نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 749
وبعد فراغِه مِن الصَّلاة يُحرِم، والإحرام نيَّةُ الدُّخولِ في النُّسُك، فينوي بِقلبِه الدُّخولَ في النُّسُك الذي يُريده من حجٍّ وعمرة، ويُشرع له التلفُّظ بما نَوى، فإن كانت نيَّتُه العُمرة؛ قال: (لبَّيكَ عُمرةً)، وإن كان نيَّته الحج؛ قال: (لبَّيكَ حجًّا)، أو: (اللَّهُمَّ لبَّيكَ حجًّا)، وإن نواهما جميعًا؛ لبَّى بذلك فقال: (اللَّهُمَّ لبَّيكَ عُمرة وحجًّا)، ولو لم يتلفَّظ كفَتِ النِّيَّةُ، ولا يقول شيئًا بين يدي التَّلبِية؛ مثل قولِهم: (اللَّهُمَّ إني أريدُ الحجَّ -أو العمرةَ- فيسِّرهُ لي وتقبَّلهُ مني)؛ لعدمِ وُرودِه عن رسُول اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.
والأفضلُ أن يكونَ التَّلفُّظُ بذلك بعد استوائِه على مركوبِه -مِن دابَّةٍ أو سيَّارة أو غيرهما-؛ لأنَّ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- إنَّما أهلَّ بعدما استوى على راحلتِه، وانبعثتْ به من الميقاتِ للسَّير، هذا هو الأصح من أقوالِ أهل العلم.
ويكون مُستقبِلًا القِبلةَ؛ لأنَّ ابنَ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُما- كان يَركبُ راحلتَه، فإذا استوتْ به؛ استقبلَ القِبلةَ قائمًا، ثم يُلبِّي، ويخبر أنَّ رسُول اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فعل ذلك، ويقول: «اللهمَّ هذه حجةٌ لا رِياءَ فيها ولا سُمعةَ» -كما رواه الضِّياءُ بسندٍ صحيح عن رسُول اللهِ-صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، وإن أحبَّ قرَن مع تلبيتِه الاشتراطَ على ربِّه -جلَّ وعلا-؛ خوفًا من العارِض -مِن مرضٍ، أو خوفٍ-؛ فيقولُ عند إحرامِه: «فإن حَبَسني حابِسٌ فَمَحِلِّي حيث حبَسْتَني» -كما جاء في تعليم النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ضباعةَ بنت الزُّبير-وكانت شاكية-.
* فائدةُ الاشتِراطِ:
أنَّه إذا مُنع مِن إتمام نُسُكِه؛ تَحلَّل مجَّانًا؛ أي: ليس عليه فديةٌ، ولا قَضاءٌ.
وإذا أَحرمت المرأةُ بالعُمرة فلها أن تشترطَ؛ خشيةَ الحيض؛ لأنَّه يحبسُها عن إتمامِ عُمرتِها، ولا تستطيعُ معه التَّخلُّفَ عن رِفقتها، وأما الحجُّ فوقتُه واسع؛ فالحيضُ لا يكونُ فيه إحصارٌ، ولا حرجَ أن تأخذَ المرأةُ ما يمنعُ العادَةَ الشَّهريَّة في أيَّام الحجِّ والعمرةِ حتى تطوفَ ولا تُحبَس عن شيءٍ من أعمال الحج.
ومَن رفض إحرامَه؛ لم يفسُد إحرامُه بذلك، ولم يلزمْهُ دمٌ لذلك الرَّفض؛ لأنَّه مجرَّد نيَّةٍ، والتَّحلُّل مِن الحجِّ لا يحصلُ إلا بأحد ثلاثةِ أمورٍ: إمَّا بإكمالِ أفعالِه، أو التَّحلُّل منهُ عند الحصرِ، أو بالعُذر إذا شرط في ابتداءِ إحرامِه: (أنَّ مَحلِّي حيثُ حبَسْتَني).
وقد ذكر العلامةُ ابنُ عُثيمين -رحمهُ الله- في «فتاويه» مسألةَ الاشتراط خوفًا مِن حوادثِ السَّيَّاراتِ، فقال: «الأفضلُ أن لا تشترطَ، وإن اشترطتَ؛ فلا بأسَ»، ومالَ إليه سماحةُ الشَّيخِ ابنِ بازٍ -رحمهُ الله- في شرحِه لـ «بلوغِ المرام».
* التَّلبِية وآدابُها:
التَّلبِية مِن شعائر الحجِّ، وهي إجابةُ دعوةِ اللهِ لخلْقِه حين دعاهم إلى حجِّ بيتِه على لسانِ خليله إبراهيم -عليه السَّلام-، وهي سُنَّةٌ مؤكَّدة، وفي التَّلبِية توحيد لله -تعَالَى-؛ ولهذا قال جابرٌ: «فأهَلَّ رسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بالتَّوحيد: لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ ..» إلى آخره.
وقولُه: «أهَلَّ .. بالتَّوحيدِ» إشارة إلى قولِه: «لا شريكَ لهُ».
ومِن آدابِ التَّلبِية أن يلبِّيَ بتلبيةِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وهي: «لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ، لبَّيكَ لا شريكَ لكَ لبَّيك، إنَّ الحمدَ والنِّعمةَ لكَ والملكَ، لا شريكَ لكَ»، وقد قال جابرٌ -رضيَ اللهُ عنهُ-: «لزِم رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- تلبيتَه، وكان مِن تلبيتِه: لبَّيكَ إلهَ الحقِّ».
وعن ابن عبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهُما-: أن رسُول اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- وقف بِعرفاتٍ، فلما قال: «لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبَّيكَ» قال: «إنَّما الخيرُ خيرُ الآخِرَةِ».
والاقتصارُ على تلبيتِه أفضل، وإن كانت الزِّيادةُ عليها جائزة؛ لقولِ جابر -رضيَ اللهُ عنهُ-: «والنَّاس يَزيدون: لبَّيكَ ذا المعارِج، لبَّيكَ ذا الفواضِل؛ فلم يردَّ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عليهم شيئًا منه»، وكان ابن عمر -رضيَ اللهُ عنهُما- يزيد فيها: «لبَّيكَ وسعدَيك، والخيرُ بيدَيك، والرَّغباءُ إليكَ والعمل».
والسُّنَّة رفع الصَّوت بالتَّلبِية؛ لقولهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «أتاني جبريلُ فأمرني أن آمرَ أصحابي ومَن معي أن يَرفَعوا أصواتَهم بالتَّلبِية»، ولقوله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: «أفضلُ الحجِّ العَجُّ والثَّجُّ» والعَجُّ: هو رفعُ الصَّوت بالتَّلبِية، والثَّجُّ: سَيلان دِماء الهدي والأضاحي.
والنِّساء في التَّلبية كالرِّجال -لعُموم النُّصوص-؛ فيرفعنَ أصواتَهنَّ ما لم تُخش الفتنة، قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمهُ الله-: «المرأةُ ترفعُ صوتَها بحيثُ تُسمعُ رَفيقتَها».
ولتَّلبِية مشروعةٌ في العُمرة مِن الإحرام إلى أن يَبدأَ الطَّواف، وفي الحجِّ مِن الإحرام إلى أن يبدأ برميِ جَمرة العقبةِ يومَ العيد.
والتَّلبِية الجماعيَّة -بأن يُلبِّيَ أحدُهم ويتبعه الآخرون-؛ لا تجوز؛ لعدمِ وُرودها عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ولا عن خلفائه الرَّاشدين؛ بل هي بدعة.
يتبع إن شاء الله
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 749