نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 607
وهذا ينقلنا إلى الأمر [التاسع]: وهو التثبُّت مما قد يُنقل إليك من أخيك، وعدم التسرُّع في إصدار الأحكامِ عليه، وعدم الحُكم على الأشخاص إلا بعد التثبُّت، إلا أن ترى شيئًا مثل الشمس أو أشد وضوحًا اشتد على مثل هذا أو دعك.
والتثبُّت خصوصًا عند كثرة الشائعات كما هو في هذا العصر، لا بد لطالب العِلم أن يتثبَّت عما يسمع، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ويقول النَّبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «إيَّاكم والظنَّ؛ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث».
ولذلك من ألوان التثبت: أن تحمل أخاك على المَحمل الحسَن -متى ما وجدتَ إلى ذلك سبيلًا-, ثم إن وجدتَ خطأ صريحًا، أو مخالفةً؛ تنصحه، وتنبِّهه -انطلاقًا من محبَّة الخير له-، ويكون ذلك برحمةٍ، بشفقةٍ؛ كما قال الله -عزَّ وجلَّ- عن نبيِّه -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.
ولذلك: فلا بُد من التثبُّت، وعدم الاستعجال في الحُكم على الأشياء؛ لأن بعض صغار طلبة العِلم أصبحوا يُفتون، حتى في بعض المشايخ الفضلاء، يُبدِّعون ويفسِّقون ويُضلِّلون -كما يشاؤون-، ويُصدرون أحكامًا جزافية -إما بناءً على فتوى شابٍّ لم ينضج في العلم، أو بناءً على فتاوى أخرى لعلها حصلتْ من البعضِ نتيجةً لتهويل بعض الشباب لبعض القضايا-؛ فيسيئون إلى إخوة حريصين في العلم، ومشايخ أفاضل منهم مَن هو يُدرِّس في مسجد رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، ثم يأتي البعضُ لينالَ منه، أو يطلب عدم السَّماع له، أو لا تأخذوا العِلم عنه، وهذا الذي يُحذِّر ربما أنه لم يبلغ عُشر مِعشاره في العلم، أو ربما كان تلميذًا له يومًا مِن الأيام، لكنَّ هذا التلميذَ تزبَّب قبل أن يتحصرم.
فانتبهوا لهذا؛ فإنه أمرٌ خطير، لا سيما أنتم الآن -ولله الحمد والمنة-، مَّن الله عليكم بالاجتماع والألفة، فلا تُمزِّقوا هذه الألفة بالظُّنون.
وهذا لا أعني به أن يظلَّ المسلم ذيلًا للمُبتدعة، أو أن ينضمَّ إليهم، أو أن يُمالئهم، أو أن يتعاونَ معهم؛ لكن أنا أقصد ذلكم الأسلوب الرخيص الذي يُنتهجُ هذه الأيام من بعض الأشخاصِ من أجل تشويه بعض المشايخ وبعض العُلماء وبعض الأفاضل وبعض طلبة العِلم دون رويَّة، ودون تثبُّتٍ، ودون أي دليل يمكن أن ينهض لِما يدَّعون.
فلننتبِهْ لهذا، ولنكن على بصيرة من أمرنا قبل أن تتفرَّق الكلمة بسبب هذه التصرُّفات الهوجاءِ، والتي ربَّما تَسرَّع فيها البعض من التَّبديع والتفسيق والتكفير كما يحلو له وكما يُريد.
احذروا من هذا، وارجعوا إلى المشايخ والعُلماء الربَّانيِّين الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدِلون، وإيَّاكم والتسرُّع، وإيَّاكم والعجلة، وإيَّاكم والأحكام الجُزافيَّة، وإياكم وتفرق الكلمة من أجل الاختلاف على بعض الأشخاص، أو من أجل فتاوى أشخاص صغار، أو أشباه الصِّغار في النيل من بعض العُلماء، أو في النيل من بعض المشايخ وطلبة العلم.
فانتبهوا لهذا!
الأمر [العاشر]: الجد والاجتهاد في العبادة والتقرُّب إلى الله -عزَّ وجلَّ- الذي يعينُكم على طلب العِلم الشَّرعي، قال الله -تبارَك وتَعالى-: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}، ويقول النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- لِحَبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي اللهُ عنهُما-: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظِ اللهَ تجدهُ تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة».
فعلى المسلم عامَّة، وطالب العِلم خاصَّة أن يجتهد في أن يعبدَ الله على بصيرةٍ، وأن يجتهد فيما يقرِّبه إلى الله -تبارَك وتَعالى-؛ إن ذلك هو طريق النجاة، وطريق الخلاص.
الأمر [الحادي عشر]: عدم التَّجرُّؤ على الفتوى، والبُعد عنها، وتركها لأهلها، قال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}؛ فطالب العِلم لا يتجرَّأ على الفتوى، قال بعض السَّلف: «أجرؤُكُم على الفتوى؛ أجرؤُكُم على النَّار».
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 607