نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1747
وسأله رجل عن مسألة استودعه إياها أهل المغرب، فقال: ما أدري! ما ابتُلينا بهذه المسألة ببلدنا، ولا سمعنا أحدًا مِن أشياخِنا تكلم فيها، ولكن تعود. فلما كان مِن الغد، جاء وقد ثقله على بغله يقوده، فقال: مسألتي؟! فقال: ما أدري ما هي! فقال الرجل: يا أبا عبد الله! تركتُ خلفي مَن يقول: (ليس على وجه الأرض أعلم منكَ)! فقال مالك -غير مستوحش-: إذا رجعتَ؛ فأخبِرهم أني لا أُحسن.
وسأل رجل مالِكًا، فلم يجبه! فقال له: يا أبا عبدِ الله! أجبني. فقال: ويحك! تريد أن تجعلني حجةً بينك وبين الله! فأحتاج أنا -أولا- أن أنظر كيف خلاصي ثم أخلصك!
وكان يقول في أكثر ما يُسأل عنه: لا أدري! قال عمر بن يزيد: فقلت لمالك في ذلك؛ فقال: يرجع أهل الشام إلا شامهم، وأهل العراق إلى عراقهم، وأهل مصر إلى مصرهم، ثم لعلي أرجِع عما أرجع أفتيهم به! قال: فأخبرتُ الليثَ بذلك؛ فبكى، وقال: مالكٌ -واللهِ- أقوى من الليث -أو نحو ذلك-.
هذا، وسئل مرةً عن نيِّف وعشرين مسألة؛ فما أجاب منها إلا في واحدة! وربما سئل عن مائة مسألة فيجيب منها في خمس أو عشر، ويقول في الباقي: لا أدري!
قال أبو مصعب: قال لنا المغيرة: تعالوا نجمع كل ما بقي علينا ما نريد أن نسأل عنه مالكًا. فمكثنا نجمع ذلك، وكتبناه في قنداق، ووجه به المغيرة إليه، وسأله الجواب؛ فأجابه في بعضه، وكتب في الكثير منه: (لا أدري)! فقال المغيرة: يا قوم! لا -واللهِ- ما رفع الله هذا الرجل إلا بالتقوى، مَن كان منكم يسأل عن هذا، فيرضى أن يقول: (لا أدري)؟!
والروايات عنه في: (لا أدري)، و (لا أحسِن) كثيرة! حتى قيل: لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك: (لا أدري)؛ لفعل! قبل أن يجيب في مسألة.
وقيل له: إذا قلتَ أنت -يا أبا عبدِ الله! -: (لا أدري)؛ فمن يدري؟! قال: ويحك! أعرفتني؟ ومن أنا؟ وإيش منزلتي؛ حتى أدري؟!! ما لا تدرون! ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر -رضي الله عنه-، وقال: هذا ابن عمر يقول: (لا أدري)، فمن أنا!!! وإنما أهلك الناس العُجب، وطلب الرياسة، وهذا يضمحل عن قليل.
وقال -مرة أخرى-: قد ابتلي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بهذه الأشياء؛ فلم يُجِب فيها! وقال ابن الزبير: (لا أدري)، وابن عمر: (لا أدري) -رضِي الله عنهم أجمعين-.
وسئل عن مسألة؛ فقال: لا أدري! فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة! فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، أمَا سمعتَ قول الله تعالى: {إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؟! فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يُسأل عنه يوم القيامة. وقال: إذا كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصعب عليهم مسائل، ولا يجيب أحد منهم في مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه. قال: مع ما رُزِقوا من السداد والتوفيق مع الطهارة؛ فكيف بنا؟!! الذين قد غطَّت الخطايا والذنوب قلوبَنا!!
16 - وقال الشافعي -رحمه الله-: ما رأيتُ أحدًا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه على الفتيا!
17 - وقال سفيان بن عيينة، وسحنون بن سعيد -رحمهما الله-: أجسر الناس على الفتيا؛ أقلهم علمًا، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم؛ يظن أن الحق كله فيه!
18 - وعن سحنون -رحمه الله- أنه قال -يومًا-: إنا لله! ما أشقى المفتي والحاكم! ثم قال: هأنذا يُتعلم مني ما تُضرب به الرقاب، وتُوطأ به الفروج، وتُؤخذ به الحقوق، أما كنتُ عن هذا غنيًّا.
وعنه أنه قال: أشقى الناس مَن باع آخرتَه بدنياه، وأشقى منه مَن باع آخرَته بدنيا غيره. ففكرتُ فيمن باع آخرتَه بدنيا غيره؛ فوجدتُه المفتي؛ ما وجدتُ مَن باع آخرَته بدنيا غيره إلا المفتي.
وقال -أيضًا-: كان بعض مَن مضى يريد أن يتكلم بالكلمة، ولو تكلم بها لانتفع بها خلق كثير، فيحبسها ولا يتكلم بها؛ مخافة المباهاة.
وكان إذا أعجبه الصمت تكلم، ويقول: أجرأ الناس على الفتيا؛ أقلهم عِلمًا.
وقال -أيضًا-: إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب حتى أتخير، فلِمَ أُلام على حبس الجواب؟!!
19 - وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: مَن عرَّض نفسه للفتيا؛ فقد عرَّضها لأمر عظيم، إلا أنه قد تُلجئ الضرورة.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1747