نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 332
ـ[أبو الأزهر]ــــــــ[29 - 10 - 2012, 10:10 م]ـ
المبحث الثاني
ضوابط الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
وأشير هنا إلى أهم هذه الضوابط، وهي:
الضابط الأول: الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يناط بالاستطاعة الشّرعية؛ إذ لا واجب مع العجز.
قد تقرر في الشريعة أن التكاليف الشرعية مشروطة بشروط من أهمها توفر القدرة والاستطاعة؛ فما أوجبته الشريعة من الأحكام وما شرعته من الواجبات وما جعلته شرطًا أو ركنًا فيها، فهو منوط بالاستطاعة، فلا تكليف مع العجز.
والمراد من الاستطاعة التي تكون شرطًا في التكليف، هي الاستطاعة الشرعية التي يحصل بها الفعل من غير مضرّة أو مفسدة؛ لأن الشريعة لا تنظر إلى إمكان الفعل فحسب، بل إلى إمكان الفعل مع لوازمه؛ فإنْ لم يمكن للمكلف أن يفعل الفعل إلا مع مضرّة راجحة، فهو عندئذ لا يكون ـ على الحقيقة ـ قادرًا ولا مستطيعًا؛ فقد راعت الأحكام الشرعية التمكن من الفعل، وكون الفعل خاليًا من المفسدة الراجحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالشرع لا ينظر في الاستطاعة الشرعية، إلى مجرد إمكان الفعل، بل ينظر إلى لوازم ذلك، فإذا كان الفعل ممكنا مع المفسدة الراجحة لم تكن هذه استطاعة شرعية" ([1] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn1)).
فعلى هذا التأصيل، لا يكون الجهاد واجبًا، إذا كان بالإمكان الدفع والمقاتلة لكن مع المفسدة الراجحة؛ إذ لا يجب الجهاد إلا بالتمكن من القتال أولًا، ورجحان مصلحة القتال على عدمه ثانيًا، وقد كان المسلمون يأتون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، ويستأذنونه بالدفع مع إمكان القتال، فيقول لهم [اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال] ([2] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn2)).
فالانتصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- تكليف شرعي وواجب ديني يناط بالاستطاعة الشرعيّة، فقد يسوغ للعبد أن يكتمه تارة ويظهره تارة أخرى، بحسب حال القوة والضعف، وبحسب استطاعته الشرعية ورجحان المصلحة على المفسدة، وقد جاء تأصيل هذا الضابط في القرآن الكريم، قال تعالى: [وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ] {غافر:28}.
فهذا الرجل المؤمن قد كتم إيمانه لكنه لم يكتم نصيحته وبيانه للحق إذ كان قادرًا عليه؛ فكتم إيمانه وهجرته، ولم يكتم نصرته، كما كان النّجاشي -رضي الله عنه- يكتم إيمانه وهجرته، ويظهر نصرته للمؤمنين الذين هاجروا إليه.
والعبد قد يظهر إيمانه ولكن قد يكون عاجزاً عن نصرة أهل الإيمان بالقول أو باليد؛ فيكتفي بنصرة القلب وإنكاره، وهذا من أضعف الإيمان، ومثال هذا النوع من الكتمان ما جاء عن ابن مسعود –رضي الله عنه- أنه قال: [بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضل في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم انظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] ([3] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn3)).
فابن مسعود –رضي الله عنه- كان عاجزًا عن طرح الأذى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكتم نصرته لعجزه، قال النووي رحمه الله عند شرح قوله: [لو كانت لي منعة طرحته] "أي: لو كان لي قوة تمنع أذاهم، أو كان لي عشيرة بمكة تمنعني" ([4] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?p=33174#_ftn4)).
فاعتذر لكتمانه أنه كان هذليّاً حليفاً وكان حلفاؤه إذ ذاك كفاراً.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 332