responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 333
ولما وضع عقبة بن أبي معيط رداءه في عنق النبي -صلى الله عليه وسلم- فخنقه خنقًا شديدًا جاء أبو بكر –رضي الله عنه- فدفعه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:) أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ (([5] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn5)).
فأبو بكر –رضي الله عنه- أظهر النصرة لقدرته، وابن مسعود –رضي الله عنه- كتمها لعجزه، وفي موضع آخر، صدع ابن مسعود بتلاوة القرآن أمام الملأ حتى ضرب، فهذا يدل على أن أفعال الصحابة كانت تدور مع مقاصد الدين ومصالح الشرع لا مع الرأي والهوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وفرق بين الكذب وبين الكتمان: فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار كمؤمن آل فرعون، وأما الذي يتكلم بالكفر فلا يعذره، إلا إذا أكره والمنافق الكذاب لا يعذر بحال، ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب.
ثم ذلك المؤمن الذي يكتم إيمانه يكون بين الكفار الذين لا يعلمون دينه، وهو مع هذا مؤمن عندهم، يحبونه ويكرمونه؛ لأن الإيمان الذي في قلبه يوجب أن يعاملهم بالصدق والأمانة والنصح وإرادة الخير بهم، وإن لم يكن موافقا لهم على دينهم، كما كان يوسف الصديق –عليه السلام- يسير في أهل مصر -وكانوا كفارا-، وكما كان مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ومع هذا كان يعظم موسى ويقول:) أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ (" ([6] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn6)).
وإذا كانت النُّصرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أُنيطت في جميع أنواعها وصورها بالقدرة – والقدرة لا تكون شرعيةً إلا بإمكان الفعل مع رجحان المصلحة- فإن أصحاب النبي وأنصاره بمكة كانوا يرون أنواع الاعتداء والأذى يصيب نبيهم، وهم مع ذلك كانوا عاجزين عن نصرته بالدفع والفعل واكتفوا بأدنى مراتب الإنكار؛ إذ النصرة والإعانة والمدافعة أحكام مقيدة بالشرع؛ ففَعَل الصحابة -رضي الله عنهم- في كل وقت ما هو واجب ذلك الوقت؛ فامتثلوا أوامر الله تعالى بالصبر كما امثلوا أوامره بالدفع؛ فإن الوقت إمّا أن يكون وقت سعة واختيار، وإمّا أنْ يكون وقت ضيق واضطرار، والحال إمّا أن يكون حال قوة وتمكين، وإمّا أنْ يكون حال عجز واستضعاف، والعبد يفعل ما أمر به في كل وقت بحسب الإمكان، فتكون ثمرة الفهم الصحيح للاستطاعة، هي ملازمة الطاعة في سائر الأحوال، والاستقامة على محض العبودية، والقيام بوظيفة الوقت، لذلك كان غذاء الصحابة الروحي ومعيشتهم التربوية – بمكة- على هذه المعاني العظيمة التي دلت عليها آية من سورة مكية؛ كما قال تعالى: [فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ] {التغابن:16}؛ فتأمل تقديم الأمر بالتقوى بقيد الاستطاعة على الأمر بالسمع والطاعة والإنفاق، كما قال قتادة -رحمه الله- في تفسير الآية: (فيما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله r على السمع والطاعة فيما استطعتم) ([7] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn7)).
ويشير قتادة رحمه الله إلى حديث ابن عمر -رضي الله عنه-ما قال: [كنّا إذا بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، يقول لنا: فيما استطعتم] ([8] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn8)).
لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في أخر عمر رسول الله وعلى عهده خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة لاتزال طائفة من هذه الامة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام؛ فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين" ([9]
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 333
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست