نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 532
وأجيب عن الاستدلال بالحديث: بأنه معارضٌ بالأحاديث الصحيحة التي فيها فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، والقاعدة في الأصول: [أن المثبت مقدم على النافي عند التعارض]. فكلٌ أخبر عما رأى، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. ويمكن تأويله على أن مراده القنوت لغير نازلة، والجمهور على بدعيته.
- واستدل بعضهم أيضا بما أخرجه أحمد والنسائي من حديث أنس رضي الله عنه قال: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا بعد الركوع، يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه». وبما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاءَ بعدُ.
وجه الاستدلال بهذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه، وهذا دليل على نسخه.
وأجيب عن هذا: بأن تركه صلى الله عليه وسلم لا يدل على نسخه، بل على عدم وجوبه، وهذا ما نقول به، والقاعدة في الأصول: [أن ترك فعل المأمور به لا يدل على نسخه]. وجوابٌ آخر: يحتمل أن تركه كان بسبب ارتفاع النازلة، ووجود الاحتمال مسقط للاستدلال كما تقرر في الأصول.
وقد جاء عند مسلم عقب حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن أحد الرواة قال: «فقلت: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم، قال: فقيل: وما تراهم قد قدموا». أي ما تراهم قد قدموا إلى المدينة وانفك حصارهم.
الترجيح: الراجح عندي في هذه المسألة هو القول الأول، وذلك لقوة دليله، وعدم سلامة أدلة أصحاب القول الثاني من المعارضة.
الحكمة منه:
الله سبحانه وتعالى حكيم موصوف بالحكمة في أحكامه وأفعاله، فهو لا يشرع حكما إلا لمعنا يخرجه عن حيز العبث، وتلك المعاني منها ما هو منصوصٌ عليه فيجزم به لورود النص، ومنها ما هو مستنبطٌ فيذكر احتمالا مصدرا بـ لعل، لئلا يقعَ المرءُ في قفو ما لا علم له به.
ولعل الحكمة من شرعية دعاء القنوت التعريف بحال المسلمين المنكوبين في سائر البلدان لمناصرتهم، والاهتمام لأمورهم، والحزن لمصائبهم، وفي إظهاره تنبيه للغافلين والمقصرين الذين قد لا ينصرون إخوانهم ولو بالدعاء، مع ما فيه من شفاء صدور المؤمنين وإذهاب غيظ قلوبهم.
الصلوات التي يقنت فيها:
هذه الترجمة تحتها ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: القنوت في الصلوات الخمس:
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة هل يشرع أن يقنت في الصلوات الخمس جميعها أم في بعضها دون بعض؟، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يشرع في جميعها، وبهذا قال الشافعية والحنابلة.
[المجموع (3/ 506)، الإنصاف (2/ 125)].
ودليلهم على هذا: أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله في جميعها.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه من فعله القنوت في الفجر والظهر والعشاء، وقال: لأقربنّ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سبق ذكره.
وفي صحيح الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا القنوت في الفجر من فعله صلى الله عليه وسلم صريحا. وقد سبق ذكره.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم له في الفجر، ولفظه: سئل أنس بن مالك: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟، قال: نعم، فقيل له: أوقنت قبل الركوع؟، قال: «بعد الركوع يسيرا».
وفي مسند أحمد وسنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما القنوت في جميع الصلوات، وهذا لفظه: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل، وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه.
وفي صحيح مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح والمغرب.
وفي السنن الكبرى للبيهقي عن البراء أيضا القنوت في جميعها، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 532