responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 312
نَعَمْ، إِنَّ هذا الصديقَ الرفيقَ رجُلٌ لكنَّه ليسَ ككلِ الرجِال، إِنه أَفضلُ رجلٍ في الإسلامِ بعدَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنَّه الصَّدِيقُ الصِّدِّيقُ، إِنَّه الحبيبُ الرفِيق، إِنَّه صاحبُ القلبِ الرَّقِيق، إِنَّه سيدُنا أَبو بكرٍ الصِّدَّيقِ –رَضِي اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الكِرَام-.
تركَ دينَ آبائِه وأَجدادِه فآمنَ بالنَّبِي حينَما كفرَ بِه النَّاس، وصدَّقَه حينَما كذَّبَه النَّاس، واستأمنَه علَى ابنتِه فزوجَهُ إِياهَا لتكونَ رفيقةَ دربِهِ وشريكةَ عُمْرِه، وفي طريقِ الهجرةِ يسابقُ الصديقُ حبيبَه النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دخولِ الغارِ حتى لا يصلَ إِلى الحبيبِ أَذى، ولا يصيبَه مكروهٌ مِنْ هوامِ الأَرض، ثمَّ هو في الطريقِ تارةً يسيرُ وراءَ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخافةَ أَنْ يُصابَ مِنْ خلفِه، ثمَّ يسرعُ تارةً ليسيرَ أَمامَه مخافةَ أَنْ يُصابَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بينِ يديْه، وتارةً ثالثةً يسيرُ علَى يمينِه حتى لا يُنالَ مِنْ جنبِه، وتارةً رابعةً يسيرُ علَى شمِالِه حتى لا يُنالَ مِنْ جنبِه الآخَر.
إِنَّها محبةٌ جعلتِ الصديقَ يُضَحِي بحياتِه فداءً لرسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهذا الرجلُ يستحقُ بجدارةِ أَنْ يكونَ رفيقً للمصطفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الرحلةِ المباركةِ العظِيمة.
هذه هي الصداقةُ الحقِيقِية، فَاللَّهُمَّ ارضْ عنْ هذا الصحابِي الجلِيل، وعنْ سائرِ الصحابةِ الكرامِ أَجمعين.
نَسْتَفِيدُ مِنْ هَذَا المشْهَدِ: أَنَّ مِنْ وسائلِ النجاحِ التي بها يبلغُ الإنسانُ بُغْيَتَه، اختيارُ صديقٍ رفيقٍ صالحٍ مخلِص، يُقَوِّي وقتَ الضَّعْف، ويَدفعُ عند الخمُول، ويشاركُ ولوْ بكلمةٍ طيبةٍ تنفعُ وقتَ الحاجةِ إِليهَا.
4 - بِنَاءُ الإِنسَان، أَهمَّ مِنْ إِنْشَاءِ البُنيَان:
"التربيةُ السليمةُ القويمةُ للإنسان، يترتبُ عليهَا أُمةٌ متماسكةٌ قويةُ البنيَان"، إِلى هذا المعنَى فِطنَ الحبيبُ المربِي، وعلَى هذا الطريقِ سارَ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَدركَ أَنهَّ لكي تقومَ دولةُ الإسلامِ علَى أَساسٍ متينٍ قوي، فلابدَّ مِنْ وجودِ عاملينِ رئيسيَين:
الأَوَّلُ: أَنْ يتربَّى أَفرادُ هذه الأُمةِ على عقيدةٍ إِيمانيةٍ صحيِحة، وصلةٍ وثيقةٍ قويةٍ بينهُم وبينَ خالقِهم –عَزَّ وَجَلَّ-.
لِذَلِكْ، فإِنَّ أَولَ شئ فعلَه النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينَما وصلَ إِلى المدينةِ النبويةِ الشريفَة، أَنَّه بدأَ في تأسيسِ وبناءِ مسجدِ قِباء، الذي يعدُ أَولَ مسجدِ بُني بعدَ النُّبوة، بنَاه النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليكونَ جَامِعًا وجَامِعَةً ومُجَمَّعًا.
وبالفعلِ أَصبحَ المسجدُ جَامِعًا تقامُ فيه الفرائضُ والعبَادات، وجامعةً يتعلمُ فيها المسلمونَ مكارمَ الأَخلاقِ وفقهَ المعاملاَت، ومُجَمَّعًا يجتمعُ فيه النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأَصحابِه للمشاورةِ في أُمورِ السرايا والغزَوات.
أَمَّا العاملُ الثَّاني الذي ستقومُ عليهِ دولةُ الإسْلاَم: هو أَنَّه لابدَّ أَنْ تكونَ علاقةُ أَفرادِ هذه الدولةِ الإسلاميةِ ببعضِهم علاقةَ ترابطٍ وتماسكٍ وتناصح؛ فالقوي يَحمِي الضَّعِيف، والغَنِي يُعطِي الفَقِير.
لذلكَ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤمِنُ لِلْمُؤمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا". وشبّكَ النَّبِي بينَ أَصابعِه (متفق عليه).
وعلَى هذا الأساسِ بدأَ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تأكيدِ هذه العلاقةِ القوِيمة، وتحقيقِ روحِ الترابطِ والتماسكِ بينَ المهاجرينَ والأَنصَار؛ فقامَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمؤَخاةِ بينهُم ليذيبَ الاختلافَ بينَ اللغاتِ واللهجَات، ويمحوَ غضاضةَ الفوارقِ بينَ الدرجاتِ والطبَقات.
فقامَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمؤَخاةِ بينَ الفَارِسِي والعَرَبِي، وبينَ الرُّومِي والحبَشِى، وبينَ المكِي والمدَنِي، وبينَ القُرشِي والدَّوْسِي؛ لِكي ينصهَر الجميعُ في معينٍ واحدِ وبوتقةٍ واحدَة، أَلا وهي بوتقةُ الإسلاَم.
¥

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 312
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست