responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 432
ذلك جهل لا تخلو عن إفراط؛ إذ الفرق بين القول بعموم التكفير ومذهب المرجئة في غاية الوضوح، ولو صح أن ذلك ذهاب إلى قولهم للزم مثله بالنسبة إلى التوبة؛ فإنه يسلم أنها تكفر الصغائر والكبائر، وهي من جملة أعمال العبد. فكما جاز أن يجعل الله سبحانه هذا العمل سببا لتكفير الجميع يجوز أن يجعل غيره من الأعمال كذلك.
وقوله: لو كان كما زعم ... إلخ- مردود؛ لأنه لا يلزم من تكفير الذنوب الحاصلة عدم الأمر بالتوبة وكونها فرضا؛ إذ تركها من الذنوب المتجددة التي لا يشملها التكفير السابق بفعل الوضوء مثلا؛ ألا ترى أن التوبة من الصغائر واجبة على ما نقل عن الأشعري، وحكى إمام الحرمين وتلميذه الأنصاري الإجماع على ذلك. ومع ذلك فجميع الصغائر مكفرة بنص الشارع وإن لم يتب على ما سمعت من الخلاف، وتحقيق ذلك أن التوبة واجبة في نفسها على الفور، ومن أخرها تكرر عصيانه بتكرر الأزمنة كما صرح به الشيخ عز الدين بن عبد السلام. ولا يلزم من تكفير الله تعالى ذنوب عبد سقوط التكليف بالتوبة التي كلف بها تكليفا مستمرا، وقريب من هذا ارتفاع الإثم عن النائم إذا أخرج الصلاة عن وقتها مع الأمر بقضائها. وما ورد من حديث أبي هريرة إنما ورد في أمر خاص فلا يتعداه؛ إذ الأصل بقاء ما عداه على العموم. وهذا مما لا مجال للقياس فيه حتى يخص بالقياس على ذلك، فلا يليق نسبة ذلك القائل إلى الجهل والرجا في الله تعالى شأنه قوي كذا قيل. اهـ. وأقول: إن المسألة سمعية محضة لا مدخل للعقل فيها بالكلية، والنصوص الواردة في ذلك متعارضة متكافئة. ومنها ما يقتضي عموم التكفير، ومنها ما يقتضي تخصيصه بالصغائر. ولكن الإجماع على فرضية التوبة من الكبائر يدل على التخصيص، والقول بأن التوبة من جملة أعمال العبد؛ فكما جاز أن يجعل الله سبحانه هذا العمل سببا لتكفير الجميع يجوز أن يجعل غيره من الأعمال كذلك- مردود على قائله؛ لأنه إن أراد الجواز العقلي فمسلم، وليس الكلام فيه. وإن أراد الوقوع السمعي فهو يتوقف على قيام الدليل على أنه سبحانه كما جعل التوبة سببا لتكفير الجميع جعل غيرها من الأعمال سببا لذلك، ولم يقم دليل على ذلك. ومجرد دعوى أن غير التوبة مثل التوبة في عموم التكفير هو موضع النزاع، والقول بأن لا يلزم من تكفير الذنوب الحاصلة عدم الأمر بالتوبة ... إلخ قد علمت مما قدمنا أنه غير متفق عليه، وأن منهم من قال: إن التمادي على الذنب بتأخير التوبة منه معصية واحدة ما لم يعتقد معاودته. ولا يقال: إنه تمادي على الذنب مع القول بتكفيره وسقوطه بالقربه؛ فإن التمادي عليه يقتضي بقاءه، وذلك يقتضي أنه إذا لم يتب فالذنب باق ويعد متماديا عليه وما استظهر به من قوله؛ ألا ترى أن التوبة من الصغائر واجبة ... إلخ- قد علمت ما فيه، وأن المسألة خلافية، وأن منهم من قال في الصغائر: إن الواجب إما التوبة وإما ما يكفرها من القربات، ولم ينقل أن أحدا قال مثل ذلك في الكبائر، بل الذي نقل هو الإجماع على وجوب التوبة منها، فما ذاك إلا لأنها لا يكفرها إلا التوبة. على أن قوله: على أن الصغائر مكفرة بالنص وإن لم يتب، وإن كان مسلما لكن لا يدل على أن أحدا قال بوجوب التوبة بعد تكفير الصغيرة بغيرها. وكذا القول بأنه لا يلزم من تكفير ذنوب عبد سقوط التكليف بالتوبة ... إلخ قول ساقط؛ لأن المعصية صغيرة كانت أو كبيرة هي التي أوجبت التوبة، وهي السبب في ذلك وليس لإيجابها والأمر بها سبب سواها، ولفظ التوبة يشعر بذلك؛ فالمأمور بها في الآية إنما هم المذنبون؛ ألا ترى أنه لو تاب العاصي من المعصية وسقطت معصيته بالتوبة لا تجب عليه التوبة منها مرة أخرى؟ فلو قلنا بسقوط الكبائر وتكفيرها بغير التوبة لم يكن للأمر بها بعد ذلك معنى كما قال ابن عبد البر؛ لأنها إنما أمر بها وفرضت لمحو الذنب وتكفيره، ومع القول بتكفير الكبيرة بالقربات لم يبق ذنب بعد فعل القربة حتى يؤمر بالتوبة وتفترض لمحوه وتكفيره.
ومن تأمل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ"، وكيف رتب رجاء التكفير على الأمر بالتوبة- لا يأبى قبول ما قلناه.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 432
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست