نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 338
نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- المجرّدة عن العلم والحجّة صفة نقص وضعف؛ بخلاف النُّصرة المصاحبة لهما تكون صفة كمال وقوة؛ فالنُّصرة مثلما تقوم بالردع والقوة فهي تقوم بالعلم والحجّة؛ والقوة تطلب طلب وسائل، والحجّة تطلب طلب مقاصد، والقوة تابعة والحجّة متبوعة؛ فالحجّة تطلب على الدوام، والقوة تطلب عند الاحتياج.
قال الرازي عند تفسير قوله تعالى: [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ] {غافر:51}:" واعلم أن نصرة الله المحقين تحصل بوجوه أحدها: النصرة بالحجة، وقد سمى الله الحجة سلطاناً في غير موضع، وهذه النصرة عامة للمحقين أجمع، ونعم ما سمى الله هذه النصرة سلطاناً لأن السلطنة في الدنيا قد تبطل، وقد تتبدل بالفقر والذلة والحاجة والفتور، أما السلطنة الحاصلة بالحجة فإنها تبقى أبد الآباد" ([28] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn28)).
وقال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا] {الفرقان:31}؛ قال أبو السعود العمادي:"وعدٌ كريمٌ له عليه الصَّلاة والسَّلام بالهدايةِ إلى كافَّةِ مطالبِه والنَّصرِعلى أعدائِه أي كفاك مالكُ أمرِك ومُبلِّغك إلى الكمالِ هادياً لك إلى ما يُوصلك إلى غاية الغاياتِ التي من جُملتها تبليغ الكتاب أجلَه وإجراء أحكامه في أكناف الدُّنيا إلى يوم القيامة ونصيراً لك على جميع من يُعاديك " ([29] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn29)).
ومدار نصرة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على قوة الحجة ووجود القدرة؛ فتارة يكون الانتصار له بالحجة والقدرة، وتارة يكون بالحجة فقط، ولا يكون الانتصارله بالقدرة من غير حجة؛ كما قال تعالى: [وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ , إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ , وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ , فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ] {الصَّفات:171 - 174}.
قال الإمام الطبري رحمه الله: "أي: أنهم لهم النُّصرة والغلبة بالحجج، ونقل ذلك عن السُّدي" ([30] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn30)).
لذلك كان سلطان الحجّة أعظم من سلطان القدرة؛ لأنّ الدين لا يظهر ولا ينتصر إلا بظهور الحجّة، كما في ظهور حجّة الغلام في قصة أصحاب الأخدود أمام جموع الناس؛ فكانت حجته سببًا في إيمان المؤمنين؛ بخلاف القدرة فلا تؤثر إلا بواسطة الحجّة، يقول ابن القيم -معللًا تفضيل الحجّة على القدرة-: "لأنّ صاحب الحجّة له سلطان وقدرة على خصمه وإن كان عاجزًا عنه بيده" ([31] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn31)).
والمتتبع للسيرة النبوية يقطع جازماً أن الصحابة -رضي الله عنهم- قد نصروا رسولهم -صلى الله عليه وسلم- بمكة – بالحجّة؛ ونصروه بالمدينة بالحجّة والقدرة؛ وقد بينت ذلك بعض الآيات التي نزلت بالمدينة؛ كما قال تعالى: [وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ] {المائدة:56} (.
قال البغوي - رحمه الله- في تفسير الآية:) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ("يعني: يتولى القيام بطاعة الله، ونصرة رسوله والمؤمنين، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يريد المهاجرين والأنصار،) فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ (يعني: أنصار دين الله) هُمُ الغَالِبُونَ (" ([32] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn32)).
فالمصاحبة بين القوة والحجّة وعدم إلقاء العداوة بينهما في مواضع الدفاع عن الدين ونصرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- شرط لازم لرفع الدرجات وبلوغ الغايات، يقول ابن القيم: "إنّ العلم بالحجج والقوة على الجهاد مما رفع الله به درجات الأنبياء وأتباعهم؛ كما قال تعالى: [يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ] {المجادلة:11} , وقال: [وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ] {ص:45}؛ فالأيدي القوى التي يقدرون بها على إظهار الحق وأمر الله وإعلاء كلمته وجهاد
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 338