نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1648
والإنسان فى عقيدة القرآن هو الخليفة المسئول بين جميع ما خلق الله , وذكر فيه بغاية الحمد وغاية الذم فى الآيات المتعددة وفى الآية الواحدة فلا يعنى ذلك أنه يذم ويحمد فى آن ٍواحد , وإنما معناه أنه أهل للكمال والنقص بما فُطرعليه من إستعداد لكل منهما فهو أهلٌ للخير والشر لأنه أهل للتكاليف , ولذلك فقد منحه الله فرصة التميز والإختيار ليقوم بتبعته الفردية ويتحملها , وحذره القرآن من عدوه اللدود ألا وهو الشيطان المريد وأكد القرآن التحذير حتى لا يبقى للإنسان عذر يعتذر به إذا وقع فى شراك هذا الشيطان , وذلك ليتم له التمكين فى الأرض من إقامة شرع الله فيها , وأن يبتغى فيها معيشته ويتخذ فيها زينته، لتتم بها عدته , ولا يزهد فى شئ من خيراتها ما دام طيباً تخرجه له الأرض بأذن الله , وتكون هذه الزينة للعبادة واجبة , فليس السعى فى سبيل الدنيا ضلالاً عن سبيل الآخرة , فليس فى القرآن فصام بين روح وجسد , أو إنشقاق بين عقل ومادة أو إنقطاع بين سماء وأرض , أو بين ظاهر وباطن , وبين غيب وشهادة , بل هى العقيدة على هداية واحدة , تحسن بالروح كما تحسن بالجسد فى غير إسراف ولا خروج عن السبيل.
الأمثال فى القرآن
... ضرب الله الأمثال للناس فى القرآن لوناً من ألوان الهداية الإلهية التى تغرى النفوس على الخير , أو تحضها على البر , أو تمنعها من الإثم أو تدفعها للفضيلة , وقد تناولت هذه الأمثال مجالات عدة: فمثلت الإيمان ومثلت الكفر ووضحت فى صورة مجسمة , وألبست المعنوى ثوب المحسوس , وفصلت المُجْمَل وأوضحت المُبهمْ؛ فالتمثيل يُقرب الفكرة إلى العقل ويجعلها أوضح للمنطق لأن فى المَثل تجتمع أربعة لا تجتمع فى غيره من الكلام: إيجاز اللفظ وإصابة المعنى , وحسن التشبيه وجوده الكناية.
... وقد هال المعادين والمكذبين هذا النمط من الأسلوب القرآنى وذلك اللون من التربية الألهية , واستنكروا أن يضرب الله الأمثال زاعمين أن الله أعلى من ذلك وأجل , وتساءلوا مستنكرين: أى قدر للذباب والعنكبوت حتى يضرب الله بها الأمثال؟! , وجادلوا محتجين بأن الله عظيم ولن يتضمن كلامه إلا كل عظيم ,ويرد القرآن عليهم بأن المولى سبحانه لا يرى من النقص أن يضرب مثلا بالبعوضة , أو بأصغرها حجما , فالمثل حق يدعو الى حق يعترف به المؤمنون فيزيدهم تمسكا بإيمانهم , وينكره المارقون الجاحدون فيزيدهم غواية على غوايتهم ,
... والله سبحانه هو المثل الأعلى تنسب له وحده جميع الصفات المحمودة , فلا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف بها البشر , إلا بما وصف به نفسه , لذا نهى الله سبحانه على أن نضرب له الأمثال فقال عز من قائل " فلا تضربوا لله الأمثال " بل هو الذى يضرب لنفسه الأمثال , كما لا يجوز لنا أن نقتدى به لأنه سبحانه لا مثيل له , ولا شبيه له , وإنما تضرب الأمثال لمن غاب عن الأشياء , وخفيت عليه الأشياء , فالعباد يحتاجون الى ضرب الأمثال , إذ قد خفيت عليهم الأشياء , فضرب الله لهم مثلا من عند أنفسهم , لا من عند نفسه , ليدركوا ما غاب عنهم , فأما ما لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء فلا يحتاج إلى الأمثال.
(وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) العنكبوت:43
القصة فى القرآن
" .... القصة فى القرآن ليست عملا فنياً مستقلاً فى موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه بل هى وسيلة من وسائل القرآن الكريم الكثيرة إلى تحقيق هدفه الأصيل , والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شئ , والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبيتها , وقد خضعت القصة القرآنية فى موضوعها لمقتضى الأغراض الدينية , ومع هذا الخضوع الكامل للغرض الدينى لم يمنع بروز الخصائص الفنية فى عرضها ولا سيما خصيصة القرآن الكبرى فى التعبير وهى: التصوير , والتعبير الفنى يؤلف بين الغرض الدينى والغرض الفنى فيما يعرضه من الصور والمشاهد , ويجعل الجمال الفنى أداة مقصورة للتأثير الوجدانى فيخاطب حاسة الوجدان الدينية بلغة الجمال الفنية , وإدراك الجمال الفنى الرفيع بشئ يحسن الإستعداد لتلقى التأثير الدينى حين يرتفع الفن إلى هذا المستوى الرفيع مستوى التعبير عن العقيدة وحين تصفو النفس لتلقى رسالة الجمال التى تبلغ فيه العقيدة حد الكمال.
... ومن أغراض القصة القرآنية إثبات الوحى والرسالة فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن قارئا ًولا كاتبا ًولا عُرِفَ عنه إنه جلس الى أحبار اليهود والنصارى , ثم جاءت هذه القصص فى القرآن وبعضها جاء فى تطويل ودقة كقصص إبراهيم ويوسف وموسى وعيسى , ومن أغراضها أيضا بيان أن الدين كله من عند الله من عهد نوح الى عهد محمد , وأن المؤمنين كلهم أمه واحدة , والله الواحد رب الجميع , وكثيراً ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة فى سورة واحدة , معروضة بطريقة خاصة , لتؤيد هذه الحقيقة , ولما كان هذا غرضا أساسيا ًفى الدعوة , وفى بناء التصوير الإسلامى فقد تكررت مجئ هذه القصة , على هذا النحو مع إختلاف فى التعبير لتثبت هذه الحقيقة وتؤكدها فى النفوس , ومن أغراضها أيضا تبيين أن الدين كله موحد الأساس فكانت ترد قصص الأنبياء مجتمعة كذلك مكررة فيها العقيدة الأساسية , وهى الإيمان بالله الواحد , ومن أغراضها بيان الأصل المشترك بين دين محمد ودين إبراهيم بصفة خاصة , ثم أديان بنى إسرائيل بصفة عامة وإبراز ان هذا الإتصال أشد من الإتصال العام بين جميع الأديان , ومن أغراضها ايضا بيان أن الله ينصر أنبياءه فى النهاية ويهلك المكذبين وذلك تثبيتا ًلمحمد صلى الله عليه وسلم وتأثير فى نفوس من يدعوهم للإيمان وتصديق التبشير والتحذير وعرض نموذج واقعى من هذا التصديق , وكذلك بيان نعمة الله على أنبيائه وأصفيائه , وتنبيه بنى آدم الى غواية الشيطان , وبيان قدرة الله على الخوارق وبيان عاقبة الطيبة والصلاح , وعاقبة الشر والإفساد والذى يتتبع قصص القرآن يجد عقب كل قصة تعقيباً دينياً يناسب العبرة فيها أو يجد التوجيهات منثورة فى ثناياها بكثرة ووفرة تدل على الغرض الأساسي من سياق القصة وهو الغرض الدينى.
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 1648