نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 431
وأما على الوجه الثالث فبأن لا يلزم من عموم التكفير عدم خوف الميعاد حتى يلزم الفساد كما زعمتم، إلا لو قلنا: إن التكفير واجب على الله تعالى. ولو لزم ذلك على القول بعموم التكفير بالقربات للزم مثله بالنسبة إلى التكفير بالتوبة؛ فإنها باتفاق تكفر الصغائر والكبائر، ولا يلزم من عموم تكفيرها عدم الخوف من الميعاد ولزوم الفساد. وقد تقدم الخلاف في القطع بقبول توبة العاصي، وأن مختار إمام الحرمين أن القبول ظني. وادعى النووي أنه الأصح، وإن قال الإمام في شرح البرهان: الصحيح عندي القطع بالتكفير. وقد وفق الحليمي بأن عدم القطع عقلي، بمعنى أنه لا يجب على الله عقلا قبولها. والقطع نقلي، بمعنى أن الله لما أخبر عن نفسه سبحانه أنه يقبل التوبة من عباده، ولم يجز أن يخلف وعده- علمنا أنه سبحانه من فضله لا يرد التوبة الصحيحة. وهذا بالحقيقة ميل من الحليمي إلى مذهب الأشعري، وتأويل لمختار إمام الحرمين.
وعلى كل حال، قوله تعالى: "يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ" وغيرها من الآيات والأحاديث- فيها دلالة على أن العقاب على الكبيرة بعد التوبة، وعلى الصغائر بعد التكفير جائز الوقوع عقلا كما صرح به النسفي وصدر الشريعة وغيرهما، فهذا هو الذي جعل العباد يخافون الميعاد، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وأما على الوجه الرابع فبأن المصرح به في الأصول أن العبرة في النصوص الشرعية لعموم اللفظ لا لخصوص سبب الورود؛ لأن سبب الورود قد يكون جزئيا من جزئيات النص الوارد كما هنا، على أنه جاء في بعض طرق الخبر الوارد في سبب النزول "أن أبا اليسر من الأنصار قبل امرأة، ثم ندم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام: أنتظر أمر ربي. فلما صلى صلاة قال صلى الله عليه وسلم: اذهب بها؛ فإنها كفارة لما عملت" فهذا يدل على أن المكفر هي الصلاة التي صلاها أبو اليسر، وأنها داخلة في الحسنات التي تذهب السيئات.
هذا، وقد اختلف القائلون بتكفير الصغائر فقط بالقربات هل هو مشروط باجتناب الكبائر؟ فقال الجمهور: هو مشروط كما سبق، وقال غيرهم: ليس بمشروط. استدل الجمهور بأن ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتنبت الكبائر"- يفيد الاشتراط كما يقتضيه "إذا اجتنبت الكبائر" الآتي في بعض الروايات. ولا يخفى أنه استدلال بمفهوم المخالفة للشرط، وفيه خلاف يأتي الكلام فيه. وقال الآخرون: الشرط في الحديث بمعنى الاستثنا، والتقدير مكفرات لما بينها إلا الكبائر. قال المحب الطبري في أحكامه: وهو الأظهر. اهـ.
ولا يخطر على بالك أنه على هذا الأخير يكون الحديث دليلا على عدم تكفير الكبائر بالقربات؛ لأن الحديث أولا ورد في خاص، ولا يلزم من أن هذه القربات الخاصة لا تكفر الكبائر أن ما عداها كذلك، والقياس لا مدخل له هنا. ثانيا- أنه استدلال بمفهوم الاستثنا وهو غير متفق على حجيته. ثالثا- أن كون الشرط بمعنى الاستثنا ليس بقطعي، وقد صرح النووي بأن القربات لا تكفر الكبائر ولكن تخففها إن لم تكن صغائر.
وقال ابن الصلاح في فتاويه: قد يكفر بعض القربات كالصلاة مثلا بعض الكبائر إذا لم يكن صغيرة، وقال بعضهم: إن القربة تمحو الخطيئة مطلقا سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وإليه ذهب صاحب الذخائر. واستدلوا على ذلك بظاهر قوله تعالى: "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "أتبع السيئة الحسنة تمحها"، وبما صح في عدة أخبار "من فعل كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، وفي بعضها "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، ومتى حملت الحسنات في الآية والحسنة في الحديث على الاستغراق فالمناسب حمل السيئات عليه. وبالجملة، فكل من الآية والحديث عام والتخصيص خلاف الظاهر، ولا دليل عليه، وفضل الله واسع. وإلى هذا القول مال ابن المنذر وحكاه ابن عبد البر عن بعض معاصريه، قال الألوسي: وعنى به فيما قيل أبا محمد المحدث. لكن رد عليه، فقال بعضهم: يقول: إن الكبائر والصغائر يكفرها (الطهارة والصلاة لظاهر الأحاديث)، وهو جهل بين وموافقة للمرجية في قولهم، ولو كان كما زعم لم يكن للأمر بالتوبة معنى. وقد أجمع المسلمون على أنها فرض. وقد صح أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "الصلوات مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر". اهـ. وفيه أن دعوى أن
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 431