في الصَّوم النَّافلة؛ فمِن باب أولى أن يكونَ في صَوم الفَريضَة -مِن باب أولى-؛ فصيام الفَريضَة فيه التزامٌ بأصلِ الصَّوم، وفيه التزام بفَرضِ الصَّوم؛ مما يجعل الأجرَ مُضاعفًا ومعظَّمًا عند الله -تَبارَك وتَعالَى-.
والنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «حُفَّت الجنَّةُ بالمكارِهِ، وحُفَّت النَّارُ بالشَّهَوات» -كما في الحَديثِ المتَّفق على صحَّته عن أبي هُرَيرَة -رضيَ اللهُ-تعالى-عنهُ-؛ وفي هذا إشارة إلى أن الصَّومَ الذي قد تكرهُه النَّفس هو مِن أسباب دخولِ الجنَّة.
كثيرٌ من النَّاس يتأذَّى؛ وبخاصَّة -نسألُ الله أن يعافيَنا وإيَّاكم- الذين ابتُلوا بالتَّدخين، والتَّدخين -لا شكَّ ولا رَيْب- محرَّم، وهذا قول جماهير أهل العِلم والدِّين-على كافَّة عصور المسلمين-منذ اكتُشف إلى هذه اللحظة-؛ فكثير مِن النَّاس تراهُ إذا خَتم صَومَه وابتدأَ بِفِطرِه؛ فإنه يُفطر على الدُّخان -قبل أن يفطِرَ على التَّمر-! وهذا لا يجوز؛ قبل أن يُفطر على الماءِ العذب الذي أحلَّه الله -سُبحانَهُ وتَعالَى-! فإذن: النَّفس قد تستصعبُ هذا الأمر.
نعم، نحن نقول كما قَالَ اللهُ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]؛ لكن بالمقابل -وقد جاءَتْك هذه الفرصة العظيمة في أن تُصابر نفسَك-ثنتي عشرةَ ساعة، أو ثلاث عشرة ساعة-؛ مِن باب أَولى أن يكون شهر رَمضان بدايةً مُباركة لكَ أن تُقلع عن التَّدخين، هذه العادة السيئة الَّتِي تعصي فيها ربَّك، وتُؤذي فيها أقربَ النَّاس إليك -مِن زوجة، وولد، ووالِد، وابن، وجارٍ، وصَدِيق-؛ بل تؤذي فيه المَلائِكة؛ فالنَّبي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «إنَّ المَلائِكة تَتَأذَّى مما يَتَأذَّى مِنْهُ بَنُو آدمَ» وهذا لا يَجوز -بالاتفاق-.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 916